هادي جلو مرعي / البلاد العربية لاحاجة فيها للدليل على فساد مسؤوليها وتماديهم في إستغفال الشعوب التي عليها أن تضحي على الدوام وأن تقدم البرهان على ولائها وإخلاصها للحكام، وأن لاتناقش أبدا، فمطلوب منها أن تذهب الى مراكز التصويت وتنتخب الفاسدين، ثم تهتف لهم في الشوارع، وترفع لافتات الشكر والثناء عرفانا لما قدموه من خدمات جليلة للشعب، وأن تكتب في الصحف مقالات وأعمدة فيها مافيها من مدح وثناء وتكريم لروح التضحية والشجاعة والإقدام التي يتحلى بها المسؤول، وأن تغني له في التلفاز والإذاعة وتطريه وتهتف له ولمجده التليد.
المسؤولون في البلاد العربية لايثقون بمستقبل بلدانهم، وهم غير قادرين على لجم الفساد، ولايفكرون في إتخاذ تدابير كافية لتطوير الإقتصاد وبناء الدولة وتجد إنهم ينساقون الى الفساد بسرعة حين تنفتح لهم الأبواب وتقدم لهم المغريات التي لايقوى أي واحد منهم على أن يتجاهلها فيسارع الى الحصول على مايمكن من مكاسب مالية ومناصب ليحفظ بها فرص العيش الآمن في بلدان لاأمان لها على الإطلاق، وهو يتخلى عن شرفه المهني بذلك ولايكون ملتزما بمعايير المهنية العالية التي يتطلبها العمل في السياسة وإدارة الدولة.
إستوقفتني ثلاث حالات تجاوز على المال العام في ثلاث محافظات عراقية تشي بعدم إحترام يبديه المسؤول تجاه شعبه وعدم ثقة بمستقبل دولته فهو يرغب بجمع الأموال تحسبا للغد بعد أن يغادر منصبه، ففي واحدة من المحافظات أقدم أعضاء الحكومة المحلية على التصويت على قرار يتيح لهم تقديم المال لكل عضو منهم يموت قريب له من الدرجة الأولى! وهو أمر لم يحصل له مثيل في بلد آخر من بلدان الدنيا. وفي محافظة ثانية قرر الأعضاء تقاسم أموال الجباية بينهم وهي أموال تعود للدولة كالضرائب والرسوم وغيرها من أموال تستحصل للحكومة المحلية وهي ليست للحكومة بل للشعب لكنها تستغل لصالح الأعضاء الذين يتحولون الى تجار يبحثون عن مكاسب ولايهمهم الشعب بشئ. وفي محافظة ثالثة قرر الأعضاء شراء سيارات مصفحة لهم بمبالغ خيالية تفوق المعقول وهم يديرون حكومة في مدينة تحتلها داعش بمعنى آخر أنهم لايعملون أصلا وهم ضيوف في بغداد أو يعيشون في كردستان وحتى في عمان فماجدوى التفكير بشراء سيارات خاصة، بينما أبناء مدينتهم مشردون وجياع ومحرمون ونازحون يعيشون في المخيمات يبحثون عن طعام ودواء وماء لأطفالهم ونسائهم.
الضمير العربي يموت رويدا، فهذه الحالات تتشابه في البلدان العربية من غير إستثناء للأسف.