الملاحق في الصحافة اللبنانية…
11 يناير, 2014
ثقافة و فنون, مقالات
تحقيق: حسن خبيز / طالب كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدولية .
لم تكن الملاحق اللبنانية تجربة فريدة من نوعها حيث انها و بطبيعة الحال كأغلب الافكار التي تطرأ على مجتمعنا هي افكار مستوردة من الغرب عموما. تتنوع مواضيع الملاحق اللبنانية فمنها السياسي و منها الثقافي و الاقتصادي و الاجتماعي و الترفيهي وصولا الى التكنولوجي لتغطي بذلك جميع مستلزمات الثقافة اللبنانية والمجتمعية على كافة الأوجه والأصعدة. هناك عدة تجارب للملاحق على مستوى لبنان و لسنا هنا بصدد تعدادها و التعريف بها بل يتمحور موضوعنا حول ارتباط الملحق بشكل عام بالثقافة و كيفية صنع هذه الثقافة.
يتأسس الملحق عادة من مجموعة ابواب تندرج في سياق متناسق تختلف فيه الموضوعات. فهدفه الاساسي احاطة اكبر قدر من المعلومات حول موضوع ما او مشكلة معينة بحيث لا تستطيع الصحف تفريغ مساحة مماثلة في اصداراتها اليومية. لقد ادركت جميع الصحف اهمية تجربة الملاحق في عملية انتاج الثقافة لذلك بادرت عدة جرائد وكان على رأسها النهار لتتبعها السفير وصولا الى أغلبية الجرائد التي تصدر في يومنا هذا. لا تقتصر الملاحق على الصفحات الثقافية والسياسية بل تتعداها الى التكنولوجية على سبيل المثال لا الحصر الملحق التكنلوجي لجريدة الجمهورية الذي يهدف بشكل اساسي الى تعريف الجمهور والقراء الى اهم التطورات والابتكارات التكنولوجية التي تحدث في العالم بالتالي فالجمهور الذي يقصده هذا الملحق هو بشكل اساس يهتم بالتطورات التكنولوجية التي تحدث بالعالم لذا قامت الجمهورية باصدار هذا الملحق كملخص اسبوعي عن كل الابتكارات التي حدثت في هذا الاسبوع. انطلاقا من هنا يفتح النقاش الاساسي عند المثقفين، فالإشكالية التي تطرح نفسها اليوم هل يعد من يملك المعلومة مثقفا؟
التكنلوجيا والمكتوب:
يعتبر الكثيرون ان التطور التكنلوجي الذي حدث في الاونة الاخيرة احدث ثورة على الصعيد الثقافي حيث إن جزء من هذه الثورة يعد تغييرا لمفهوم الثقافة كتعريف اضافة الى اعدام وسائل انتاج الثقافة المطبوعة فالانترنت خصوصا دقت المسمار الاخير في نعش المطبوعات لكونها تحمل في طياتها امكانية قراءة الخبر و مشاركته بالاضافة الى ابداء الراي حوله ناهيك عن امكانية الارشفة اللا محدودة للاخبار.
-علي شمس الدين يقول :” أن الملحق الثقافي لجريدة النهار تحول اليوم إلى مشروع هامشي نظرا لغياب التعريف الجديد للمثقف والثقافة. فالثقافة الان لا تتوقف على القراءة فقط. فالمثقف هو تعريف نخبوي محض و عليه هو كائن سلطوي و لان كلمة مثقف فيها الكثير من التعميم و القليل من التخصص مما اعطى تعريف المثقف بعض الالتباس بالاضافة الى موت الكاتب و ضمور الفلسفة. وهذه الأسباب تعد من اهم الاسباب التي كونت الاعتقاد الراسخ لدي ان الثقافة و المثقفين بحاجة الى تعريف جديد عوضا عن التعريف النخبوي الذي كان مهيمنا على الساحة الثقافية للبلد.
واقع الثقافة الحالي:
يشكل الملحق سواء كان ثقافيا او سياسيا منفذا للجيل الشاب للدخول الى وكر الثقافة من ابوابها الواسعة فمجرد قراءته لمواضيع معمقة بحثا وتحليلا تساهم في تنشيط المخزون الثقافي و تفعيل هذا المخزون في عملية انتاج الثقافة. ولكن الثقافة في يومنا هذا تواجه مشاكل جمة و لعل ابرز هذه المشاكل عدم وجود الوعي الكافي لدى الجيل الشاب لادراك اهمية الثقافة في عملية التوعية الاجتماعية مما يضع المؤسسات الثقافية في حيرة من امرها نتيجة التوجه العام الذي يجب ان تتخذه للوصول الى الفئة الشابة.
