هادي جلو مرعي / التجربة العربية في مجال العمل الصحفي والمنافسة الإعلامية لايبدو إنها تسر أحدا ممن يفهم اللعبة ويتمرس في أداء مهمته الصحفية على مستوى الإدارة، أو الإبداع في مجال التحرير والكتابة والنقد، حيث تستعر المنافسة دون معايير، وتصطدم الرؤوس ببعض دون هوادة، ولايوجد مايمكن تسميته بميثاق شرف مهني، وليس من ضوابط وتنظيم، بينما تذهب كل الجهود في هذا الإتجاه هباءا حيث لاتلتزم وسائل الإعلام الممولة من قوى سياسية وطائفية وقومية وحكومات بأي مواثيق وضوابط، وهي تظهر صورا من التحدي تعجز أمامها وسائل الضبط المتبعة في مؤسسات ناشطة عادة ماتتلقى الطعن والرفض من منظمات حرية التعبير، وكنا ومازلنا نعول على التغيير وندافع عن وسائل الإعلام غير المستقلة على الإطلاق والتي تبث في الغالب مايكدر الأمزجة، ويبعث على التشاؤم ويثير الحنق والإنزعاج، ويؤلب الناس على بعضهم وينحاز لجهة ما في حين يتحدث الجميع عن الوطن والمواطنة والتسامح والتواصل والتكافل والدفاع عن حقوق المظلومين والمحرومين والمعوزين، وهناك من يعلم إن ذلك كله خليط من الأكاذيب لانهاية لها.
دافعنا عن وسائل الإعلام مع كل الإنقسام الحاصل، ومع كل الشعوذة التي تمارسها مع أو ضد، وكان همنا التعويل على المستقبل لأننا نعتقد بحتمية إنتصار العدالة والحقيقة التي يريدها الجميع أن تسود ويكرهها الجميع أيضا لأنهم يريدونها أن تسود بهم لاعليهم، أو أن تحد منهم، هم يريدون الحقيقة التي يفضلون، لا التي تجعلهم في مستوى من التعادل في علاقتهم بسواهم من الناس، وتحملنا الكثير في سبيل ذلك، فلم نحصل على التمويل لأننا وفق المبدأ المعتمد في عملنا لانتلقى التمويل من الحكومة، أو من أحزاب وهذا يجعلنا عاجزين عن الأداء، بينما لم يتحرك أحد في وسائل الإعلام التي تناكف وتشاكس، وتستخدم الناس مستغلة طيبة بعضهم وحسن النية عند غيرهم، لكنها لاتلتفت أبدا لكل محاولات تقويم السلوك، ولاتعبأ بأحد .
في مصر كان أداء وسائل الإعلام مخزيا وإنحازت بشكل مخيف لأحد طرفي الصراع، ولأن كل فريق لديه وسائل إعلام مؤيدة له وممولة منه ومن حلفائه، فكان الصراع محتدما، ولم يكن من شجاعة لوسيلة إعلام أن تتحدث عن فظاعات قد يرتكبها الفصيل الذي تدعمه، ولاتركز سوى على حسنات فريقها وسيئات الخصوم ووحشيتهم وبدائيتهم، وهكذا صرنا ننظر في صورتين مختلفتين، ومطلوب منا أن نؤمن بهما معا ونتمعن فيهما ونثني على من أبدعهما. في العراق لم يكن الأمر مختلفا كثيرا فالإنقسام الحاد على مستوى الدين والقومية، والخلاف داخل الفريق الواحد هيأ الفرصة لصدام عنيف جعل من وسائل الإعلام ساحات لتصفية الحسابات وهو الدور الذي أجادته بعض القنوات الفضائية التي لم نعد نعلم ماإذا كانت تبتز للحصول على مكاسب، أم هي في مهمة سياسية تسقيطية، أو إنها تمارس دورا وطنيا؟ هذا يحصل في بلدان أخرى كلبنان، أو هو وجود إنبطاحي في بلدان متزمتة رجعية.