%D9%81%D8%A4%D8%A7%D8%AF أوكرانيا

العلاقات الروسية المصرية… عود على بدء مع تبدّل الاولويات

فؤاد خشيش/  ماذا تريد روسيا من مصر، وماذا تريد مصر من روسيا؟ سؤال يطرح نفسه بقوة بعد زيارة فؤاد أوكرانياوزيرا الخارجية والدفاع الروسيين إلى القاهرة.

أنهى وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان زيارة وصفت بـ”التاريخية” إلى مصر بحثا خلالها الطرفان “التعاون العسكري” بين موسكو والقاهرة، بالإضافة إلى جملة من المواضيع الاقتصادية والسياسية الأخرى. وقبل أن يصل الوزيران إلى القاهرة سبقهما الطراد الصاروخي الروسي “فارياغ” إلى ميناء الإسكندرية ما وصفته صحف غربية بأنه استعراض روسي للقوة في تلك المنطقة الحساسة من العالم

وأجرى الوزيران الروسيان مباحثات مع الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور ثم شاركا في الاجتماع الرباعي مع وزيري خارجية ودفاع مصر نبيل فهمي والفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي أشاد بـ”عهد جديد للتعاون مع روسيا”، في إشارة إلى الجهود المصرية لإحياء العلاقات مع حليف قديم، باعثاَ بذلك رسالة إلى واشنطن التي جمدت المساعدات العسكرية التي تقدمها إلى مصر. لكن ما هي خلفيات هذه “الزيارة التاريخية”؟ ومن المستفيد منها من كلا الطرفين؟

حين أعلن الرئيس المصري المخلوع  محمد مرسي الجهاد لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، رد عليه بوتين بلغة واثقة تماما قائلاً (بشار باق وأنت من سيرحل قريبا يا مرسي) ! واعتبر الكثيرون أن الإخوان يرتكبون خطا فادحا بتبني هذا الموقف المحكوم بالطائفية السياسية وإرضاء بعض الدول المعادية لسوريا التي كانت على مر التاريخ مفصل علاقة مصر بآسيا والعالم العربي، وإنهم بذلك ارتكبوا خطا استراتيجيا يضاف إلى جملة الأخطاء في السياسة الداخلية والخارجية لجماعه الإخوان التي أثبتت أنها مجرد (غول سياسي) .

لا بد من الاشارة الى ان العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي ومصر قد اقيمت في 26 أغسطس/ اب 1943. وشهدت العلاقات بين البلدين تغيرات جدية، كما تغيرت أولوياتها على الصعيدين الخارجي والداخلي. أصبحت روسيا ومصر اليوم شريكتين على الصعيدين الثنائي والدولي.

وتمت الخطوة الأولى للتعاون المصري الروسي في أغسطس/ ابعام 1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفياتي‏. وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952 حين قدم الاتحاد السوفياتي لمصر المساعدة في تحديث قواتها المسلحة وتشييد السد العالي.

وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينيات – الستينيات من القرن العشرين حين ساعد آلاف الخبراء السوفيات مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية، وبينها السد العالي في أسوان ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية. وتم في مصر إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفياتي. وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينيات بأسلحة سوفياتية. وتلقت العلم أجيال من اولئك الذين يشكلون حاليا النخبة السياسية والعلمية والثقافية في بلاد الأهرام، ومن بينهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي تخرج من أحد المعاهد العسكرية السوفياتية.

وعلى الرغم من التوتر الذي شهدته العلاقات في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات وانقطاعها تماما حتى سبتمبر 1981 فانها بدأت في التحسن التدريجي في عهد الرئيس مبارك.

ارتبطت مصر وروسيا بعلاقات وثيقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وذلك قبل أن يوقع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، وهي الاتفاقية التي جعلت المساعدات العسكرية الأميركية تنهمر على مصر منذ ذلك التاريخوحتى عزل الجيش المصري للرئيس الإسلامي محمد مرسي، حيث أعادت واشنطن حساباتها بشأن تلك المساعدات التي تصل إلى 1.3 مليار دولار. الأمر الذي جعل القيادة المصرية الحالية تفكر في توسيع خياراتها، كما جاء ذلك على لسان وزير الخارجية المصري في تصريح لوكالة فرانس برس، حيث أكد أن مصر ستوسع تعاونها مع روسيا وستتبنى مسارا أكثر “استقلالية”. وأضاف أن “هدف هذه السياسة الخارجية هو توفير مزيد من الخيارات لمصر”.

وفي هذا الصدد  كانت قداعلنت المستشارة تهاني الجبالي رئيسة حركة الدفاع عن الجمهورية، ونائبة رئيس المحكمة الدستورية المصرية سابقا، في حديث صحفي أن “مصر تحاول في الوقت الحالي استعادة التوازن في علاقتها الخارجية، وذلك بعد فترة طويلة من الارتباط الشديد بالولايات المتحدة”، وتربط الجبالي الرغبة المصرية الحالية بما وصفته “بالسياسة الأميركية شديدة العداء لثورة الشعب المصري، خاصة بعد الثلاثين من يونيو، حيث ساهمت واشنطن في تشويهها وعدم الاعتراف بأنها ثورة شعبية”.

