بقلم منعم الزهيري / وهل يستطيع احد فينا أن ينسى ما قاله الكبير تشرشل في أشهر ما نطق به عقلة العبقري ( إذا مات الانكليز تموت السياسة وإذا مات الروس يموت السلام وإذا مات الأمريكان يموت الغنى وإذا مات الطليان يموت الإيمان وإذا مات الفرنسيين يموت الذوق وإذا مات الألمان تموت القوة وإذا مات العرب تموت الخيانة ) وتكمن عبقرية تشرشل ومدى حكمته في ذيل مقولته هذه عندما وصف العرب بذلك الوصف المنطقي …
عندما بدا الصراع في سوريا قبل بضع سنوات كلنا طبلنا مع احد الأطراف . البعض منا يؤيد معسكر الأسد ومتناسيا ما فعله بشعبه قبل غيره ومن ثم بالدول الجوار و أولها العراق . والبعض الأخر كان ضد الأسد واخذ من المعارضة المبعثرة موقفا ايجابيا ويدعو لإسقاط نظام الأسد . المشكلة أن الجميع نظر إلى مصلحته ألا نحن العرب فكرنا قبل كل شي بمصالح أسيادنا ….
البعض صفق للروس عندما تدخلوا عسكريا في سوريا واخذ يعتبر روسيا صديقا حميما ومحررا ومساعدا للمظلوم ضد الظالم ..لما تقوم به روسيا من نشاط عسكري واسع في سوريا .
حيث تقوم المقاتلات الروسية بالتحليق في الأجواء السورية وتنفيذها حوالي (70) غارة بشكل يومي تقريبا. و من جهة أخرى تعمل الآلة الإعلامية الروسية بكل طاقتها للترويج لتلك الحملة
ويسيطر على البرامج الحوارية والإعلامية بالقنوات التلفزيونية المملوكة للدولة في روسيا الكلام حول الصراع في سوريا من خلال رسالة تؤكد عليها تلك الفضائيات ومفادها بأن سياسة دول الغرب في التعامل مع الأزمة في سوريا فشلت، وعلى هذا الأساس تحرك الرئيس فلاديمير بوتين لإنقاذ الموقف.
وأتطرق هنا إلى ما قاله المذيع الروسي المعروف في الأوساط الإعلامية الروسية ( ديمتري كيسيليوف ) في أحد برامجه الأسبوعية إن (روسيا تنقذ أوروبا من البربر للمرة الرابعة ) وعلى ما يبدو أن هذا ا المذيع كان محقا عندما تكلم بهذه الطريقة وقد ذكر هذه المرات حين قال ( لدينا المنغوليين ونابليون وهتلر وألان تنظيم الدولة الإرهابي )
وتنفي السلطات الروسية بشكل مستمر الانتقادات الموجهة للعمليات العسكرية الروسية في سوريا، والتي تذهب إلى أن روسيا تتجاهل أهداف تنظيم الدولة، وتركز على ضرب المعارضة المسلحة لبشار الأسد، واصفة تلك الانتقادات بأنها مجرد دعاية.
وتقول المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إنه أمر يتعلق بالأمن القومي. وأضافت قائلة (لقد عانينا من الإرهاب، ولا نريد أن نتعرض له مرة ثانية)
ويتابع أغلب الشعب الروس الأخبار عبر التلفاز، ما أدى إلى ترسيخ وتوطيد رسالة الرئيس بوتين في أذهان الكثيرين.
وقد أجرى مركز ليفادا المستقل استطلاع رأي في موسكو كشف أن )72( في المائة من الروس يؤيدون الضربات الجوية والتواجد العسكري في سوريا..وهذه طبعا نتيجة منطقية فالروس يضربون الشعب السوري وليس الروسي.
وعليه فأن روسيا تحارب الإرهاب في سوريا من جهة ومن جهة أخرى يوجد أكثر من ( 4000) مقاتل روسي ضمن تنظيم داعش الإرهابي … أليس هذه مفارقة عجيبة . !!!؟؟؟
أما الأمريكان فأنهم لا يختلفون في شي عن الروس في هذا المنعطف . وهنا أتذكر شيئا ملفت للنظر في خطاب الرئيس ترامب الأول كرئيس لأمريكا (الخطاب الذي تكون من ألف و أربعمائة كلمة ) حين قال ( أن الأمر الهام ألان هو أن الشعب الأمريكي أصبح هو من يحكم أو الشعب الأمريكي أصبح ألان هو الرئيس ) وبعد حكم الشعب كما عبر ترامب عنه بدأت أمريكا حملتها على نظام الأسد… ولكن الغريب من هذا كله مناطق سيطرة داعش أصبحت تنعم بالأمان … ماذا يحصل يا ترى ؟
الروس اوجوعوا رؤوسنا بمنظومة أس (400) المتطورة لدرجة عندما تقرا عنها لا تستطيع النوم ليلا .. ولكن فجأة تمر عصافير التوماهوك الامريكة الشهيرة فوق منظومات الروس الدفاعية بأمان دون خوف ولا تردد .
هنا .. أقف قليلا وأنسى العاطفة واطرح السؤال الأتي …
لماذا لم تسقط منظومة صواريخ ( أس 400 ) الروسية المتطورة صواريخ توماهوك الأمريكية المجنحة ؟؟
طبعا . لا داعي أن يتعب الروس والأمريكان أنفسهم بالبحث عن الجواب المقنع . والسبب أننا نحن العرب موجودون وسوف نجد التبرير المناسب لهذا الموقف وكلا حسب فلسفته الخاصة …
من المستحيل والصعب جدا أن نتصور أن يحدث تصادم بين الروس و الأمريكان في سوريا أو أي مكان أخر ( على اقل تقدير في وقتنا هذا أو الأمد القريب ) والسبب انه ليس من مصلحة كلا الطرفين المواجهة فكل منهم يبحث عن مصالحة فقط ولا تهمه ما يحصل للغير .. ويمكن القول إن الميكيافلية الجديدة للنظام الدولي الحالي فاقت كل الممارسات السلبية المدمرة للحرية وحقوق البشر. حيث لم تعد الغاية تبرر الوسيلة فقط بل أصبحت الغايات المخفية بمثابة الشجرة التي تخفي وراءها كل أشكال الهيمنة على الدول والنظام الدولي برمته . بدعوى الدفاع عن الحجج المعتقة والمتمثلة بالحرية والديمقراطية وحماية حقوق الأقليات العرقية والدينية.
وذلك من أجل تفتيت وتذويب وتهميش الكيانات والأنظمة القائمة لترسيخ وتعزيز عولمة دولية مجهولة الهوية والأهداف والمستقبل الغامض والمستندة إلى فكرة هي لا مكان في تفكيرها لا للسياسة بمعناها البسيط والواضح ولا للأخلاق بتصوراتها النبيلة. الأمر الذي يُحوّل العمل الإنساني الذي يهدف إلى تقديم المساعدات بكافة أشكالها للمتضررين من الحروب والصراعات الداخلية ( وما أكثرها في وقتنا هذا ) إلى وسيلة من أجل تحقيق أهداف سياسية غامضة ومشبوهة . ومن الأمثلة على ذلك هو ما قامت بيه أمريكا في جورجيا . فقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الجورجية الأخيرة. ذريعة المساعدات الإنسانية لإقامة جسر يتم بموجبه تزويد النظام في تبليسي بالأسلحة والذخيرة. ومثال آخر هو أن القوات المسلحة الكولومبية لم تتردد في استخدام شعار الصليب الأحمر الدولي. من أجل تضليل المتمردين وتحرير الرهائن الغربيين، وهو ما سيشكل ضربة قوية لمصداقية عمل المنظمات الإنسانية غير الحكومية.
