المعارضة الروسية في مواجهة مع النّظام بعد اغتيال نيمتسوف…
7 مارس, 2015
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
د.خالدممدوح العزي / تلقت المعارضة الروسية صفعة موجعة من نظام الرئيس بوتين بكشفها وعدم تامين حمايتها بغض النظر عن الفاعل لعملية اغتيال المعارض السياسي الروسي النائب في البرلمان(الدوما) بوريس نيمتسوف
حيث تم اغتياله ليلا في احد شوارع العاصمة الروسية موسكو وبالقرب من قصر الكريملين، وقد نفذت العملية بواسطة شخص مجهول أطلق النار عليه عن قرب بمسدسه وافرغ في جسده أربع رصاصات
يعتبر نيمتسوف من الأسماء السياسية البارزة المعارضة لنظام الرئيس فلاديمير بوتين، وقد لمع اسمه أثناء انهيار الاتحاد السوفياتي وثورة التحول الديمقراطي ، حينها وقف الشاب المتمرد إلى جانب الرئيس الروسي الراحل باريس يلتسن في مواجهة العسكر والحزب الشيوعي، وضد انقلاب المخابرات (الكي جي بي)، حيث اقتحم وقتها الدبابة الروسية التي كانت متوجهة نحو البيت الأبيض في موسكو (مجلس النواب) لمحاصرته، وصعد عليها رافعا العلم الروسي بدلا من العلم السوفياتي وقد احتلت صورة الشاب الوسيم وقتها كل الوسائل الإعلامية المحلية والخارجية ، مما ساعد الكثيرين عندها على ممارسة هذه الخطوة التي نفذها الراحل، والتي أجبرت الجيش الروسي على التراجع نحو الثكنات، وقد تدرج نيمتسوف في العمل السياسي بصورة سريعة ليحتل منصب نائب رئيس الوزراء في تلك الحقبة..
معارض شرس
وقد أشار إليه الرئيس يلتسن عدة مرات إلى كونه وريث الحكم القادم من بعده، لإكمال المرحلة الديمقراطية والتغيير التي تسير على نهجها روسيا . لكن سيطرة المخابرات على السلطة وإعادة الحياة في روسيا إلى الوراء فرض على نيمتسوف ممارسة المعارضة ليصبح بعد فترة صغيرة من معارضي النظام الجديد الذي يمارس القمع ويفرض الدكتاتورية الجديدة التي جعلته بدوره معارضا في الصف الأول .
وبالرغم من كل الاحتمالات التي تقوم بها الدولة الروسيّة وتحاول عرضها وتسويقها الإعلامي لعملية الاغتيال واستبعاد نفسها خلال التحقيق فإن هذا الشخص شكل نمطا سياسيا مميزا من الاعتراض على السلطة الحاكمة والرئيس الروسي بمعارضته للنظام الحالي ولتوجهات الرئيس بوتين وخاصة بإدارته للملفات الخارجية والتي اهلكت روسيا ووضعتها في حرب باردة جديدة مع الجميع من خلال العلاقات المتوترة مع دول الجوار في (اوكرانيا ومولدوفيا وجورجيا) وكذلك علاقتها المتوترة مع الدول العربية بسبب دعمها للنظام السوري وعلاقتها الحالية ببروكسل وواشنطن.
لا شك بأن نيمتسوف الذي خرج من كنف الدولة السوفياتية بثورة شعبية أسقط أثناءها نظام المخابرات والشمولية لا يمكنه سوى الوقوف والتأيد للدول والشعوب التي تريد الحرية والاستقلال مما دفعه إلى التمرد على الواقع الحالي ورفض عودة بلاده إلى حرب باردة جديدة.
لكن المعارض الروسي تتطرف كثيرا في معارضته لنظام بلده الحالي، مما دفعه إلى أن ينسج علاقات قوية مع زعماء المعارضات في مناطق الاتحاد السوفياتي السابق، وتحديدا مع حكام أوكرانيا الحاليين. حيث ذهب للاعتصام في ميدان كييف وتبليسي في جورجيا مؤيدا حق الشعوب في الاستقلال ولأنه أصلا جاء إلى السياسة من خلال الميدان الروسي في 19 أوت عام 1991 ، وقد تميز نيمتسوف بأنه كان من المدافعين القلائل عن الثورة السورية في بلد الجميع فيه يدعمون نظام الأسد ويكنون العداء للثورة والشعب ويصفونها بأنها ثورة إرهابية تخريبية، في آخر تصريحات نمتسوف بهذا الخصوص يقول: «ننحاز للسوريين في إسقاط نظامهم، وسقوط الأسد».
حيثيات العملية
وفي تعليق سريع للرئيس فلاديمير بوتين على موقع (الميل رو) اعتبر الرئيس بان عملية الاغتيال هي جريمة محجوزة مسبقا وقد كلف وزير الداخلية ووزير المخابرات بمتابعة التحقيقات شخصيا،وقدم التعازي لأهل الفقيد وللشعب الروسي بخسارة هذا الرجل الكبير متمنيا على الهيئات المعنية الكشف السريع عن خبايا هذه الجريمة البشعة كما وصفها بوتين. لكن المحقق الخاص بقضية المعارض بوريس نمتسوف يقول:«بان وراء عملية الاغتيال أربع تصورات ويجب دراستها بدقة».
ويبقى النظام الروسي متهما بهذه العملية نتيجة ممارسته التقويضية لدور المعارضة وإفراغ روسيا منها وبالتالي هذه الجريمة لم تكن الأولى في روسيا لان هناك العديد من عمليات الاغتيال والاختفاء القسري لمعارضين في داخل روسيا وخارج روسيا. فالنظام يحاول إسكات كل الأفواه خوفا من إي عاصفة قادمة يحضر لها في روسيا بسبب الحالة الاقتصادية والضيق المالي والعزلة السياسية التي تعيشها البلاد.
ومن بين الحالات التي يستعرضها المحقق الخاص بعملية الاغتيال رميها على (المعارضة الإسلامية المتطرفة) ويعود سببها إلى وقوف الراحل إلى جانب جريدة «شارلي هبدو» التي تعرضت لعملية بشعة في باريس من قبل الإرهابيين لنشرها رسوما كاريكاتورية مسيئة إلى الإسلام، والتحقيق سوف يستعرض في عمله كل مكالمات التهديد التي تلقاها المعارض قبل فترة من اغتياله، بحسب محامي العائلة فلاديمير بروخروف» .
طبعا احتمال مريح جدا ومخرج مهم في ظل الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي والتعبئة الإعلامية والسياسية في روسيا ضد التطرف والتي تحمله مسؤولية اغتيال معارض ذي موقع وتأثير على شخص الرئيس بوتين.
ومن هنا نرى الارتباك في تصريحات المسؤولين والمعنيين بالشأن الروسي فالناطق الرسمي باسم الرئيس الروسي ديمتري بسكوف يقول :«بان عملية الاغتيال هي عملية محجوزة مسبقا وهي ضد روسيا من اجل تسعير نار الفوضى الداخلية وخاصة في ظل التوصل إلى نوع من التهدئة في الملف الأوكراني.
لكن لابد من التوقف أمام مسألة مهمة جدا بغض النظر عن ردود الفعل لصقور الكريملين الحالية لكون العملية بالأساس تهدف إلى إضعاف المعارضة السياسية وإخماد صوتها وربما هذه رسالة غير مباشرة على جميع القوى المعارضة التي أصبحت ضعيفة بأنه لا مكان للاعتراض على سياسة واستراتيجية الرئيس الحالي الذي يقوم بتربية الغرب والأمريكان على عدم التعرض لمصالح روسيا ونفوذها والإقرار بدورها الحالي.
كاتب وباحث بالشؤون الروسية واوروبا الشرقية