توجه جديد؟

وتصاعد التوتر بين القاهرة وواشنطن منذ أن عزل الجيش الرئيس الإسلامي محمد مرسي في الثالث من يوليو/ تموز عقب احتجاجات شعبية مطالبة بتنحيته. وقد أعلنت واشنطن أنها ستجمد تسليم بعض المساعدات العسكرية والاقتصادية في انتظار إحراز تقدم على مسار الديموقراطية. ومن هنا يطرح السؤال: ألا يعني سعي القيادة المصرية الحالية لإحداث “التوازن” في علاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة، نوعا من الضغط على واشنطن لتغيير موقفها من التطورات السياسية التي أعقبت مظاهرات الثلاثين من يونيو/ حزيران؟

يرى الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، اللواء طلعت مسلم أن ” مصر لا تسعى أن تكون روسيا بديلاً للولايات المتحدة، فهي تريد الاحتفاظ بعلاقاتها مع واشنطن، وتنشئ علاقات مع روسيا ودول أخر”. ويشير الى “أن الجيش المصري كانت له علاقات وطيدة بالاتحاد السوفياتي سابقا، وإستراتيجيته العسكرية بنيت أساساً على مبادئ المدرسة الحربية السوفياتية”.

ويربط طلعت مسلم هذه الزيارة بالتحولات التي تجري في العالم عموما والمنطقة خصوصا، إذ يقول:”إن هذه الزيارة تعكس التغييرات التي يعيشها العالم، وتحول موازين القوى فيه، فروسيا التي تتقدم بثبات في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، تستغل أخطاء الغرب، خاصة أخطاء الولايات المتحدة، في المنطقة برمتها، فهي تريد تحقيق مصالحها الإستراتيجية في المنطقة أي من إيران وصولا إلى المغرب، وها هي الآن روسيا تتقدم إلى مصر لتعطيها أملا في التعاون الذي تحتاجه مصر.

وفي تصريح له من القاهرة قال وزير الخارجية الروسي “إن من مصلحة موسكو أن تبقى مصر دولة مستقرة ذات اقتصاد متطور وأداء حكومي فعال”، موضحا أن التحضير لمشروع الدستور والاستفتاء سيسمح لمصر بالتقدم نحو الأهداف المنشودة.

لكن، ماذا تريد روسيا من مصر في هذا الوقت بالذات؟ بالرغم من حجم هذه الزيارة إلا أن الجانبين الروسي والمصري لم يعلنا عن إبرام أي اتفاقيات كبيرة أثناء المؤتمر الصحفي المشترك لوزيري خارجية البلدين. يشار إلى أن عضو المجلس الاستشاري التابع لوزارة الدفاع الروسية، روسلان بوخوف، كان أعلن في وقت سابق أن مصر تسعى لإبرام صفقة أسلحة روسية بنحو ملياري دولار. وتشمل الصفقة حسب بوخوف طائرات مقاتلة من طراز ميغ تسعة وعشرين، وأنظمة للدفاع الجوي، وصواريخ مضادة للدبابات.

وكانت صحيفة “الديلي التلغراف” قد كشفت عن صفقات سلاح يجري التفاوض بشأنها حاليا، قائلة إنها “ستكون الأكبر من نوعها منذ عقود”. وشكك محللون في الكيفية التي يمكن بها للدولة المصرية المثقلة بالديون أن تسدد تكاليف مشتريات أسلحة جديدة قائلين: “إنه من المرجح أن يحتاج ذلك إلى مزيد من الدعم المالي من الحلفاء الخليجيين الذين تعهدوا بتقديم 12 مليار دولار دعما للقاهرة منذ عزل مرسي. وتوجد علامة استفهام أخرى بشأن كيفية تكامل الأسلحة الروسية مع نظم الأسلحة التي حصلت عليها مصر من الولايات المتحدة”.

الى ذلك، ذكر معهد ستراتفور الاستخباراتي في تثرير له أن روسيا لن تكون بديلاً لعلاقة الولايات المتحدة مع مصر، مشيراً إلى أنه بالرغم من وجود مجالات كبيرة للتعاون بين القاهرة وموسكو، إلا أن العلاقات بين البلدين ستكون محدودة، موضحاً: “حلفاء الخليج لن يرحبوا بمحاولة مبادلة القاهرة موسكو بواشنطن”.

واضاف المعهد البحثي الأميركي، المعروف بأنه “ظل المخابرات الأميركية” في تقريره، “إن التغييرات الجارية في الشرق الأوسط تقوض مكانة كل من روسيا ومصر، مشيراً إلى أن احتمال توصل أميركا وإيران إلى اتفاق وسط قد يغير من واقع المنطقة بأكملها، ما يجعل روسيا تفقد نفوذها البارز”.

وبكل الاحوال ،مهما حاول البعض التقليل من أهمية هذه الزيارة، وتحديدا في واشنطن وعواصم الغرب، الا أنها ستفرض على الولايات المتحدة اعادة  الكثير من حساباتها وعلاقاتها، فمصالحها ستكون في دائرة الخطر الجدي وعليها ان تقرأ بعين المصالح الحقيقية للشعوب، لأن سياسة واشنطن في المنطقة باتت مكلفة للغاية في مصر وخارجها، وكون ارتدادات هذه الزيارة ستضرب العديد من أبواب العواصم. فالقاهرة من الدول المؤثرة في كل القضايا والاولويات، وأي تطورات تشهدها ساحتها، ستنعكس على الساحات الاقليمية الاخرى سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

د. في تاريخ العلاقات الدولية

 

شاهد أيضاً

جورجيا

من يؤثر على الديمقراطية في جورجيا ودول أخرى؟

أحمد عبد اللطيف / في السنوات الأخيرة، أصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة …