بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد
العلاقات الدبلوماسية في عهد الدولة الاسلامية العباسية
الكاتب الدكتور سعيد ابو عباه
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (الحجرات :13)
وصلت الدولة العربية الإسلامية أوجها في عهد الدولة العباسية ومن ثم انهارت، ولقد عرفت هذه المرحلة انتقال العاصمة من دمشق إلى بغداد، وظهور الدولة العباسية كأكبر دولة في العالم آنذاك، وكانت عاصمتها ملتقى للوفود والسفارات من مختلف بقاع الأرض، بالإضافة لمشاركة عناصر غير عربية في الحكم.
ومن ابرز مظاهر تطور العلاقات الدولية في الدولة العباسية كان استحداث منصب الوزارة. وهو مصطلح عربي في أصله استدعته الظروف والرغبة نحو المركزية في زمن الخلفاء العباسيين الأوائل فبرز الحاجة إلى شخص من غير آل عباس يتمتع بحكمة ودراية ومؤهلات خاصة يعينه الخليفة في تدبير أمور الدولة سياسياً وإدارياً وتقديم المشورة ومتابعة تنفيذ أوامر الخليفة. وقد تطورت مهمة الوزارة مع تطور الاتجاهات السياسية والإدارية ونزعة الخلفاء العباسيين وقوتهم. ويعتبر مهمة متابعة العلاقات الدبلوماسية من المهام الأساسية لمنصب الوزارة.
وطور العباسيون الدواوين الخاصة بالعلاقات الخارجية، واهتموا بتوسيع علاقاتهم السياسية. وكان اتساع الدولة العباسية قد جعلها قريبة من العديد من الدول مما فرض عليها أن تنظم علاقات سلمية أو حروب بينها وبين هذه الدول. وتسوية المنازعات الناشئة بينها. ومن مظاهر تطور السلطة وتقدمها ما أقامته من علاقات سياسية ودبلوماسية مع الدول المعاصرة لها صديقة كانت أو عدوة. وبخاصة عن طريق السفارات والبعثات السياسية التي كان لها أهدافا وأغراضا متعددة إلى جانب المواصفات والمؤهلات التي لابد أن يتحلى بها من يختار للسفارة. كما ترسخت أعراف وتقاليد عند استقبال السفراء واستضافتهم وتوديعهم وتمتعهم بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية. وهذا ما تميز به تاريخ الدولة العباسية وأصبح سمة علاقاتها الدولية.
وكان الرسل والسفراء الذين ينتمون إلى فئة عمال الدولة يتقاضون الرواتب ويأخذون النفقات من الدولة ويلبسون ملابس خاصة. ومن الممتع أن نجد بعض الإشارات إلى الزي الرسمي الذي كان يرتديه السفراء العرب حين مقابلتهم رؤساء الدول الأجنبية، فقد ظهر نصر بن الأزهر الذي أرسله الخليفة العباسي المتوكل إلى القسطنطينية عام 861 م بالزي الرسمي العباسي الأسود متمنطقاً سيفاً وخنجراً. وهناك تشابه بين الزي الذي يرتديه سفراء العصر مثل السموكن والنواك وزي السفراء العباسيين من حيث طغيان اللون الأسود والتمنطق بسيف مرصع بالجواهر في المناسبات الكبرى أو حين تقديم أوراق الاعتماد عند بعض السفراء.
وبالنظر لتطور العلاقات الدولية فقد ظهرت في عهد الدولة العباسية العديد من المؤلفات العلمية الخاصة بإدارة العلاقات الدولية. فصدرت موسوعات تناولت الدبلوماسية والسياسية الخارجية جاءت بأسلوب حديث متطور. ومن ابرز ذلك كتب السير والمغازي (السلام والحرب) والوقائع والفتوح والأنساب والأمم والأديان والتراجم والطبقات والحوليات والخطط.
وعرف العباسيون نظام المراسم واستقبال الرسل والاحتفاء بهم. إذ كانوا يخصون السفير ومرافقيه باستقبال حافل على الحدود ومرافقته حتى دخول العاصمة، حيث يجد بانتظاره شخصية سامية، وينزل ومرافقه قي قصر الضيافة، وقد جرت العادة على أن يستقبل السفير من قبل وزير مكلف بالمهمة (الوزير مرتبة أدخلها الفرس للدولة العباسية) يحدد معه موعد لمقابلة الخليفة (أمير المؤمنين) وعندما يحظى بمقابلة أمير المؤمنين يقدم له كتاب (سيده) رئيس دولته، ومن ثم الهدايا التي يحملها له.
ونشطت الحركة التجارية في عهد الدولة العباسية واتسمت بالعالمية لشمولها العالم المعروف في ذلك الوقت حيث ربطت بين أجزاءه. وان موقع الخلافة في بغداد جعلها تملك قلب العالم المعروف بالعصر الوسيط وتشرف على اغلب الطرق التجارية الممتده من أواسط آسيا والصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
وقد اعتمد العباسيون الأسلوب الدبلوماسي في حل مشاكلهم مع الدول المجاورة خاصة بعد أن ازدادت العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء ومنها السفارات الثلاث التي أرسلها هارون الرشيد لشارلمان ملك الإفرنج أعوام 801 و802 و807 ميلادية، وكذلك سفاراتهم للقسطنطينية وروما ومملكة البلغار والهند والصين.
بالإضافة إلى أن العباسيين استخدموا الدبلوماسيين ليس فقط للتمثيل والمفاوضة وجمع المعلومات بل ادخلوا عليها ولأول مرة مهمة التعاون والتبادل العلمي والثقافي كسفاراتهم لإحضار علماء ومترجمين من بيزنطة أو إرسال طبيب عربي مسلم لمعالجة شارلمان.
وطبق العباسيون مبدأ المقابلة بالمثل. فكانت معاملتهم للأجانب تنطلق من معاملة هؤلاء لرعايا الدولة العباسية. فإذا قامت الدولة الأجنبية بإعفاء رعايا الدولة العباسية من الرسوم أو فرضت عليهم رسوما أخرى أو منحتهم مزايا فان رعايا تلك الدولة في الدولة العباسية يعاملون بذات المعاملة. وكان من نتيجة التطور الدبلوماسي أن نصت العديد من المعاهدات التجارية المعقودة بين الدولة العباسية والدول الأخرى على مبدأ المقابلة بالمثل.
وكخلاصة نستطيع القول أن الدولة العباسية قدمت الكثير في مجال العلاقات الدبلوماسية وأكثر من كل معاصيرها والسبب أنها كانت أقواهم وأوقفت وهي في اوجج قوتها استخدام الحرب كأداة تنفيذية لسياستها الخارجية واستبدلتها بالدبلوماسية، التي أصبحت خلاقة ومبدعة وابتعدت عن اللجوء للمكر والخداع والانتهازية والخيانة والكذب كما فعل معاصروها وخاصة البيزنطيون وحكام المدن- الدول الإيطالية، وهذا شيء طبيعي وراجع للعقيدة الإسلامية السمحاء التي جمعت بين الدين والدنيا والتي لم تستخدم الدين كأداة للدنيا …… فالسياسة أخلاق بالنسبة لها.
وباختصار نقول بان الدولة العربية الإسلامية بمراحلها الأربعة التي ذكرناها سالفاً قد تبادلت العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى التي عاصرتها في مختلف المجالات، واستخدمت جميع الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية. واهتمت بإرسال الرسل واستقبال المبعوثين الدبلوماسيين. وإذا ما اعتقد فقهاء القانون الدولي العام المعاصر، إن مصطلح الدبلوماسية ومفهومها من نتاج العلاقات الدولية بين الدول الأوروبية المسيحية، فان هذا الفقه لم ينظر إلى تاريخ الحضارة الاسلامية العريقة التي أقيمت في الوطن العربي على مر العصور. ولم يلتفت الفقه الغربي إلى الدور الذي حققته الشريعة الإسلامية في إقامة علاقات دولية قائمة على المساواة والعدل والحق، ووضع قواعد دبلوماسية قائمة على الأخلاق و الفضيلة والإنسانية. وذا كانت اللغة العربية لم تستخدم مصطلح العلاقات الدولية ولا تعرف مصطلح الدبلوماسية لأنه مصطلح لاتيني، إلا أن مفهوم الدبلوماسية وقواعدها عرفها المسلمون العرب بقيم وأخلاق إنسانية قبل أن تظهر في أوروبا بقرون عديدة.
وصلت الدولة العربية الإسلامية أوجها في عهد الدولة العباسية ومن ثم انهارت، ولقد عرفت هذه المرحلة انتقال العاصمة من دمشق إلى بغداد، وظهور الدولة العباسية كأكبر دولة في العالم آنذاك، وكانت عاصمتها ملتقى للوفود والسفارات من مختلف بقاع الأرض، بالإضافة لمشاركة عناصر غير عربية في الحكم.
ومن ابرز مظاهر تطور العلاقات الدولية في الدولة العباسية كان استحداث منصب الوزارة. وهو مصطلح عربي في أصله استدعته الظروف والرغبة نحو المركزية في زمن الخلفاء العباسيين الأوائل فبرز الحاجة إلى شخص من غير آل عباس يتمتع بحكمة ودراية ومؤهلات خاصة يعينه الخليفة في تدبير أمور الدولة سياسياً وإدارياً وتقديم المشورة ومتابعة تنفيذ أوامر الخليفة. وقد تطورت مهمة الوزارة مع تطور الاتجاهات السياسية والإدارية ونزعة الخلفاء العباسيين وقوتهم. ويعتبر مهمة متابعة العلاقات الدبلوماسية من المهام الأساسية لمنصب الوزارة.
وطور العباسيون الدواوين الخاصة بالعلاقات الخارجية، واهتموا بتوسيع علاقاتهم السياسية. وكان اتساع الدولة العباسية قد جعلها قريبة من العديد من الدول مما فرض عليها أن تنظم علاقات سلمية أو حروب بينها وبين هذه الدول. وتسوية المنازعات الناشئة بينها. ومن مظاهر تطور السلطة وتقدمها ما أقامته من علاقات سياسية ودبلوماسية مع الدول المعاصرة لها صديقة كانت أو عدوة. وبخاصة عن طريق السفارات والبعثات السياسية التي كان لها أهدافا وأغراضا متعددة إلى جانب المواصفات والمؤهلات التي لابد أن يتحلى بها من يختار للسفارة. كما ترسخت أعراف وتقاليد عند استقبال السفراء واستضافتهم وتوديعهم وتمتعهم بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية. وهذا ما تميز به تاريخ الدولة العباسية وأصبح سمة علاقاتها الدولية.
وكان الرسل والسفراء الذين ينتمون إلى فئة عمال الدولة يتقاضون الرواتب ويأخذون النفقات من الدولة ويلبسون ملابس خاصة. ومن الممتع أن نجد بعض الإشارات إلى الزي الرسمي الذي كان يرتديه السفراء العرب حين مقابلتهم رؤساء الدول الأجنبية، فقد ظهر نصر بن الأزهر الذي أرسله الخليفة العباسي المتوكل إلى القسطنطينية عام 861 م بالزي الرسمي العباسي الأسود متمنطقاً سيفاً وخنجراً. وهناك تشابه بين الزي الذي يرتديه سفراء العصر مثل السموكن والنواك وزي السفراء العباسيين من حيث طغيان اللون الأسود والتمنطق بسيف مرصع بالجواهر في المناسبات الكبرى أو حين تقديم أوراق الاعتماد عند بعض السفراء.
وبالنظر لتطور العلاقات الدولية فقد ظهرت في عهد الدولة العباسية العديد من المؤلفات العلمية الخاصة بإدارة العلاقات الدولية. فصدرت موسوعات تناولت الدبلوماسية والسياسية الخارجية جاءت بأسلوب حديث متطور. ومن ابرز ذلك كتب السير والمغازي (السلام والحرب) والوقائع والفتوح والأنساب والأمم والأديان والتراجم والطبقات والحوليات والخطط.
وعرف العباسيون نظام المراسم واستقبال الرسل والاحتفاء بهم. إذ كانوا يخصون السفير ومرافقيه باستقبال حافل على الحدود ومرافقته حتى دخول العاصمة، حيث يجد بانتظاره شخصية سامية، وينزل ومرافقه قي قصر الضيافة، وقد جرت العادة على أن يستقبل السفير من قبل وزير مكلف بالمهمة (الوزير مرتبة أدخلها الفرس للدولة العباسية) يحدد معه موعد لمقابلة الخليفة (أمير المؤمنين) وعندما يحظى بمقابلة أمير المؤمنين يقدم له كتاب (سيده) رئيس دولته، ومن ثم الهدايا التي يحملها له.
ونشطت الحركة التجارية في عهد الدولة العباسية واتسمت بالعالمية لشمولها العالم المعروف في ذلك الوقت حيث ربطت بين أجزاءه. وان موقع الخلافة في بغداد جعلها تملك قلب العالم المعروف بالعصر الوسيط وتشرف على اغلب الطرق التجارية الممتده من أواسط آسيا والصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
وقد اعتمد العباسيون الأسلوب الدبلوماسي في حل مشاكلهم مع الدول المجاورة خاصة بعد أن ازدادت العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء ومنها السفارات الثلاث التي أرسلها هارون الرشيد لشارلمان ملك الإفرنج أعوام 801 و802 و807 ميلادية، وكذلك سفاراتهم للقسطنطينية وروما ومملكة البلغار والهند والصين.
بالإضافة إلى أن العباسيين استخدموا الدبلوماسيين ليس فقط للتمثيل والمفاوضة وجمع المعلومات بل ادخلوا عليها ولأول مرة مهمة التعاون والتبادل العلمي والثقافي كسفاراتهم لإحضار علماء ومترجمين من بيزنطة أو إرسال طبيب عربي مسلم لمعالجة شارلمان.
وطبق العباسيون مبدأ المقابلة بالمثل. فكانت معاملتهم للأجانب تنطلق من معاملة هؤلاء لرعايا الدولة العباسية. فإذا قامت الدولة الأجنبية بإعفاء رعايا الدولة العباسية من الرسوم أو فرضت عليهم رسوما أخرى أو منحتهم مزايا فان رعايا تلك الدولة في الدولة العباسية يعاملون بذات المعاملة. وكان من نتيجة التطور الدبلوماسي أن نصت العديد من المعاهدات التجارية المعقودة بين الدولة العباسية والدول الأخرى على مبدأ المقابلة بالمثل.
وكخلاصة نستطيع القول أن الدولة العباسية قدمت الكثير في مجال العلاقات الدبلوماسية وأكثر من كل معاصيرها والسبب أنها كانت أقواهم وأوقفت وهي في اوجج قوتها استخدام الحرب كأداة تنفيذية لسياستها الخارجية واستبدلتها بالدبلوماسية، التي أصبحت خلاقة ومبدعة وابتعدت عن اللجوء للمكر والخداع والانتهازية والخيانة والكذب كما فعل معاصروها وخاصة البيزنطيون وحكام المدن- الدول الإيطالية، وهذا شيء طبيعي وراجع للعقيدة الإسلامية السمحاء التي جمعت بين الدين والدنيا والتي لم تستخدم الدين كأداة للدنيا …… فالسياسة أخلاق بالنسبة لها.
وباختصار نقول بان الدولة العربية الإسلامية بمراحلها الأربعة التي ذكرناها سالفاً قد تبادلت العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى التي عاصرتها في مختلف المجالات، واستخدمت جميع الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية. واهتمت بإرسال الرسل واستقبال المبعوثين الدبلوماسيين. وإذا ما اعتقد فقهاء القانون الدولي العام المعاصر، إن مصطلح الدبلوماسية ومفهومها من نتاج العلاقات الدولية بين الدول الأوروبية المسيحية، فان هذا الفقه لم ينظر إلى تاريخ الحضارة الاسلامية العريقة التي أقيمت في الوطن العربي على مر العصور. ولم يلتفت الفقه الغربي إلى الدور الذي حققته الشريعة الإسلامية في إقامة علاقات دولية قائمة على المساواة والعدل والحق، ووضع قواعد دبلوماسية قائمة على الأخلاق و الفضيلة والإنسانية. وذا كانت اللغة العربية لم تستخدم مصطلح العلاقات الدولية ولا تعرف مصطلح الدبلوماسية لأنه مصطلح لاتيني، إلا أن مفهوم الدبلوماسية وقواعدها عرفها المسلمون العرب بقيم وأخلاق إنسانية قبل أن تظهر في أوروبا بقرون عديدة.