القرم من الانفصال الى المواجهة
16 مارس, 2014
مقالات, ملفات خاصة
شبه جزيرة القرم :بين الانفصال والمواجهة …
د.خالد ممدوح العزي/ اتسم عهد روسيا القيصرية بقدر كبير من العداء والدموية، فمنذ سيطرة القياصرة على الحكم في روسيا، امتلك الروس حزمة من الأطماع التوسعية لكي تكون روسيا دولة كبرى على مسرح السياسة الأوروبية والدولية، واختلطت هذه الأطماع في بعض الأحيان بعواطف دينية متعصبة، متمثلة في حماية الأرثوذكس في العالم، وكذلك السيطرة على الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين.
حرب القرم كانت في القرن الثامن عشر مسرحاً للمعارك والمواجهات، للسيطرة على شبه الجزيرة تمهيداً لوصول روسيا القيصرية إلى المياه الدافئة، هو الحلم الذي ظل يراود الروس فترة طويلة من الزمن ولا يزال حتى اليوم . عندما وسع القياصرة الروس حدود دولتهم نحو المياه الدافئة بعد احتلال شبه جزيرة القرم حيث كان يعيش على ارضها شعوب تركية مختلفة تم ترحيلهم وإسكان فلاحين روس مكانهم، بدأ القياصرة باستعمار السهوب الواقعة بين القوقاز ونهر الدانوب.
وفقاً لاتفاقية باريس التاريخية التي عقدت بين روسيا والدولة العثمانية والتي تتنازل بموجبها المملكة العثمانية لروسيا عن سلطتها في جزيرة القرم، في حال تحول ملكية الجزيرة الى دولة ثالثة، عندها يحق للدولة العثمانية المطالبة بها. بعد ذلك تم انشاء ولايات جديدة سميت بـ” روسيا الصغيرة”، وهي المناطق التي تعرف بأوكرانيا الشرقية وتضم المدن الآتية :” أوديسا ،خاركوف ، دانيتسك و خيلسون وسيفاستوبل و دنبرو بتروفسك، اما غرب اوكرانيا فكان جزأ من بولونيا ومن الامبراطورية الرومانية، وقد تم ضمه الى الاتحاد السوفياتي في العام 1939 باتفاق بين وزير خارجية الاتحاد السوفياتي مولوتوف و روبنتروب وزير الخارجية الالماني حول اقتسام بولونيا واكبر مدنها” الفوف وروفنا” . ينتمي سكان القسم الشرقي من اوكرانيا الى العرق السلافي ومن اتباع المذهب الأورثوذكسي .اما سكان القسم الغربي من اوكرانيا ينتمون ايضا الى العرق السلافي ( بولون و اوكران) ولكن من اتباع المذهب الكاثوليكي ويضمرون عداوة كبيرة لروسيا.
بعد نجاح حركة التجديد في الحزب الشيوعي السوفياتي بعد وفاة جوزيف ستالين بقيادة نيكيتا خرتشوف (الاوكراني القومية، والشيوعي الايديولوجية، والسوفياتي الهوية) . قام خرتشوف بوصفه الامين العام للحزب بإعادة رسم الخريطة الادارية للجمهوريات السوفياتية والحق جزيرة القرم في عام 1954 بجمهورية اوكرانيا الاشتراكية الشعبية ، وفصلها اداريا عن العاصمة الروسية موسكو، لتسيير شؤون المواطنين في نفس الجمهورية . فالإدارة ليست تنازل او بيع ضمن ملكية قانونية مسجلة . ومع انهيار الاتحاد السوفياتي وإعلان اوكرانيا انفصالها عن روسيا بتاريخ 19 اب 1991 ،بقيت جزيرة القرم ضمن سيادة الدولة الاوكرانية على الرغم من ان اغلبية السكان من التابعية الروسية ويحملون الجنسيات الروسية، ويتلقون اموال التقاعد من روسيا الاتحادية . فالقرم جمهورية ذات نظام حكم ذاتي يدخل ضمن دولة اوكرانيا له برلمان محلي “مجلس سوفيات القرم”، ومجلس رئاسة وحكومة ودستور.
لم تحاول روسيا حتى الامس القريب المطالبة بالقرم لأنها كانت تلتزم اخلاقيا مع الشقيقة اوكرانيا والتي تدخل معها في دول الاتحاد الاقتصادي ، وبالتالي روسيا كانت تعتبر اوكرانيا دولة صديقة وجارة تاريخية ويربطهما علاقات كبيرة جدا لا يمكن تفكيكها بالرغم من ان المتطرفين الاوكران كانوا يضمرون الحقد والبغض لروسيا.
روسيا التي كانت تعتبر وجود اسطولها في البحر الاسود (قاعدة “سيفاستوبل” العسكرية) هي ضمان لجاليتها الروسية الكبرى ولمصالحها الاقتصادية والمالية، ووجود الاسطول هو بحد ذاته حامي للمدن الشرقية والكنيسة الأرثوذكسية . ومع تصاعد الحركات المتشددة في اوكرانيا وسيطرة المزاج المتعصب ، بدأت القوى الاوكرانية تطالب بإنهاء وجود الاسطول الروسي في البحر الاسود وعدم تجديد اتفاقية وجوده في القاعدة العسكرية لكن بظل تشديد القبضة الروسية وتحديدا بعد سيطر البرتقاليين على الدولة استطاعت روسيا بوتين تمديد الاتفاقية الى عام2042 .
اما بعد سقوط نظام فيكتور يانوكوفيتش السريع والنكسة التي تعرضت لها موسكو فتحت كل ابواب المواجهة ،لكن الرد الروسي الرسمي لايزال في حالة تريث وانتظار، ولكن الرد الشعبي جاء سريعاً من شبه جزيرة القرم من خلال التظاهرات والتمرد على القيادة الاوكرانية الجديدة التي وصفوها بأنها فاشية، بالتالي الانتفاضة والتمرد في القرم يأتي من خلال اشارة موسكو الضمنية، وموافقتها في رفع شعار الانفصال عن اوكرانيا ، ما يعرَض الدولة الى نزاع داخلي تحت شعار بالانفصال. فالبرمان الروسي يحاول تسريع استحداث جوازات لسكان القرم الروس والذي يبلغ تعدادهم حوالى 60% من اجل التحرك لحماية الجالية الروسية، وهذا السيناريو تم استخدامه سابقا في ابخازيا واوسيتيا الجنوبية ضد جورجيا . وبالمقابل تخرج الى العلن ازمة جديدة مكونها الجديد هم “تتار القرم” الذين يطالبون بالانفصال عن روسيا وأوكرانيا نهائيا ،وهذا المكون هو سكان البلد الاصليين الذين عادوا بعدما تم تهجيرهم مرة جديدة من قبل ستالين واتهامهم بالولاء لهتلر انذاك
قانونيا يمكن لروسيا مطالبة اوكرانيا باستعادة القرم من خلال دعم الانفصاليين الروس والمطالبة بحمايتهم من خلال عقد الاتفاق مع الدولة الوريثة ومن خلال رغبة المواطنين الذين احتلوا المباني الحكومية ورفعوا العلم الروسي على اعتبار ان القرم دولة تطالب بالانفصال حتى لو ادى الى استفتاء شعبي كما حصل في العديد من الدول، ولا سيما دول الاتحاد اليوغوسلافي.ومن هنا عمل المتظاهرون على حل حكومة القرم وتكليف رئيس حزب “روسيا الموحدة” بتشكيل الحكومة وطرح بند اساس في جدولها وهو الذهاب في 16 مارس الى استفتاء شعبي حول البقاء او الاستقلال عن اوكرانيا.
روسيا يمكنها فرض الحماية العسكرية من خلال وجود اسطولها في الجزيرة ،وبالتالي ما يمكن المعارضة من استخدام الجيش في قمع استقلال القرم، والانفصال، والذي سيشجع المدن الاوكرانية الشرقية على حذو القرم بسبب ارتباطها العضوي بروسيا.
ربما هذا المخطط يودي حتما الى تقسيم اوكرانيا (شرقية وغربية) اذا لم يتم اخذ مصالح روسيا بعين الاعتبار .
كلمة اوكرانيا تعني باللغة الروسية” وراء النهار” اي نهر الدانوب الذي يفصل بين الشرق والغرب.فالروس يمتلكون هذه الورقة التي يتخوف منها الغرب، كون التقسيم سيكون حتما لمصلحة روسيا ومدنها.
وبالرغم من محاولة البرلمان الاوكراني باستصدار قانون يؤمن حماية الاقليات على اراضي البلد، لكن القانون تم اصداره لطمأنة الاقليات الاوروبية التي تدعم الانفصاليين بعد تخوفها من سيطرة الحركات المتطرفة التي تملك السلاح وهي ومستعدة للقيام باية اعمال خطرة . فالقرار لم يكن بالأساس لتحسين العلاقة مع روسيا، لان الغربيين حسب تعداد السكان الاخير هم الاقلية .
فكيف ستتمكن الدول الكبرى اللاعبة على الساحة الاوكرانية من كبح شعور الشعب الاوكراني وإبقائه في دولة واحدة، بعد هذا الخلل غير المسبوق لعدم تفهم حالة اوكرانيا الخاصة.
كاتب لبناني