العلاقة الأردوغانية-الكولنية: نظرة من زاوية أخرى
22 أغسطس, 2016
مقالات, ملفات خاصة
فادي قدري أبوبكر/ تثير العلاقة ما بين حركة الخدمة أو جماعة كولن التي يقودها فتح الله كولن والنظام التركي ممثلاً برجب طيب أردوغان، جدلاً واسعاً وفضولاً شرق أوسطياً وحتى عالمياً. وفي الصدد تناول المحللون والباحثون هذه العلاقة بشكل مكثف في الآونة الأخيرة، ولكن هل يمكن لهذه العلاقة التي تحولت من الصداقة إلى العداء أن تكون ما زالت في إطار “الحلف الغير معلن”؟.
إذا ما أردنا محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات فلا بد من تتبع محطات رئيسية في تاريخ هذه العلاقة بدءاً من فترة حكم نجم الدين أربكان، مروراً بتسلم أردوغان دفة الحكم، وصولاً إلى ما يسمى بمحاولة الانقلاب على الحكم عام 2016م. كما يتوجب تتبع وتحليل المواقف والسياسات الأردوغانية والكولنية من القضية الفلسطينية و داعش وغيرها.
دعمت تركيا القضية الفلسطينية منذ السبعينيات، ولم تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1976، وذلك بسبب علاقات المنظمة مع الأكراد والأرمن واليسار واليونان. وحينما وصل نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه الإسلامي إلى سدة الحكم دعم القضية الفلسطينية بشكل مطلق ودعا إلى إلغاء كل العقود والاتفاقيات مع “إسرائيل” .
تبلور التحالف الأردوغاني الكولني بعد عام 1997 عندما قام أردوغان ورفاقه بتأسيس العدالة والتنمية، بعد إطاحة حُكم أربكان، وفق برنامج سياسي يحترم الدستور العلماني ويتجنَّب الصدام مع المؤسّسة العسكرية، وكان كولن من المباركِين لهذه الخطوة، ويمكن القول إنّ جماعة كولن عاشت مرفهة في ظلِّ حكومة أردوغان التي فتحت لها آفاق العمل والنشاط في جميع قطاعات الدولة، بما فيها تلك التي لم يكن ممكنًا لها العمل فيها من قبل سواء في وزارات التربية والتعليم، الداخلية، الخارجية، العدل ومديريات الأمن والاستخبارات. كما ذهب أردوغان إلى حدّ الترويج للجماعة في الخارج، عندما توسّط بينها وبين مختلف الزعماء والرؤساء؛ للحصول على أراضٍ في بلدانهم تقيم الجماعة عليها المدارس والجمعيات وغيرها من المشاريع. وفي المقابل دعمت الحركة الحزب في جميع الانتخابات التي فاز بها منذ وصوله إلى السلطة .
يترأس كولن شبكة من المدارس والجمعيات الخيرية والشركات في أكثر من مائة دولة حول العالم، وقد كان أردوغان مساهماً رئيسياً في تأسيس هذه الشبكة، أما الخلاف والعداء الذي ظهر للعالم ما بين أردوغان وجماعة فتح الله كولن، فإنه يعود إلى عام 2010 على إثر تباين مواقفهم تجاه حادثة أسطول الحرية، خلاف لا أرى فيه سوى أنه جزءاً من خطة تركية أردو- كولنية تقوم على قاعدتين: الأولى تأتي على قاعدة “إن لم أجد معارضة لخلقتها” والثانية على قاعدة “اضرب كف وعدل طاقية مع اسرائيل ” للوصول إلى علاقات مستقرة مع المعسكرين الغربي والشرقي.
رافق وصول أردوغان للحكم توطيداً للعلاقات التركية الإسرائيلية، إلا أنها مرت بمراحل من الهبوط بعد تصاعد الانتفاضة الثانية عام 2000 وبعد حرب 2008 على غزة . أما كولن فسياسته تنادي بنزع حالة العداء للمشروع الصهيوني وتعميم “التطبيع” مع المحتل تحت ذريعة أن الوقت غير مناسب لمواجهته واستعدائه، وقد تمثلت هذه النزعة في تبرع “كولن” السخي لأحد المدارس التبشيرية (2 مليار دولار) ولقاءاته مع الحاخامات، وفي علاقة الجامعات التي أنشأتها “الجماعة” مع الجامعات الإسرائيلية، وفي إدانة كولن لسحب السفير التركي من تل أبيب، وفي رفضه لسفينة “مرمرة” حين توجهت لمساندة أهل غزة المحاصرة .
شهد العالم عام 2010م “توتراً” في العلاقات التركية – الإسرائيلية بسبب حادثة سفينة مرمرة، وفي العام نفسه خرج نجم الدين أربكان رئيس الوزراء الأسبق بتصريح قال فيه ” إن الصهيونية تحتكر غالبية وسائل الإعلام في بلاده وكلها لخدمة رئيس الوزراء اردوغان، حيث ان عشرات الصحف والفضائيات التي تعمل لصالحه ليل نهار، لا لكي يظل في السلطة فحسب، بل من أجل الحفاظ على قيام إسرائيل العظمى بالمنطقة! والتي تضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الأمن الدولي، وأضاف أن الجميع وفي مقدمتهم الحركة الصهيونية يعملون لأن تكون تركيا تابعة لإسرائيل. وأشار اربكان رئيس الحكومة الاسبق عامي1996 و1997 إلى ان حجم الديون الخارجية على البلاد على مدى تاريخ الحكومات التركية المتعاقبة بلغت80 مليار دولار، ولكنه ارتفع في عهد العدالة والتنمية الحاكم ومنذ اعتلائه الحكم في العام 2002م إلى 580 مليار دولار ” .
اتهم أردوغان جماعة كولن بالوقوف وراء محاولة “الانقلاب” الأخيرة، والتي لم يكن المستفيد الأول منها سوى أردوغان نفسه، فحكمه أصبح شمولياً بشكل أكثر وضوحاً خصوصاً بعد أن زج بالآلاف من معارضيه في السجون، إضافة إلى أنه استطاع بهذه الحركة أن يمرر الاتفاقية التركية – الإسرائيلية دون أي “بربشة” الأمر الذي يثبت صحة أقوال أربكان المعلم الذي غدره تلميذه أردوغان.
استخدم أردوغان “داعش” كفزّاعة لشعبه حتى يطبق الحكم الشمولي الذي لطالما أراده، “داعش” التي يتولى أردوغان مهمة العلاقات التجارية الدولية بالنيابة عنها، حيث يشتري النفط السوري المسروق من داعش بسعرٍ بخس ويبيعه لجهات خارجية. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد نشرت شريط فيديو يظهر عبور شاحنات نفط تابعة لتنظيم “داعش” وهي تعبر الحدود السورية متجهة إلى تركيا.
استخدم أردوغان “جماعة كولن” بنفس الطريقة التي استخدم بها “داعش”، فزّاعة لشعبه، وعليه فإنه ليس مُستهجناً أن يكون هناك تحالف أردوغاني – كولني من تحت الطاولة، وإن صدق هذا التحليل فإن الهدف الاستراتيجي من هذا التحالف سيتمثل في إعادة بناء دولة الخلافة العثمانية على جزء من أراضي العراق وسوريا وفق اتفاق معين مع الثالوث الأسود (إسرائيل – أمريكا – إيران ).
المراجع:
-
أبو سيف، عاطف.علاقات إسرائيل الدولية: السياقات والأدوات، الاختراقات والإخفاقات. رام الله: مدار، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 2014.
-
“كيف سيؤثر الخلاف بين أردوغان وغولن في المشهد السياسي التركي.” سياسات عربية، ع.6 (2014): 41-44.
-
“من هو “كولن” .. ومن هم جماعة “الخدمة” في تركيا؟.” تركيا بوست. http://www.turkey-post.net/p-10675/ ( الدخول بتاريخ أغسطس.18،2016).
-
عبد المجيد، سيد. “أربكان يتهم أردوغان بالعمالة للصهيونية.” صحيفة الأهرام، نوفمبر.20،2010.