والاستنتاج نفسه يمكن أن ينصرف الى العمل الدولي الإنساني المتثاقل في الصومال . ولكن عدم حياء بعض المنظمات الإنسانية التي وصلت إلى حدود التطاول في دارفور جعلت المعادلة تتجه نحو طرفها النقيض، وذلك لاعتبارات سياسية صرفة وبكل المعنى و يصعب تصديق أو تسويق دوافعها الأخلاقية والإنسانية رغم الارتفاع البالغ للأصوات الدعائية التي روّج لها الإعلام الغربي. وهذا الإعلام ذاته الذي لم يتردد في إسكات ضجيج فضيحة أعمال منظماته الإنسانية في تشاد في وقت قياسي، وجعلها تُقبر وتصبح نسيا منسيا في وقت قياسي .
لقد أصيب العمل الإنساني الدولي بالشلل النصفي على اقل تقدير وأصبح لا يستطيع أن يحقق غايته المنشودة . منذ أن ارتفعت الأصوات الغربية المنادية بحق التدخل في الشؤون الداخلية للدول. من أجل حماية ما تصفه بحقوق الإنسان داخل دول تعتبرها غير صديقة لها….
ولا يفوتني أن اذكر ما نشرته هيلاري كلينتون في عام 2009 في مجلة Foreign Policy حيث قالت بالحرف الواحد ( لا يمكنني المبالغة في أهمية جنوب شرق آسيا وشرق المحيط الهادي بالنسبة للولايات المتحدة، فكما تقع أوروبا على ضفة الأطلسي الشرقية كذلك تقع آسيا على ضفة الهادي الغربية للولايات المتحدة حيث يقطن نصف سكان العالم. الأسواق الآسيوية الحرة توفر للولايات المتحدة فرص غير مسبوقة في الاستثمار والتجارة والصناعة والنمو الاقتصادي والوقوف على احدث التقنيات الصناعية لا توفره أي منطقة أخرى في العالم. صحة الاقتصاد الأمريكي تعتمد على التصدير والاستفادة من السوق الاستهلاكية الهائلة في دول شرق آسيا. من ناحية بنيوية، ضمان امن واستقرار حوض المحيط الهادئ أمرا مهما للغاية للتقدم الاقتصادي العالمي سواء من خلال ضمان حرية الملاحة في بحر الصين أو كبح جماح الطموحات النووية لكوريا الشمالية والتعاون العسكري الشفاف بين دول المنطقة ) .
تتمحور خطة الولايات المتحدة البنيوية في شرق آسيا على ست نقاط وفقا لتصريح كلينتون : توسيع نطاق التجارة والاستثمار و تقوية التعاون الأمني المشترك و تعميق علاقات أمريكا مع القوى الآسيوية الصاعدة بما فيها الصين و الانخراط في برامج إقليمية متعددة الإطراف والنواحي و نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان و تقوية وتوسعة تواجد أمريكا العسكري في المنطقة…
بالتأكيد و دون شك فأن أمريكا ليست عاجزة عن خلع الأسد وبالمقابل أيضا فأن روسيا ليست عاشقة للأسد لهذه الدرجة التي تدفع بدولة القياصرة العظمى أن تستنفر كل اماكنياتها العسكرية واللوجستية من اجله .. أنها مصالح الدول الكبرى . والدليل بعد أطلاق صواريخ التوماهوك وتصاعد لغة التهديد بينهما إعلاميا وشكليا فقط . تيلرسون يزور موسكو .. و روسيا تستخدم حق النقض ( الفيتو ) ضد مشروع قرار حادثة خان شيخون وللمرة الثامنة روسيا تستخدم الفيتو من اجل سوريا
عمليات جيش بشار الأسد ينتج عنها قتل الشعب السوري لا غير .. وعمليات الجيش الروسي وطائراته ينتج عنها قتل الشعب السوري لا غير . وعمليات الجيش الأمريكي وطائراته ينتج عنها قتل الشعب السوري لا غير .. باختصار النتيجة واحدة لا غير الشعب السوري هو الضحية …
منعم الزهيري
باحث في العلاقات الدولية والقانونية
في أوكرانيا والاتحاد الأوربي
تدريسي في كلية الأمام الكاظم (ع) ديالى/ قسم القانون