د. خالد ممدوح العزي / يبدو بأن روسيا باتت تضيق ذرعاً من تصرفات النظام السوري، لا بل الاسد نفسه ، حيث اصبح التململ الواضح على تصرفات الكرملين ،فاذا كانت الفترة الماضية تقتضي بنشر رسائل غير مباشرة في الصحف او ارسال المبعوثين الخاصين لا بلاغ الاسد بوجهة نظر موسكو لكن في الفترة الحالية باتت تصرفات موسكو واضحة في عدم الرضى عن تصرفات قاطن قصر جبل قاسيون .
لم تتصرف روسيا مع نظام الاسد على قاعدة ندية لها بل كانت تعامله منذ دخولها الى سورية كموظف تابع لها ينفذ توجهاتها ولعل الصورة التي شاهدها العالم في قاعدة حميميم للضابط الروسي في ابعاد الاسد عن الالتصاق ببوتين كانت واضحة بان بوتين الامر الناهي ولم تكون الصورة للمحافظة على البعد الاجتماعي لان كورونا كانت لم تتفشى بعد ، وكذلك تكرر الموقف في الزيارة المفاجأة التي قام بها الرئيس الروسي الى دمشق بعد مقتل سليماني والاجتماع بالأسد في احد القواعد العسكرية دون الابلاغ عن الزيارة او التعامل وفقاً لأصول البروتوكول والتشريفات الرسمية .
لكن الرد الاقوى من موسكو جاء بسبب تصرفات الاسد وعنجهية كانت الرسائل الاعلامية المباشرة التي نشرتها الوكالة الفدرالية الخاصة والتابعة للملياردير الروسي “يفغيني بريغوجين” والذي يسمى طباخ الكرملين (اي رسم السياسات) المقرب من الرئيس بوتين ووزير الدفاع “سرغي شيغو” وممول شركة “فاغنر ” للمرتزقة المقاتلة في سوريا وليبيا.
فالرسائل الثلاثة كانت تشير الى ثلاثة مواضيع كونها استندت الى استطلاعات للراي بالهاتف في مدينة دمشق مع السورين حول وجهة نظرهم نحو النظام السوري والذين اجابوا فيها بانهم لا يثقون بنظام الاسد حيث تبين لهم بان الاسد لا يملك سوى 20 بالمئة في العاصمة فكيف في المناطق الاخرى.
لقد ركزت الرسالة الاولى على الفساد المستشري في سوريا وعدم قدرة الاسد على محاربته ووضع حد له ، بل بات النظام نفسه جزءً اساسياً من هذا الفساد الذي يمارس من قبل القادة. وبالطبع هذا الفساد زاد نسبة التذمر في الوسط الشعبي وقد ادى الى تدهور الاوضاع المعيشة ، مما دفع الدولة الروسية الى تحميل الاسد مسؤولية كبيرة تجاه ذلك مما ادى الى سخط شعبي كبير ،والاقتناع بان الاغلبية الشعبية غير معنية بإعادته للسلطة من جديد.
اما الرسالة الثانية متعلقة بعدم توزيع المساعدات الروسية الاقتصادية على السكان والاستفادة منها من قبل جماعة السلطة مما وضع روسيا في موقف حرج امام السكان المحليين ،الامر الذي أدى بإحدى الصحف الروسية بوصف السلطة و النظام بانهم مجموعة من اللصوص والفاسدين لا يحاربون الفساد بل يمارسونه ويقبضون الرشاوى وقد علقت الوكالة بان طريق روسيا ونظامها يختلف عن النظام السوري الفاسد ، لقد استندت في معلوماتها الى المعارض قدري جميل(ممثل منصة موسكو للحوار) نائب رئيس الوزراء الاسبق ووزير الاقتصاد في حكومة بشار الاسد.
لقد ركزت المقابلة على ان الاسد لن يستطيع القيام باي اصلاحات سياسية واقتصادية بالرغم من النصائح الروسية المستمرة له.
لقد وصفت الرسائل الاسد بالضعيف وليس لديه القدرة على محاربة الفساد ،
واتهمت الرسلة بان الاسد ونظامه يستغلون المساعدات الروسية لأغراضهم الشخصية .
اما الرسالة الثالثة الذي اطلقها طباخ الكرملين حول كذب النظام على السكان بعدم قدرته على امدادهم الكامل بالكهرباء مما فرض نوع جديد من التقنين القصري بسبب عدم قدرة النظام بالوصول الى حقل الحلي و الشمالين لاستيراد النفط وكذلك اشاعة اخبار بان الإرهابيون يسيطرون على منطقة السخنة في حمص وتقطع طريق التواصل ، لكن هذه المعلومات بحسب الروس هي غير صحية والنظام يحاول اشاعة الاخبار الكاذبة للتملص من تقديم الخدمات والاستفادة منها .
وهذه الرسالة تحمل في طياتها تحميل النظام السوري مسؤولية واضحة وأيضاً لجهة تهربه من الاتفاقيات المبرمة معه والذي تعهد بها امام جماعة فانغر بإعطائهم امتيازات مالية بدل أتعابهم والتي لم يحصلوا عليها بعد.
وتأتي هذه الرسائل القاسية من قبل موسكو من اجل احداث صدمة قاسية للأسد ونظامه والعمل على تأديب سلوكه وتغيير تصرفاته مع شعبه ومع القيادة الروسية.
بالوقت الذي يقوم بالأسد عبر اصدقائه بشراء لوحة فنية لفنان بريطاني بملايين الدولارات وشعبه يعيش حالة انهيار اقتصادي واجتياح لوباء الكورونا.
فالمضمون الذي تحمله في الرسائل الثلاث الموجهة للأسد هي ليست رسائل تحذريه بل هي إشارات ترسم من خلالها مستقبل العلاقة مع النظام الذي باتت موسكو تعلم جيدا بأكاذيبه وتلاعبه وتذكي النظام الذي يحاول استخدام موسكو لمآربه الشخصية والاكثر من ذلك بان روسيا تعلم علم اليقين بان بشار الاسد ونظامه لن يكون في جانبها للحظة بل هم في جيب الحرس الثوري الايراني، مما دفع الروس بالضغط على الاسد لانتزاع تنازلت اضافية من الاسد لصالحها .
روسيا التي لم تحقق اي انتصار سياسي في سوريا يؤمن لها السيطرة على الملف السوري في اطار مفاوضاتها القادمة، وتضيف انتصارها العسكري لفرض قوتها وهيبتها في المنطقة باتت في مازق تعلمه جيدا بان الوقت يضيق عليها والانتخابات القادمة في الواحد وعشرين باتت على الابواب والادارة الامريكية تطرق الابواب من كل الجهات لجهة تامين انتخابات قادمة في سورية للبدء بالحل النهائي واعادة الاعمار والنازحين.
لكن الاخطر في ردة فعل روسيا من خلال هذه الرسائل هو اقتراب قانون قيصر الذي اقرته الادارة الامريكية وصوت عليه الكونغرس والقاضي بمحاسبة النظام السوري والذي سيبدأ تنفيذه بداية حزيران القادم وهذا يعني روسيا بالدرجة الاولى ولا يمكن ان يمر مرور الكرام .
النقطة الثانية هي تقرير منظمة حظر الاسلحة النووية والكيماوية والتي انتهت في تقريرها مؤخرا تحميل النظام السوري مسؤولية استخدام السلاح الكيماوي في ضرب شعبه في عدة مناطق بعد أن عرقلت موسكو عدة مرات وصول اللجان من الوصول للاماكن .فكان رد موسكو بطريقة ساخرة بان التقرير منحاز بكل معنى الكلمة .
بالرغم من ان موسكو تحاول جاهدة في هذه الايام فك الحصار عن الاسد بسبب انتشار الوباء واستغلال “الكورونا” لفك العزلة عنه، وتعويم النظام بطريقة ملتوية تخدم موسكو ، لكن الرد الامريكي لايزال صلب مع النظام وغير مبالي لطلبات موسكو التي بات النظام السوري يشكل عبئا ثقيلا عليها بظل انخفاض سعر النفط، والذي يعكس نفسه سلبيا على روسيا وبظل تفشي وباء “الكورونا ” في موسكو بطريقة مخيفة .
فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل فتحت موسكو باب البازار للتفاوض على نظام الاسد من خلال اعطاء الاشارات العالمية لذلك ، معلنة بانها باتت مستعدة للتخلي عن الاسد ( بمعنى من سيدفع لها اكثر ) ، اي تامين مصالحها الخاصة في سورية، والحفاظ عليها بغض النظر عن اي تغيير قد يحصل لاحقا.
كاتب وصحافي لبناني .