تعتبر ظاهرة المسحراتي من الواقع الجميل في تراثنا العربي والإسلامي، والتنكر لها من أصحاب العصرنة الحديثة هو تنكر لقيمنا وتراثنا، ومظهر خطير من مظاهر تبدل القيم في عالمنا المعاصر–لأن أمة بلا تراث تعتبر أمه بلا حاضر ولا مستقبل0
الدكتور ناصر اليافاوي الباحث في التاريخ أعطى نبذة عن التطور التاريخي والتراثي لفكرة المسحراتي في التراث العربي والاسلامى0قائلا: اهتم المسلمون بالسحور منذ عهد رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم ،إذ قال تسحروا فان بالسحور بركه—وشدد نبينا الكريم علي الصحو للسحور لما فيه مخالفة لليهود،
وقال مؤكدا في ذلك :(إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)— ومن هنا نشأت فكرة الإعلان عن ا لسحور ولكن متى ظهر أول مسحراتي يطوف علي بيوت المسلمين ؟:يضيف الباحث اليافاوي :
ظهرت الفكرة عام 238 هجري عي يد الوالي-(عتبه بن اسحق ) الذي كان بنفسه يطوف من مدينه العسكر إلي مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط وكان الوالي ينادي بصوت جميل ( يا عباد الله —تسحروا—– فإن في السحور بركه–) 000وتطور الأمر في العصر العباسي وبالتحديد في بغداد زمن الخليفة ( الناصر لدين لله )حيث كلف شخص يدعي( أبو نقطه ) للقيام بمهمة السحور وإيقاظ الخليفة شخصيا – وكان أبو نقطه ينشد (يا نياما —— قوموا للسحور— قوما ) 00
واسترسل قائلا: وظل الحال كما هو عليه عند المسلمين حتى عهد الدولة الفاطمية- وبالتحديد زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي حين أمر في البداية جنود الدولة أن يتولوا مهمة إيقاظ الناس ، حتى اهتدى إلي فكره تعيين رجل للقيام بمهمة المسحراتي ،وكان المسحراتي يردد آنذاك عبارة جميله وهي (يا أهل الله قوموا تسحروا)ولا تزال مهنة المسحراتي قائمة في مجتمعنا العربي والإسلامي حتى يومنا هذا—رغم اختلال بهجتها بحكم عوامل ذاتيه وموضوعيه؟!
وعن تسميات المسحراتي في بعض المناطق والدول قال :في مكة يسمى المسحراتي (الزمزمى)—وكان يحمل قنديلان يطوف بهما ،بحيث يتسنى من لا يسمع صوته أن يرى الضوء ويبدأ بالسحور أو الإمساك 00وفي بلاد الشام :يحمل المسحراتي عيدان، وصفافير تصدر أصوات جميله إيذانًا للسحور علي النغمات الجميلة وفي اليمن :هناك نوع من الخشونة في السحور حيث يقوم رجل من القرية وينادى بصوت عالي—-قوموا—-كلو—)وفي السودان :يتجول شخص ومعه طفل وبيده دفتر يسجل أسماء العائلات المنوي إيقاظها للحصول علي الرزق صباح العيد وفي تركيا:تقوم بالدور مجموعة من الفتيات ويرددن أغاني جماعية جميله يطالبن الناس فيها السحور0وفي الكاميرون :يقوم بمهمة السحور جماعة متألفة من 10 —-15 شخص يقرعون سويا الطبول الإفريقية0
وعن أدوات المسحراتي أوضح الباحث اليافاوي :كان المسحراتي يستخدم طبلة تسمى (البازه )وتمسك في اليد اليسري، وفي يده اليمنى سير من الجلد أوخشبه—و(البازة) عباره عن طبله من جنس النقارات ذات وجه واحد من جلد الحيوانات المتين مثبت بمسامير –ظهرها أجوف من النحاس –تسمى طبله المسحر، والحجم الكبير منها يسمى جمال أما الان استقر الوضع علي طبله عاديه تضرب بعصاه خاصة مع بعض أناشيد غير منتظمة لا يشترط بها حلاوة الصوت مثل أيام زمان!!!
وعن أجرة المسحراتي أوضح قائلا :تعتبر أجرة المسحراتي أو إكرامه من الأمور غير الثابتة في المجتمع الإسلامي والعربي – وتدل في كثير من الأحيان علي جزء من الابتهال والجود والمباهاة –والكل يدفع حسب طاقاته وإمكانياته المادية وقدراته،،،،ففي الريف كان يعطي حبوب (نصف كيله من حبوب الذرة أو القمح) أما في مجتمعنا الفلسطيني ومدننا والمخيمات الفلسطينيةفكان المسحراتي يحمل في يده سل كبير ويجود عليه الناس (إما بعدة أرغفة من الخبز، أو بعدة كعكات محشوة بالعجوة (كعك العيد)00والميسور كان يعطيه مبلغا من المال 00
وأشار إلى تغير الحال الآن وأصبح المسحراتي يطلب مبلغ من المال يعادل دينارا أردنيا واحدا.
أمت عن لباس المسحراتي فقال :كان علي المسحراتي أن يلتزم بلبس جلبابا واسعا فضفاضا – وفي بعض أنحاء العالم الإسلامي كان يطلب منه أن يضع كوفيه أو طربوشا خاص به ولا يجوز أن يكون عاري-(حاسي) – الرأس.
وعن مدى أهمية المسحراتي اليوم في ل تطور التكنولوجيا قال الباحث اليافاوي :هذا هو واقع المسحراتي في عالمنا الإسلامي، يوم كان لكل شي بهجة، وكانت الفرحة تملأ قلوبنا حتى علي أبسط الأشياء كنا نغنى معًا ونفرح معًا ، فما بالنا اليوم لانفرج ولا نغنى معًا داخل الوطن الواحد!!!! ولكن بالرغم من النكهة التي يحدتتها المسحراتي والطقوس التي يقوم بها ليلا ليقاظ الناس لتناول السحور فلم يخف الباحث اليافاوي عدم اهتمام شريحة كبيرة من أبناء شعبنا به بحكم تطور التكنولوجيا واستغنائهم عن خدماته .
نقلا عن دنيا الوطن