سامح سمير / لا داعي لأن نعود بالتاريخ للوراء كثيرا فلنعد إلى عصر الإقطاع سواء كان بغطاء وسلطة دينية أم رأسمالية أم سياسية حيث كان النظر إلى العامل على أنه مخلوق ضعيف أقصى ما يمكن أن يحصل عليه هو شربة ماء ولقمة عيش تسد جوعه وكسوة تستر عورته هو وأسرته ليس له أي حقوق أخرى من حيث المطالبة بحياة كريمة أو التعليم والمعرفة أو السؤال إلى أين ذاهبون.
وفي المقابل ينعم الإقطاعي صاحب الأراضي والشركات والمصانع هو وأبناؤه وأحفاده بالرفاهية الغير مبررة والسلطان والعز والجاه.
وإستمر الحال هكذا في معظم دول العالم.
إلى أن ظهرت وتبلورت الدراسات والنظريات الخاصة بالفكر الشيوعي والإشتراكي والماركسي، ثم رأينا فيما بعد تجسيدا لهذا الفكر في الواقع عند قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م ونشأة الإتحاد السوفيتي ووجود القطاع العام حيث الشركات والمصانع تكون ملك لحكومة الدولة وليس ملك لأشخاص بعينهم.
وانتقلت التجربة الى العديد من دول العالم بما فيها بعض الدول العربية طبعا.
وعلى النقيض تبلور وتجسّد معسكر آخر لفكر قديم أيضا وهو المعسكر الرأسمالي تتزعمه الولايات المتحدة الأمركية، ووُجد القطاع الخاص حيث الشركات والمصانع ملك لأصحاب رأس المال، وسار على هذا الدرب عدد من دول العالم بما فيها بعض الدول العربية أيضا.
نظرا لظروف وصراعات سياسية وإقتصادية انهار الإتحاد السوفيتيي راعي الإشتراكية و نظام القطاع العام في العالم. فأصبحت الغلبة والسيطرة للرأسمالية وقطاعها الخاص وأصحابه.
ثم ظهر أيضا ما سمي بالطريق الثالث كنوع من المزج بين النظامين السابقين ولكن دون بلورة وترجمة على أرض الواقع.
يمكننا عمل الان مقارنة سريعة لأبرز مزايا وعيوب القطاعين العام و الخاص :
أبرز مزايا القطاع العام:
1_ الحفاظ على حقوق العمّال المادية والمعنوية وشعورهم بالأمان الإجتماعي وتقليل نسبة البطالة وعدم وجود التفاوت الطبقي بشكل غير مبرر ومثير للأحقاد والضغائن الإجتماعية حيث دخل الدولة من الشعب وإلى الشعب.
2_قوة وهيبة وسيطرة وغنى الحكومة بشكل فعّال وعدم وجود فرصة لزواج المال بالسلطة وتوجيه السلطة من خارجها.
3_ إرتفاع جودة المنتجات سواء كانت مادية أو فكرية أو معنوية مع إنخفاض و إستقرار الأسعار حيث الربح بجشع وطمع ليس هو الهدف الأساسي بل خدمة الشعب وتلبية إحتياجاته هو الهدف مع الحفاظ على المنافسة وأساليب العمل الشريفة بين الشركات والمصانع.
أبرز عيوب القطاع الخاص:
1_إهدار حقوق العمال المادية والمعنوية وعدم شعورهم بالأمان الإجتماعي وزيادة نسبة البطالة وانتشار التفاوت الطبقي الغير مبرر مما يثير الأحقاد والضغائن حيث دخل الدولة من الشعب وإلى جيوب حفنة قليلة منه ولعل خير دليل على هذا أنه الان تقريبا 50% من ثروة الأرض في يد 2% فقط من سكاّن الأرض وطبعا النظام السائد هو الذي سمح لهم و ساعدهم وجرأّهم على الوصول لذلك وليست عبقريتهم المطلقة.
2_ ضعف هيبة وسيطرة الحكومة والتأثّر الخارجي بل الرضوخ أحيانا لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال.
3_إنحفاض جودة المنتجات المادية والفكرية والمعنوية مع إرتفاع و عدم إستقرار الأسعار حيث الهدف الأساسي هو الربح الضخم بدون أي سبب سوي ملئ جيوب أصحاب الشركات والمصانع بأكبر قدر ممكن من المال مع المنافسة وإستخدام الأساليب الغير شريفة أحيانا كثيرة.
أبرز عيوب القطاع العام :
1_عدم إتاحة الفرصة وتهميش فئة مهمة من الشعب وهم أصحاب المواهب والعقول التجارية والإبداعية و عدم الإستفادة منهم.
2_فتح المجال على مصراعيه للفساد وعدم العمل بكفاءة ونشاط وجد وإجتهاد حيث يصعب اكتشاف الفساد ومحاسبة المهمل والمتكاسل نظرا للقوانين الكثيرة و طواطئ الأغلبية حيث أن المال عام وللجميع.
3_الروتين وتكبيل العمل التجاري بالقوانين التي يصعب معها مواكبة التطور العصري وإتخاذ الإجراءات السريعة للبقاء في السوق وإرضاء العملاء.
أبرز مزايا القطاع الخاص:
1_ إتاحة الفرصة لأصحاب المواهب والعقليات التجارية والإستفادة منهم والسماح بإفادتهم.
2_ تقليل الفساد المالي والإداري داخل الشركات والمصانع حيث لن يسمح صاحب رأس المال بسرقة أمواله والعمل بكفاءة وإجتهاد وتطوّر حيث إما العمل وإما الطرد منه.
3_ديناميكية القوانين وسرعة التكيّف مع متغيرات وتطورات المجتمع لإرضاء العميل والبقاء في السوق ومواكبة العصر.
مما سبق يتضح أن كلا النظامين فشل في إسعاد الشعوب وإرضاء كل الناس على إختلاف مواهبهم وقدراتهم وتطلعاتهم وتوفير العدل والمساواة بينهم وحمايتهم من شر أنفسهم من الطمع والجشع وعبودية المال أو من اليأس والظلم والذل والإستعباد وضياع الأمل.
ولكن لماذا فشل النظامين القطاع العام والخاص؟
لأنهما إبتعدا عن المعلّم الأول وهو الطبيعة والفطرة، فأي شئ ينافي الطبيعة والفطرة السليمة لا يمكن أن يأتي معه خيرا أبدا وسيكون ماهو إلا صورة من صور الإنحراف الموجب أو الإنحراف السالب وفي النهاية لن يوجد إيمان ولا إستقامة وبالتالي طغيان وإنحراف و فشل ويأس وعدم سعادة وبؤس وشقاء للإنسان تماما كما هو حال البشرية الان والذي يجب أن نكون متأكدين مائة في المائة أنه سيسوء يوما بعد يوما وعاما بعد عام طالما أننا لا نسير بالنظام المستوحى من الطبيعة والفطرة السليمة.
ماهو هذا النظام المنقذ والمخلص؟
محور الصراع بين صاحب رأس المال والعمّال والحكومة هو الربح والعائد والقيمة المضافة، لو قمنا بتشبيه هذا الربح بالثمرة سنجد أنه حتى يكون هناك ثمرة لابد من توافر 3 عوامل تتفاعل وتتشارك معا للحصول على الثمرة وبدون أحدها لن يكون هناك ثمرة وهم كالاتي :
1_ البذرة التي يمكن تشبيهها برأس المال المراد إستثماره.
2_العمل من قبل المُزارع الذي يمكن تشبيهه أيضا بالعمل من قبل العمّال في المصنع أو الشركة.
3_البيئة الحاضنة التي تنمو فيها البذرة من خلال العمل، ويمكن تشبيهها بحكومة الدولة التي تعمل فيها الشركة أو المصنع حيث الحكومة هي الممثل والنائب عن الدولة وهي التي توفر البيئة والمناخ الحاضن والجاذب للإستثمار من حيث توفير الأمن والقوانين والبنية الأساسية وما الى ذلك.
إذن من الطبيعي جدا والبديهي أن يتم تقسيم ثمرة العمل على العوامل الموجدة للثمرة بالتساوي فيحصل صاحب رأس المال على الثلث من الربح والعمّال مجتمعين على الثلث أيضا والحكومة على الثلث الباقي.
وتكون صفة وهوّية الشركة والمصنع أنها قطاع ثلاثي ملك للثلاثة جهات معا وليست ملك لطرف واحد مستقل ، فيشعر الجميع بالطمأنينة على حقوقه المادية والمعنوية ولا يطمع طرف في طرف اخر بل سيكون كل طرف رقيب على الاخر حيث المال ملك للجميع ولن يسرق أحد نفسه ولن يسمح بسرقة أحد له.
لا مرتبات ولا ضرائب:
كلمة راتب أساسا فيها إهانة لكرامة الإنسان العامل في شركة أو مصنع حيث ان راتب تعني ان صاحب راس المال يشتري العامل بمبلغ معيّن كل شهر ويتعامل معه كأنه بضاعة أو مدخل في عناصر الإنتاج يشتريه ثم يبيعه ليربح فيه ولا يتعامل معه أبدا على أنه شريك في العمل والحصول على الثمرة كما هو فعلا طبيعيا وعمليا، لذلك في القطاع الثلاثي سيحصل العامل على حصة من الربح وليس مرتب توزع كل ثلاثة أشهر مع صدور التقرير الربع سنوي طبقا لنصيبه في الشركة أو المصنع الذي سيتم اصدار قوانين وتشريعات لتحديده حيث طبعا المدير غير المهندس غير العامل البسيط وهكذا وتكون بشكل أسهم غير قابلة للبيع أو أي شكل اخر.
وأيضا كلمة ضرائب منافية للفطرة والطبيعة وفيها إهانة حيث انها تعني نوع من العقاب أو الجزاء ولكن الأمر غير ذلك فالحكومة تأخذ حقها ونصيبها كشريك في العمل والنجاح فستحصل على الثلث كحصة في الربح كل ثلاثة أشهر أيضا ويتم الغاء كلمة ضرائب نهائيا من قاموس البشرية.
مقارنة القطاع الثلاثي بالقطاع العام والقطاع الخاص:
على النحو المختصر السابق لعرض ملامح مبدئية عامة للقطاع الثلاثي والذي يجب أن يأتي يوم ويكون هو النظام السائد الذي يحكم الشركات والمصانع في العالم إن كان هناك نفوس لا تعبد المادة (أصحاب رؤوس الأموال) وإن قالوا نحن مسلمين أو مسحيين أو يهود أو ننتمي لأي دين. ونفوس ترفض الذل والهوان (العمّال) ونفوس ترفض التستر على الفساد وتقوم بواجبها المحايد ( الحكومات)، يمكن ملاحظة أنه من خلال تطبيق هذا النظام سيتم تلافي عيوب القطاعين العام والخاص وسيتم الإحتفاظ بمزاياهما معا بل وإضافة مزايا أخرى للجميع على السواء حيث كل سيكون رقيب على ماله ونصيبه بنفسه بل وعلى الآخر فسيحمي نفسه من الأخر ويحمي الأخر من نفسه. مع الحفاظ على هوّية ودور وقيمة الجميع.
إذا كان القطاع العام هو التجسيد العملي لنظرية الإشتراكية بما لها من أبعاد فلسفية واقتصادية واجتماعية والقطاع الخاص هو تجسيد عملي لنظرية الرأسمالية بما لها أيضا من نفس الأبعاد فالقطاع الثلاثي هو التجسيد العملي لنظرية الإستقامة والفكر المستقيم المعتدل الطبيعي والفطري والمحايد النزيه الذي يحمي النفوس من الإنحراف الموجب ( الطغيان و أخذ أكثر مما يجب) والإنحراف السالب ( الغبن وأخذ أقل مما يجب) ليجعلها حقا نفسا محايدة نزيهه مطمئنة سليمة ليست مريضة إن أرادت أن يكون لها علاقة بالله حقا.