الفلسطينيون و”نقمة” اكتشاف النفط والغاز بالقرب من رام الله
20 أبريل, 2012
مقالات, ملفات خاصة
عامر راشد / يستعدُّ الفلسطينيون لخوض معركة سياسية وقانونية شرسة ضد الاحتلال الإسرائيلي على خلفية الإعلان عن اكتشاف النفط والغاز في قرية رنتيس الواقعة على بعد 37 كم شمال غرب مدينة رام الله، في المنطقة المحاذية للخط الأخضر الذي يرسم الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية المحتلة في العام 1967.
ويأتي ذلك في ظل ازدياد مخاوفهم من أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى تعنت إسرائيل في المفاوضات، وزيادة مطالبها في التعديلات الحدودية التي تشترطها على الجانب الفلسطيني، من خلال محاولة فرض مسار جدران الفصل، التي أقامت الجزء الأكبر منها على أراضي الضفة، كأمر واقع يرسم الحدود الجغرافية مع الدولة الفلسطينية مستقبلاً.
وفي هذا السياق لفت ماهر غنيم، وزير الدولة لشؤون (مقاومة) الجدار والاستيطان في حكومة السلطة الفلسطينية، إلى وجود مؤشرات على امتداد الحقل النفطي المكتشف تحت حوالي ثمانين موقعاً استيطانياً وبؤرة استيطانية صادرتها إسرائيل، وأن 50% من المنطقة هي ضمن مخطط جدار الفصل، وهو السبب الذي حدد مساره في العام 2001، وهي ذات المنطقة التي يطالب الاحتلال باقتطاعها، بالإضافة إلى مناطق أخرى من الضفة الغربية، وضمها لإسرائيل.
وتؤكد الأبحاث والتقديرات العلمية أن هذا الحقل هو حوض مشترك وامتداده الحقيقي من منطقة قلقيلية شمال الضفة حتى بديا إلى الجنوب، كما تظهر المعلومات المتوفرة لدى “وزارة شؤون الجدار والاستيطان” أن مجموع احتياطي الحقل من الموارد الطبيعية قد تصل إلى حوالي 1.1 مليار برميل نفط، و1.8 مليار قدم مكعب من الغاز.
بدوره أوضح رئيس المجلس المحلي لقرية رنتيس أن الاحتلال وضع يده على بئر للغاز الطبيعي في أراض تعود ملكيتها لفلسطينيين في القرية. وأشار إلى أن الأراضي التي يتواجد فيها بئر الغاز تقع في أراض محتلة عام 1967، لكن سلطات الاحتلال عمدت إلى إقامة جدار الفصل العنصري شرق الأراضي المصادرة التي يتواجد فيها البئر ما جعلها غرب الجدار.
وأضاف أن شركات إسرائيلية بدأت عمليات الحفر والتنقيب عن الغاز الطبيعي في تلك المنطقة عام 2009، فيما جرى تشغيل هذه البئر وإنتاج الغاز عام 2011، الأمر الذي يمثل سرقة علنية للموارد الطبيعية الفلسطينية، مشدداً على أن موقع البئر لا يبعد أكثر من مائتي متر عن جدار الفصل، وأن عملية تشغيل البئر وإنتاج الغاز بدأت مع تفجير أنبوب الغاز المصري الذي كان يزود إسرائيل بالغاز الطبيعي، ما يدل على أن إسرائيل كانت تعتبر هذه البئر احتياطاً للغاز لاستخدامه مستقبلاً.
إن ما سبق يفضح زيف الإدعاءات الإسرائيلية بأن المطالبة بتعديل الحدود مع الضفة الغربية، وإقامة جدران الفصل على أراضيها، استدعتها “ضرورات حفظ أمن دولة إسرائيل بإعطائها العمق الجغرافي الكافي لمنع نشوء تهديدات فلسطينية مستقبلية”، فقد حرصت إسرائيل في رسمها لمخطط الجدران على ضم أغلب مناطق مدينة قلقيلية الفلسطينية، والهدف من وراء ذلك وضع يدها على خزان المياه الجوفية الفلسطينية، حيث إن الآبار الموجودة في هذه المنطقة تزود الضفة الفلسطينية بـ 50% من مجموع احتياجاتها من المياه الصالحة للشرب والزراعة المروية، وتشكل 40% من مصادر المياه في الضفة الفلسطينية. وتقوم إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة بسرقة المياه الفلسطينية، وتحويلها إلى المشاريع الصناعية والزراعية في المستوطنات وداخل الخط الأخضر، وتمنع الفلسطينيين من حقهم الطبيعي في مياههم. والكثير من الأراضي الفلسطينية الخصبة التي تقع على جانبي الجدار باتت مهددة بالتصحر، بفعل تجريف الأراضي الزراعية الخصبة لصالح الأعمال الإنشائية للجدار، وحرمان ما تبقى منها من المياه، وعدم تمكين المزارعين من الوصول إلى أراضيهم. كما تعاني قرى شمال غرب القدس من كارثة بيئية وصحية خطيرة نتيجة أزمة المياه الخانقة.
وبإنشائها لجدران الضم والفصل العنصرية قامت إسرائيل بالاستيلاء على ما مجموعه 50 بئراً من آبار الضفة الفلسطينية، هذا بالإضافة إلى أنها أقامت 500 بئر ارتوازية غرب حدود 1967 لسرقة المياه الجوفية الفلسطينية، وبذلك ضمنت سيطرتها الكاملة على الحوض الغربي، الذي ينتج 430 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، ويعد المخزون الجوفي الوحيد الذي يضمن أي تطور عمراني وسكاني للشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية، وقامت سلطات الاحتلال بمد خط لنقل المياه من مناطق الضفة الفلسطينية إلى شمال إسرائيل بمنطقة سلفيت، بقطر 24 بوصة، مقدر له أن يسد حاجات التطور العمراني لهذه المناطق لأكثر من 50 عاماً، على حساب عطش الفلسطينيين وحرمانهم من مياههم.
واليوم يثبت أن سرقة حوض النفط والغاز المكتشف في قرية رنتيس كان من ضمن الأجندة السرية لرسم مسار جدران الفصل والضم الإسرائيلية، ما يحوّل نعمة اكتشاف النفط والغاز إلى “نقمة” على الفلسطينيين، الذين تُفرض عليهم معركة جديدة – قديمة في مواجهة احتلال استيطاني زاحف، بغطاء من المواقف الأميركية الرافضة لأي تحرك دولي فاعل يدين ويتصدى للأعمال الاستيطانية الإسرائيلية.
ويضغط الشارع الفلسطيني من أجل خوض المعركة السياسية والقانونية بكل جدية مع الاحتلال، لتمكين السلطة الفلسطينية من حقها المشروع في استغلال مواردها وثرواتها الطبيعية، حتى لا يكون مصير هذه الثروة النهب على يد الاحتلال الإسرائيلي، أو منع الفلسطينيين من استغلالها، والمثال على ذلك منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين في قطاع غزة من استثمار آبار الغاز هناك، والتي يبلغ حجم مخزونها حوالي 30 مليار قدم مكعب من الغاز الأحفوري، حسب بعض التقديرات. ودلت دراسة صادرة عن “صندوق الاستثمار للسلطة الفلسطينية” على أن خسائر الفلسطينيين وصلت إلى ما بين 7-10 مليارات دولار نتيجة لعدم استغلالها منذ العام 2000، وهذا الرقم يفوق حجم الديون الداخلية والخارجية المترتبة على السلطة الفلسطينية.
وبالطبع لن تكون المعركة سهلة، فهي تتطلب حشداً سياسياً دولياً يضغط على الحكومة الإسرائيلية للالتزام باتفاقيات جنيف وشرعة الأمم المتحدة التي تجرِّم استغلال سلطات الاحتلال لموارد في الأراضي المحتلة، وفي المقلب الآخر تمكين السلطة الفلسطينية من التنقيب والتعرف على الامتدادات الحقيقية لهذا الحوض بإشراف خبرات دولية تنتدبها الأمم المتحدة.
أنباء موسكو