تؤكد الشاعرة انتصار الدنان على اهمية الثقافة ولكنها ومن خلال تجربتها في الحقل التعليمي وجدت انعدام الثقافة لدى الجيل الشاب و السبب الرئيسي الذي يشغل الشباب عن الثقافة هو الانترنت فبرأيها “هناك تدني بالثقافة ليس من قبل من يعطي الثقافة بل الازمة في المتلقي والطلب على الثقافة. هناك جهد كبير من قبل الكتاب لتوصيل الثقافة الا ان شيوع الانترنت يمنع الشباب من القراءة و طلب الثقافة و قد لمست هذا من خلال تعليمي لطلاب الثانوي فمستوى الثقافة عندهم متدني جدا. فالشباب لا يبحثون عن التثقف وذلك يعود لغياب التوعية والتوجيه نحو الثقافة و هذا ما يلعبه الاستاذ مع طلابه من خلال طلبه للتلاميذ بالقيام ببحث معين او قراءة شيئ معين ولكن عدم توفر الطلب يدفع التلميذ الى قضاء وقته بوسائل الاتصال الاجتماعي.
-اما الدكتور خالد ممدوح العزي و هو استاذ جامعي محاضر في العديد من الجامعات اللبنانية :” يرى بان الجيل الشاب وخصوصا طلاب الصحافة لا يقرؤون وذلك يعود الى عدم وجود المام ثقافي و عدم ادراك لاهمية القراءة والمطالعة في عملية تجديد الافكار و رفع مستوى الابتكار الفكري للجيل الشاب وبالتالي مهنة الاعلام هي مهنة تعتم على اللغة والثقافة العامة واستخدام المعلومات التي يمكن ان تربط في اي عمل يقدمه الاعلامي للجمهور .
كما يعتبر ان للملحق دور رئيسي في بناء الثقافة نظرا لكون الملحق يعتبر مضمارا تخصصيا حيث تؤرشف الاخبار تحت بند ثقافي ليصبح الخبر جزءا من البحث.
انطلاقا من هنا نلاحظ ضمور الملحق والصحف المطبوعة الى حد كبير و السبب لا يعود لغياب المثقفين بشكل اولي بل يعود الى الطفرة والتغيير الجذري الذي يصيب المطبوعات من خلال ارتباطها بوسائل الاتصال الحديثة. فالرأي اليوم يشكله الاتصال بالشبكة العنكبوتية و عند قراءة ردود المستخدمين و مراقبة كيف المستخدم يعدل المحتوى الالكتروني كيفما شاء دون اي سلطو تردعه او تحاسبه مما يصل بنا الى غياب ما يسمى بصاحب النص، وحتى الخبر في هذه المرحلة يصبح دون وكالة تتبناه.
انطلاقا من غياب تعريف واضح للثقافة والمثقفين كان لا بد من دراسة الثقافة اللبنانية من زاوية الملحق الذي شكل طفرة على الصعيد اللبناني حيث اصبح تجربة يعتد بها وتدرس لامكانية تطبيقها في اي مكان في العالم اذا ما تواجدت الظروف والامكانات الملائمة.
بدأ الملحق بشكل اساسي في اوائل الاربعينات حيث كان الصراع الاسلامي المسيحي المتمثل بجريدة النهار من جهة و القوى الاسلامية من جهة اخرى على المستوى الثقافي. الا ان هذه التجربة لم تكن على المستوى المطلوب حتى واخر الستينات عندما قامت النهار بتأسيس الملحق الثقافي الاول مع انسي الحاج الذي ملأ الدنيا و شغل الناس انذاك فقد كان يمثل الطرف الليبرالي انذاك بوجه المد الاشتراكي الممثل بمجلة اليسار و جزء من كتاب جريدة السفير.
تختلف مهمة الملحق من جريدة الى اخرى باختلاف الهدف المرجو منه فعادة عمد الجريدة الى اصدار ملحق سياسي بشكل اساسي هو لارساء موقف سياسي معين لم تستطع ارسائه في الصحيفة لاسباب معينة، مما يدفعها الى اصدار ملحق سياسي يناقش القضايا السياسية التي تشكل موضوع الصراع على الساحة العامة و يأخذ كتابها على عاتقهم عملية القتال في الساحة الثقافية بهدف احراج الخصم سياسيا واضعافه.
لنان و منذ تأسيس الملحق الأول بدأ يخوض ضمار تجربة الملاحق في الصحف المحلية فملحق النهار الثقافي بنسخته الاولى اي مع انسي الحاج يشكل اول تجربة حقيقية على صعيد الثقافة اللبنانية لتتبعه تجربة ملحق السفير الثقافي مع الياس خوري . مع اوائل التسعينات قرر غسان تويني بالاتفاق مع الياس خوري الذي كان على خلاف سياسي مع طلال سلمان رئيس تحرير جريدة السفير، بناء ما يسمى بالملحق الثقافي لجريدة النهار بنسخته الثانية بعدما انتقل انسي الحاج الى الجريدة. بعد ملحق النهار قامت السفير ببناء ملحق ثقافي تسلمه عباس بيضون و هذا كان في العام 96 اي بعد ستة اعوام من تأسيس الملحق الثقافي لجريدة النهار. لاحقا قام الرئيس الحريري بتأسيس ملحق نوافذ المستقبل التابع لجريدة المستقبل و يندرج هذا الملحق تحت نفس العنوان الثقافي. كل تجربة من هذه التجارب التي تشكل تجربة هي الانجح على صعيد الملاحق اللبنانية تستحق الدرس مطولا نظرا للاسهام في عملية بناء الثقافة وتوجيه الرأي العام الذي كان الاساس في عملية الحراك المجتمعي الذي حدث في ماضي لبنان القريب.
نظرا لشمولية الموضوع الذي نعالجه كان من الاجدر انتقاء احدى هذه التجارب بهدف دراستها بشكل معمق داخليا، دون انتقاض من اهمية اي من هذه التجارب الاخرى لذا جاءت دراستنا حول الملحق الثقافي لجريدة النهار بنسخته الثانية اي مع الياس خوري.
تأسس ملحق النهار الثقافي بداية مع الياس خوري الذي سلم بسام حجار ومحمد سويد إدارة تحرير الملحق كان بسام شاعرا لامعا ومثقفا متسع الآفاق، وكان عائدا لتوه من فرنسا، أما محمد سويد فكان زميل الياس في السفير، وكان ناقدا سينمائيا معروفا، وهو واحد من أهم نقاد السينما في لبنان والعالم العربي بالاضافة الى بلال خبيز الذي كان يعمل في تلفزيون المستقبل. وتعاون الياس مع عباس بيضون، وهو أحد أهم شعراء العالم العربي وأهم مفكريه أيضا.
مع تأسيس الملحق بصيغته الثانية اصبح يشكل بابا للكتاب و مشروع الكتاب لابداء اراءهم في عدة مواضيع مطروحة فكان من بين هؤلاء(مشاريع الكتاب) شادي علاء الدين وفادي عبدالله الذين لم يكن لهما تجارب عملية في الصحافة اللبنانية.
فادي العبد الله، شاعر وناقد، نشر مقالات في الموسيقى والحقوق والأدب والسينما والسياسة في الصحف والمجلات اللبنانية وسواها، كما شارك في معارض فنون حديثة في لبنان والشارقة وبريطانيا.
يعتبر فادي الملحق الثقافي كمدخل الى اجواء الثقافة اللبنانية حيث زاره محملا بقصائد المراهقة الاولى حين تلقفه الياس و بلال و بسام وأسهموا في تعميق اهتمامه بالثقافة والفكر وفي دفعه إلى رفض الاستسهال في الكتابة عموماً. وكان بلال تحديداً من شجعه على الكتابة النثرية لا سيما في شؤون الموسيقى والسينما.
و يؤكد فادي ان ملحق النهار كان محلاً للمفاجآت في اختيار مواضيعه ومحاوره، والانفتاح على النقد الحديث والسينما والفنون المعاصرة، وفي الجرأة على تقديم كتاب جدد آنذاك هم الآن جل كتاب الصحافة اللبنانية والخليجية، كما الجرأة على مقارعة السياسة الاقتصادية الحريرية والأمنية اللحودية والهيمنة السورية والاسترهان الحزب اللاهي في ايام عز وسطوة هذه جميعاً ومعاً.
كما يعتبر فادي ان غياب المجلات المتخصصة في المجالات الفكرية، وضيق المساحة التي تستطيع الصحف أن تخصصها يومياً لهذه المجالات، فضلت عن توافر كفاءات مهنية لا مجال لاستيعابها في إطار العمل اليومي، دفعت الصحف إلى اصدار ملاحق تسمح بنوع أشمل وأعمق من المعالجة لهذه الموضوعات. وقد أثبتت التجربة، أيام كانت الصحف تعتمد في شكل كبير على مردود المبيعات، أن الملاحق تجربة مجزية فقد كانت أرقام توزيع النهار مثلاً تسجل ارتفاعات هامة في أيام صدور الملحق الثقافي.
من ناحية أخرى، كانت تجربة ملحق النهار تحديداً هامة لأنها سمحت داخل مؤسسة النهار بإيجاد صوت سياسي وتحليلي مستقل ومختلف عن التوجه الذي كان على الصحيفة أن تتبعه.
من وجهة نظر اخرى يعتبر شادي علاء الدين “ان الجرائد تعمد الى انشاء الملاحق لسد الحاجة الى التخصص التي لا تلبيها الجريدة بصفتها الاخبارية البرقية التي لا تفي بمتطلباتها صفحة يومية”.
و يشكل الملحق الثقافي بحسب شادي مختبرا للاراء والتطلعات الاكثر عمقا واصالة, وتعتبر الكتابة فيه امتيازا، فالافكار التي تنشر خلاله تشكل السبب لما يحدث من حراك سياسي واجتماعي يهيمن على ربوع البلد.
كما ان الملحق الثقافي هو مصنع الكتاب فأغلب الفاعلين على الساحة الثقافية اللبنانية الان خرجوا من كنفه. و يعتبر شادي ان الملحق بعد اغتيال الرئيس الحريري و بعد ان ” النهار قلبها وعقلها صديقي بلال خبيز ما أفقدني الإيمان بالملحق ومشروعه. سرعان ما انحدر الملحق وصار”سوق الأحد” بعد أن كان روح الثقافة في البلاد.
البلاد انحدرت كذلك وصرنا بلا أحلام. الأصدقاء الكتاب تاهوا في المنافي وصار العيش في البلاد تمرين سيزيفي على الإحتمال.الملحق كان خطاب أمل وعقلنة وأعتقد أنه قد سقط بسقوطهما. “
– اما بلال خبيز الذي يعد احد مؤسسي الملحق الثقافي لجريدة النهار فيرى ان الملحق كان له من الاهمية انذاك ما جعلته رائدا على صعيد صنع الثقافة اللبنانية وليس نشرها فقط، فأن “أن يتسلم عباس بيضون وقبله شوقي بزيع مسؤولية الصفحة الثقافية في السفير، فهذا يعني أن ملحق النهار احتل حيزا من مبنى السفير. فشوقي كان مساهما دائما في الملحق، أما عباس فكان واحدا من صناع سياساته. على أي حال لم يكن ثمة شك في أن حضور عباس بيضون في الملحق له من الوزن ما يجعله يفرض ظله على الملحق عموما. أما ملحق نوافذ في المستقبل فتم تأسيسه في فترة متأخرة، بعدما كان الملحق قد نجح في الهيمنة على خطوط النقاش العامة في البلد عموما، وليس في صحافته الثقافية أو الفكرية فحسب.
والحق، أتى اغتيال الحريري ليدق مسمارا في نعش الملحق كدور وتاليا في نعوش الملاحق الثقافية كافة. فمع موت الحريري انتهى عهد ذهبي في البلد له نجومه ومثقفوه وسياسيوه، وافتتح عصر آخر. “
والملحق كان له زمنه شكلا ومضمونا، ولن يتكرر.ليس لأنه فريد عصره وزمانه، بل لأن التقنيات اليوم اختلفت. يمكنني القول إن بعض ما أدى إلى خراب الملحق يتصل اتصالا مباشرا بوسائط التعبير والاتصال الحديثة. حين أصبح كل من يعرف الكتابة والقراءة يملك موقفا ويصدر آراء في العالم والثقافة والسياسة والقانون. هذا على المستوى الأعم. أما على المستوى الأخص، فيبدو لي لبنان بطبيعة تركيبه وهشاشته أمام الخارج والمحيط، يقوم كل جيل أو جيلين بطرد مقدميه ووجهائه الثقافيين والفكريين والسياسيين إلى خارج الحلبة، بعضهم ينفى إلى الخارج وبعضهم في الداخل. وهذه الدورة لا تستثني أحدا. وحين يحاول هؤلاء العودة بعد زوال أسباب النفي، يكون البلد قد ضاق عليهم جدا ولا يستطيع احتمالهم مرة أخرى.
في النهاية لا بد من التأكيد على الاثر الهائل الذي قامت به الملاحق بشكل عام وخصوصا ملحق النهار في عملية صنع الثقافة ونشرها كما تجدر الاشارة الى ان هذا الملحق الذي توفي بالمعنى الثقافي بعد ان اخرج منه اغلب رموزه ومؤسسيه يعبر عن ثقافة البلد التي في يومنا هذه تعد لها مراسم الدفن في ظل غياب ثقافة بالمعنى الحرفي للكلمة.
غياب الثقافة في البلد والسبب لا يعود لغياب المثقفين، بل لغياب الرأي العام والمؤسسات التي تحتضن هؤلاء المثقفين بهدف خلق جبهة ثقافية تعنى ببناء الوجه الثقافي للبلد.