العلاقات الروسية -السعودية. هل تشهد انطلاقة جديدة؟
26 يونيو, 2015
ملفات خاصة
مكسيم سوتشكوف.
زيارة وزير الدفاع السعودي الشاب، الامير محمد بن سلمان، إلى روسيا، ولقاؤه الرئيس فلاديمير بوتين، ترافقا بقدر كبير من “الإثارة” على الصعيد الإعلامي.
على مدى العديد من السنين كانت بنود قائمة الاعتراضات المتبادلة بين موسكو والرياض تزدادا سنة بعد أخرى. أما مضمونها الرئيس فيتلخص، من ناحية، بتوجيه الاتهامات لروسيا “بدعم” لقادة بلدان يعتبرهم السعوديون خصوما وأعداء؛ ومن ناحية أخرى، استياء روسيا جراء مساندة المملكة العربية السعودية أطراف إسلامية راديكالية، منها مجموعات قامت بعمليات إرهابية على أراضي روسيا الاتحادية.
وفي هذا السياق، فإن اللقاء الذي جمع سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وزير الدفاع، ونائب رئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية، إلى الرئيس الروسي، كان الأول بهذا المستوى منذ أربع سنوات، وشكل بالفعل حدثا هاما لديناميكية العلاقات الثنائية.
غير أن وراء المعطيات الإحصائية تكمن مواضيع أعلى مستوى، فحتى قائمة المسائل التقليدية في مثل هذه الحالات، كاللقاء بين بوتين وابن سلمان، تلفت اهتمام المراقبين بالمضمون غير التقليدي “للعلاقات الإشكالية” المدرجة، أي الاستثمارات، والطاقة الكهربائية (لم يكن من قبيل الصدفة ان وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفالك، والمدير العام لصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي كيريل دميتريف، كانا في استقبال سموه في المطار)، والاستخدام السلمي للذرة، ومشاريع مشتركة استنادا إلى منظومة “غلوناس” الروسية، وتزويد السعوديين بأسلحة روسية (المقصود منظومات “اسكندر – ي”).
كان “العامل الأمريكي” بالغ الأهمية في زيارة بن سلمان إلى روسيا؛ فالسعوديون، أولا -كما زملائهم في دول الخليج العربية -يشعرون بخيبة أمل من سلوك إدارة أوباما في المنطقة. والأكثر من ذلك، تولد لديهم إحساس (بغض النظر إن كان له ما يبرره أم لا)، بأن البحث عن حل للمعضلة السورية ينبغي أن يكون في موسكو، أكثر مما في واشنطن.
وبلدان الخليج العربية، ثانيا، يقلقها احتمال انعكاس المجابهة الروسية-الأمريكية، بدرجة كبيرة، على المواضيع الإقليمية. ومن وجهة نظر قادة دول المنطقة، لا يمكن جعل تأثير العامل الأمريكي في حده الأدنى، إلا عبر الحوار المباشر مع موسكو، الذي يمكن في سياقه التعويل على قدر أكبر من مرونة الموقف الروسي من الوضع في سورية، وعلى نهج أكثر تعاونا بشأن المسائل الإقليمية الأخرى. وإلى ذلك، فإن “الحوار دون وسطاء” سوف يساعد في التوصل إلى فهم الدوافع الروسية في المنطقة على نحو أكثر مطابقة للواقع. وبتعبير آخر، ثمة طلب على “سياسة جديدة” لروسيا في المنطقة، تماما كوجود تطلع لفهم النوايا الحقيقية للقيادة الروسية.
في هذا الصدد، ثمة مسألتان هامتان بالنسبة لاستراتيجية روسيا على صعيد السياسة الخارجية. تتلخص الأولى منهما في التقدير الدقيق، وفي الوقت المناسب، للحظة تغير السلطة في سورية، الأمر الذي سيحين عاجلا أم آجلا.
فإذا حدث ذلك بالرغم مما تقوم بها موسكو، فإن “الطلب على دور روسي” سينخفض بشكل ملموس، أما روسيا نفسها فقد تفقد الموقع الأمامي الوحيد الباقي لها في المنطقة، وربما تتكبد خسائر هامة فيما يخص سمعتها كدولة “تنازلت، وأخطأت، وخسرت، بعد، وبالرغم من، مشادات طويلة”. وإذا كان الموقف الروسي لا يزال يشدد على شخص بشار الأسد “كأفضل بديل من بين كل الشرور المحتملة”، فثمة معنى لإعادة النظر بجملة الحجج التي تدعم هذا الموقف.
تبين ممارسة الجهات الخبيرة أن التبرير الضروري “للاستهلاك الداخلي” يفعل فعله، على صعيد الخارج بقدر غير كاف من المردودية، إذا تحدثنا بلطيف العبارة. وخاصة أن أحد الهموم الروسية الأساسية، والذي يعد مكونا هاما من مكونات سياسة موسكو الشرق أوسطية، لا يلقى الصدى المناسب في بلدان الخليج عمليا. ونقصد بذلك احتمالات إنعكاس خطر “الدولة الإسلامية” (والإسلام الراديكالي عامة)، على الأجزاء “الهشة”، المعرضة للإصابة، من أراضي روسيا نفسها.
ولكن المشكلة المفصلية تكمن في أن السعوديين، وشركاءهم في مجلس التعاون الخليجي كذلك، ليس لديهم رد على سؤال روسيا الرئيس، المتعلف بسيناريو تطورات الوضع في سورية في حال رحيل بشار الأسد، وعواقب ذلك على منطقة الشرق الأوسط كلها. ويبدو أن الاحتمالات المقترحة، والمحسوبة، غير مقنعة بقدر كاف، بحيث تجعل المرء يتوقع تغيرا في موقف موسكو.
بتعبير آخر، فإن بلدان الخليج العربية لديها ما تفكر فيه إذا كانت تطمح لتغيير النهج الروسي. أما بالنسبة لموسكو، فإن هذه الاتصالات توفر فرصة لاستعادة مكانتها ووضعها السابقين، ولو على مستوى تصورات الرأي العام، التي تزعزت بقوة في بلدان الخليج بعد “الربيع العربي”.