%D8%B2%D9%87%D9%8A%D8%B1 أوكرانيا

المشهد الفلسطيني في ظل بيان وزراء الخارجية العرب

م.زهير الشاعر/ لا أدري كيف أبدأ مقالتي هذه وسط زحمة الأحداث المتلاحقة والتي يحتاج كل منها لوقفة تحليلية خاصة ، ولكني سأعمل جاهداً على لملمة عدة أمور مترابطة تهم الساحة الفلسطينية وتعكس بالفعل حالة التخبط القائمة التي لم يعد هناك من أحد يدري موعد نهايتها أو حتى يحتمل تفاعلاتها!.

بالأمس صدر بيان وزراء الخارجية العرب بعد الإجتماع الذي حضره 14 وزيرًا ما بين وزير خارجية ووزير دولة، من ضمنهم وزير الخارجية الفلسطيني د. رياض المالكي، وغياب لافت لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ووزراء خارجية البحرين والكويت ولبنان والمغرب واليمن والصومال، حيث كان على جدول أعماله 30 بندًا.

وقد تم إعتماد 30 قرارًا متعلقًا بالأوضاع العربية، منها ما يتعلق برفض ترشح إسرائيل لعضوية مجلس الأمن في مقعد غير دائم لعامي 2019 – 2020 باعتبارها قوة احتلال تعطل السلام، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لحشد التأييد الدولي اللازم لإجهاض هذا الترشيح.

أيضاً تبنى هذا الإجتماع قراراً بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، حيث أكد وزراء الخارجية العرب على عدة بنود أبرزها الالتزام الكامل والتمسك بمبادرة السلام العربية كما طرحت عام 2002 دون تغيير، وضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه، بما فيها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة، وإطلاق سراح جميع الأسرى من سجون الاحتلال، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.

كما طالب وزراء الخارجية العرب، في هذا الصدد جميع الدول بالالتزام بقراري مجلس الأمن 476 ، 478 لعام 1980، ومبادئ القانون الدولي، التي تعتبر القانون الإسرائيلي بضم القدس، لاغيًا وباطلًا، وعدم إنشاء بعثات دبلوماسية فيها أو نقل السفارات إليها.

كما رفضوا أي مشروع لدولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، أو أي تجزئة للأرض الفلسطينية، والتأكيد على مواجهة المخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى فصل قطاع غزة عن باقي أرض دولة فلسطين.

كما دعا البيان إلى استمرار دعم قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الداعية إلى إعادة النظر في كل العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية الفلسطينية مع إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال)، بما يضمن إجبارها على احترام الاتفاقيات الموقعة، واحترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهذا بند جديد وفريد من نوعه يصدر عن هذا المجلس.

كما أكد البيان على احترام الشرعية الوطنية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، وتثمين جهوده في مجال المصالحة الوطنية الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والتأكيد على الالتزام بوحدة التمثيل الفلسطيني، والتأكيد على أن الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، تشكل الضمانة الحقيقية للحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية ، وهذا البند يبدو أن فيه تأكيد على رغبة الجانب الفلسطيني بتجديد التفويض الذي منح للرئيس محمود عباس بعد الإنقسام الذي حصل بين شطري الوطن في عام 2007 وإضفاء شرعية على حكمه. 

كما حث البيان كافة الفصائل الفلسطينية على الذهاب إلى انتخابات عامة وفق الاتفاقات المعقودة بينها، وفي تقديري أن هذا البند ملغوم وفيه ما يثير الإستغراب حيث أن هذا الأمر لا يتعلق بالفصائل الفلسطينية بقدر ما يتعلق بإستعداد الرئاسة الفلسطينية لإصدار قرار ملزم ومحدد لموعد إجراء الإنتخابات العامة وهو بالفعل يحتاج إلى آلية عملية وواضحة وليس كلمات نظرية إنشائية مكررة.

في هذه الأثناء يوجد هناك توجه لإنعقاد مؤتمر لما يسمى بالتيار الإصلاحي في حركة فتح، وذلك في العاصمة الفرنسية باريس ، بعد أن عقد مؤتمراً مشابهاً أخراً في العاصمة المصرية القاهرة خلال الأسابيع الماضية ومؤتمرات عدة في العين السخنة ، وبعد أن إنعقد مؤتمرين أخرين أيضاً يصبان في نفس السياق الرافض لآلية الوضع القائم فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتحدياتها، والتعبير الواضح عن مناهضة سياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، وذلك في كل من العاصمة الإيرانية طهران ومدينة أسطنبول التركية.

كما ظهرت بشكل مفاجئ خلال الأيام الماضية يافطات في شوارع مدينة رام الله تدعو المواطنين الفلسطينيين للإلتفاف حول الرئيس محمود عباس وتجديد البيعة له، وذلك في ظل تصريحات تشير إلى أن هناك مؤامرة تستهدف شرعيته!، مما أثار شكوكاً حول حجم وقوة الصراع الموجود في الساحة الفلسطينية.

كل هذا الحراك يتزامن مع الإعلان عن دراسة إمكانية نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ومع إزدياد حالة الهوس الأمني في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق من القسوة وكسر الجسور بين رجال الأمن والمواطنين الفلسطينيين، مما خلق حالة من الخوف والهلع بين المواطنين الفلسطينيين، أدت إلى عدم الشعور بالأمان من جهة وإلى التساؤل عن سبب هذا التخبط ومغزاه في هذا الوقت بالتحديد من جهة أخرى، وإن كان وراء هذا الأمر أيادٍ خفية تدفع بالساحة الفلسطينية الداخلية للصراع الدموي، وهل لذلك نهاية واضحة أم أنه سيبقى مستمراً حتى إستكمال سيناريو باتت ملامحه واضحة ويبدو بأنه بحاجة للمزيد من الوقت لإستكماله!.

مما سبق في تقديري أنه مما لا شك فيه أن القضية الفلسطينة لا زالت تحظى بالأهمية العربية والإقليمية والدولية، ولكن يبدو بأن الخصومات القائمة بين اللاعبين الأساسيين في المسرح الفلسطيني تشتد شراسة في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية ، وفي نفس الوقت تزداد تخبطاً وتناقضاً مما يضعف هذا الإهتمام أو ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج.

هذا التخبط كان واضحاً في تأكيد بيان مجلس وزراء الخارجية العرب على ما جاء في البيانات السابقة التي كان هدفها الوحيد فيما يتعلق بالشق الفلسطيني هو التأكيد على تبني وجهة النظر الفلسطينية خاصة فيما يتعلق بشرعية الرئيس محمود عباس، وهذا يحمل في طياته أن هناك تحديات جدية تواجه منظومة الرئيس محمود عباس، وقلق كبير حول هذا الأمر، خاصة في ظل الحملة الأمنية الشرسة المتواصلة في أراضي الضفة الغربية ، بعد نجاح إنعقاد أربعة مؤتمرات مناهضة لسياساته، وذلك في طهران، وإسطنبول، وعين السخنة، والقاهرة ، حيث شارك فيها مئات لا بل آلاف من الفلسطينيين، مما خلق على ما يبدو حالة من الهلع في صفوف القيادة الفلسطينية التي باتت تدرك مخاطر إخفاقها في تحقيق أي إنجازات تذكر على الساحة الداخلية التي لازال ينهشها الإنقسام والحصار والقمع وتكميم الأفواه وتغول قوات الإحتلال.

كما أن هناك مؤتمراً أخراً سيعقد في العاصمة الفرنسية باريس، يوم السبت 11 مارس 2017 لأنصار محمد دحلان . هذا الأمر بالتحديد في تقديري بأنه ليس عابراً ، حيث أن سيجئ بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي قام بها للعاصمة الفرنسية باريس قبل عدة أسابيع للبحث في مخرجات مؤتمر باريس الدولي للسلام الذي إنعقد في شهر يناير 2017 ، مما يعني أن العاصمة الفرنسية باريس التي تمثل العاصمة الأكثر صداقة ودعماً للرئيس محمود عباس لم تعد تحتمل الوقوف إلى جانب طرف فلسطيني على حساب الطرف الآخر ، وهذا يحمل معه الكثير من الدلالات التي تتحدث عن طبيعة المرحلة ومتغيراتها وتحدياتها وبوصلتها للمرحلة القادمة التي يبدو بأنها لم تعد بعيدة لتتضح باقي معالمها.

أود هنا أن أشير إلى أن بيان مجلس وزراء الخارجية العرب أكد مرة أخرى على تكرار المكرر بدون أي تجديد للخطاب أو توضيح آلية تنفيذ منطقية لما جاء فيه وبالتالي سينضم على الأرجح إلى الأرشيف كباقي البيانات التي سبقته!.

لذلك لابد من إيجاد آلية فلسطينية واضحة وعملية ومنطقية لوقف حالة التخبط هذه التي لم تأتي بأمل حقيقي للشعب الفلسطيني ، لا بل أدخلته بمتاهات قصمت ظهره وأفقدته بوصلة النضال الحقيقية المتعلقة بإستعادة حقوقه ، وذلك من خلال وضع النقاط على الحروف والإنتقال إلى مرحلة المراجعة والمصارحة والمكاشفة وفتح الباب أمام المشاركة الفاعلة .

هذا لن يتم إلا من خلال خطوات عملية تبدأ بالإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة وكاملة للتحضير لإنعقاد الإنتخابات العامة تحت رقابة أممية في موعد محدد وملزم للجميع ، ليقرر الشعب الفلسطيني من يريد أن يمثله بالفعل في المرحلة القادمة، خاصة بأن التيار الدحلاني بات يبدو وكأنه في حالة ثقة متزايدة ونهضة مستمرة ومتجددة من خلال السير في طريق إبداعية متواصلة في الأسلوب وفتح ساحات عمل جديدة وهذا لا يمكن إنكاره أو تجاهله أو التقليل من شأنه، وكأنه يقول بأن لديه الكثير الذي لا زال لم يتم الكشف عنه بعد، وأن حالة التخبط القائمة لدى القيادة الفلسطينية لن تجدي نفعاً في مواجهة صعود هذا التيار.

أخيراً في تقديري أنه في ظل التحديات الهائلة التي تواجه القضية الفلسطينية ، لابد من التوقف عن نهج الإتهامات بالتجنح بدون تقييم منطقي أو تدقيق أمين في سياق الأمانة المهنية والوطنية ، والتي تزيد بدون أدنى شك من أنصار تيار دحلان ، وبالمقابل تزيد من حجم العداء والسخط من منظومة الرئيس محمود عباس ، وذلك من خلال العمل على إيجاد آلية للإحتواء والتلاقي حول برنامج وحدوي يضمن مصالح الجميع!

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …