%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9 أوكرانيا

القطاع الزراعي الأوكراني وحرب الأسواق

 الدكتور خليل عزيمة – باحث وأكاديمي

يرتفع الطلب على الغذاء مع نمو سكان العالم، وفقا لتقديرات الفاو، ينبغي زيادة الإنتاج الغذائي العالمي بنسبة 60% على مدى السنوات الأربعين المقبلة، وذلك من أجل تلبية الطلب على الغذاء لسكان العالم.

تُقدم أوكرانيا، إلى حد كبير، الغذاء ليس فقط إلى جيرانها، وإنما هي مصدر عالمي مهم للمنتجات الزراعية. لذلك، وفقًا لوزارة السياسة الزراعية الأوكرانية، تقوم أوكرانيا سنويًا بتصدير المنتجات الزراعية إلى أكثر من 190 دولة، وهذا الرقم ينمو كل عام. وبالتالي أصبحت أوكرانيا واحدة من رواد العالم في إنتاج وتصدير عدد من المنتجات الزراعية. وتحتل أوكرانيا الآن المراتب الأولى في العالم من حيث إنتاج وتصدير المنتجات الزراعية: المركز الأول في العالم لإنتاج وتصدير زيت عباد الشمس، والمركز الرابع في العالم لإنتاج الشعير، فيما تحتل المركز الثالث في تصدير العسل. لكن إمكانيات أوكرانيا تسمح لها بالاستحواذ على المزيد من أسواق المواد الغذائية. فيما يتعلق بالطلب المتزايد على الأغذية، فإن أوكرانيا لديها توقعات خاصة لزيادة الإنتاج، وخاصة أن الزراعة هي القوة الدافعة للاقتصاد الأوكراني.

بشكل عام، يمثل القطاع الزراعي بأكمله 11% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، وتضاعفت حصة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي على مدار السنوات الست الماضية، وبلغت في عام 2018 أكثر من 18%. وجلب هذا القطاع في نهاية عام 2018 ما يقرب من 40% من عائدات النقد الأجنبي للدولة، أي أن هناك استقرار على مدى السنوات الثلاث الماضية، على الرغم من العوامل الاقتصادية والسياسية المضطربة للغاية. وهناك إمكانات أن تنمو السوق بنسبة 20% سنويا. كما ويمكن لأوكرانيا تصدير المزيد من المواد الغذائية أكثر بكثير، ولكن من الضروري تهيئة الظروف الملائمة.

وعلى مدى ثمانية أشهر من هذا العام، زادت صادرات السلع الأوكرانية إلى دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 7.5% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018 – ما يصل إلى 13.984 مليار دولار. وبالتالي، بلغت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي 42.3% من إجمالي صادرات البضائع من أوكرانيا. وفقًا للبيانات المقدمة ، كانت الصين أكبر دولة متلقية للسلع (7.1%) وبولندا (6.8%) وروسيا (6.6%). ومنذ بداية العام التسويقي 2019/2020 ، وتحديداً، اعتبارًا من 17 تشرين أول/أكتوبر، قام المزارعون الأوكرانيون بشحن 15.4 مليون طن من محاصيل الحبوب إلى الخارج.

بعد فترة وجيزة، في عام 2021، يجب على أوكرانيا إجراء مراجعة لشروط منطقة التجارة الحرة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. يُحتمل أن يوفر هذا فرصًا كثيرةً جدًا للمنتجين الأوكرانيين لتسويق المنتجات الزراعية. وفقًا لممثلي الشركات الزراعية الأوكرانية الكبيرة، يجب توسيع منطقة التجارة الحرة لتشمل مجموعة كاملة من المنتجات الأوكرانية القابلة للتسويق.

بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن تقوم الحكومة الأوكرانية بالعمل على تبسيط الإجراءات الجمركية لتقليل ضياع الوقت في الأعمال الورقية. ولكن العامل الأكثر أهمية الذي يمنع المنتجين الأوكرانيين من أن يكونوا في ظروف سوق متساوية مع شركات دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة للرسوم الجمركية، هو نقص الموارد المالية المتاحة. بمعنى آخر، حتى يتمكن المزارعون الأوكرانيون من التنافس الفعال مع نظرائهم في السوق الأوروبية، فهم بحاجة إلى تسوية شروط الحصول على التمويل، مع الأخذ في الاعتبار التضخم المالي وهوامش فوائد البنوك، وينبغي أن يكون التمويل بأسعار معقولة. ومع ذلك تعد الشركات الأوكرانية من بين الشركات الرائدة في توريد المنتجات الغذائية لأسواق مهمة مثل أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

إن خبرة أوكرانيا في التصدير إلى الشرق الأوسط، سوف تقود إلى فتح مجال آخر مربح هو أسواق الدول الآسيوية، التي ينمو عدد سكانها باستمرار وهناك معاناة من نقص في المنتجات الزراعية. ويمكن لأوكرانيا تلبية احتياجات هذه البلدان من الحبوب واللحوم بنفس الطريقة التي فعلتها البرازيل والأرجنتين سابقًا في السوق الأوروبية.

ولتصبح أوكرانيا رائدة في صادرات المواد الغذائية إلى آسيا، تحتاج إلى 20 مليار دولار في الاستثمار. ويجب إنفاق هذه الأموال على بناء صوامع لتخزين الحبوب، للاستثمار في زيادة الطاقة الإنتاجية وفي تطوير تقنيات الإنتاج الجديدة، وقد تصبح الولايات المتحدة وغيرها شريكاُ استراتيجياُ لأوكرانيا في تطوير القطاع الزراعي.

ورغم ظروف السوق القاسية هذه، فإن أوكرانيا ستربح حربًا تنافسية بسبب وجود ميزات تتفوق بها على دول الجوار. الميزة الأولى هي جودة المنتجات بأفضل سعر، الميزة الثانية – وجود مساحات كبيرة من الأراضي ذات التربة السوداء والصالحة للزراعة، الميزة الثالثة – الحيازة الزراعية تتبع الاتجاهات العالمية وتطبق التكنولوجيات المتقدمة في تنمية النباتات والحيوانات. الميزة الرابعة – الناس يكرسون أنفسهم لعملهم.

يمكننا أن نلاحظ أن القطاع الزراعي في أوكرانيا لديه فرص كبيرة لتحقيق نمو كبير ومستقر في السنوات المقبلة. ولكن لهذا يجب أن يتحقق شرطين: الأول، تحسين مناخ الاستثمار، والذي بدوره سيسمح للأعمال الزراعية بأن يكون لديها ما يكفي من الأموال لتصبح مبتكرة وفعالة للغاية. كما أن استمرار سياسة الدولة من حيث تحسين مناخ الاستثمار في القطاع الزراعي هو الضمان الرئيسي لاستحواذ أوكرانيا على ترتيب متقدم في سوق الأغذية العالمي. الثاني، زيادة العلاقات التجارية التي ستسمح لأوكرانيا بزيادة مبيعات المنتجات الزراعية سنويًا. حيث قطعت أوكرانيا، في السنوات الأخيرة، خطوات كبيرة في هذا الاتجاه. وكان الحدث الأكثر أهمية في السنوات الأخيرة هو التوقيع بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي على اتفاقية حول الارتباط وإنشاء منطقة تجارة حرة. ومع ذلك ، فإن الاتحاد الأوروبي ليس السوق الوحيد للمنتجات الزراعية الأوكرانية. أوكرانيا تصدر كميات كبيرة من المنتجات الزراعية إلى آسيا ودول الشرق الأوسط، وهنا لدينا أيضا اتجاه إيجابي.

إن أوكرانيا بالفعل لاعب مهم للغاية في السوق الغذائية العالمية، لكن الزيادة في الطلب على الغذاء تفتح آفاقا مستقبلية هائلة لأوكرانيا لتعزيز موقعها كمصدر زراعي قوي. في أوكرانيا اليوم ، توجد جميع المتطلبات الأساسية للاستفادة من نمو الأسواق. ويتطلب ذلك دعم وتنظيم الدولة للقطاع الزراعي، والسياسة التجارية الدولية، وبطبيعة الحال – مسألة كفاءة الإنتاج. تؤكد هذه الحقائق مرة أخرى التقارب بين أوكرانيا وسوق الأغذية العالمي، وإن أوكرانيا لديها القدرة التنافسية الكبيرة ويمكنها أن تنتصر في حرب الأسواق الغذائية العالمية.

شاهد أيضاً

جورجيا

من يؤثر على الديمقراطية في جورجيا ودول أخرى؟

أحمد عبد اللطيف / في السنوات الأخيرة، أصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة …