د.خالد ممدوح ألعزي / منذ الانسحاب الأمريكي في نهاية العام 2011، يعاني العراق من تفجير الصراعات الداخلية بين المكونات السياسية والدينية إضافة إلى تدخل العوامل الخارجية وتحديدا “إيران، تركيا،أمريكا والدول العربية “.
لاستقرار سياسي حاليا في العراق والخلل الأمني يتفاقم ويتنقل ضاربا مناطق متعددة في معظم أنحاء العراق ،الصراع السياسي بين القوى السياسية في الداخل بدأ يأخذ منحى طائفي ومذهبي نتيجة تداخل عوامل كثيرة المحلي منها والإقليمي ،فحتى العطل الرسمية على سبيل المثال قد أصبحت موضوع خلاف بين مكونات العراق .
فلا يكاد يمضي يوما في العراق دون الإشارة إلى الرغبة في تشكيل حكومة غالبية سياسية بديل لحكومات المشاركة أو الشراكة أو المحاصصة التي تعاقبت على الحكم .
وخاصة بعد تفاقم مشكلة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي وإجباره على مغادرة العراق تحت ستوط ملاحقات المالكي له،مما شرع واسعا باب التدخل الإقليمي في الشؤون الداخلية للعراق ،وأعاد العراق إلى واجهة الإحداث السياسية في المنطقة من البوابة الإسلامية.
التلاعب بتركيبة العراق السياسية :
لم يكفى ستوط المالكي بتسليطه نحو “العرب السنة” بل فتح النار نحو الشمال”الكردي” الذي حضهم بالمطالبة بشرعية ضم مدينة “كركوك” النفطية لهم بحال تغاضوا عن مشكلة العرب “السنة “،فكانت تهديدات المالكي بقوات دجلة ونشرها على المناطق المختلف عليها وحاولته بالتسلح بصفقة روسية شابها الفساد والرشوة مما ساعد برفع الصوت الكردي عاليا ضد هذا التسلح ،لكن أزمة المالكي التي ارتبطت بدعمه للنظام السوري ،وفتح مجال العراق الجوي والاقتصادي والأمني لدعم النظام السوري، وضعه في موقف حرج داخليا وخارجيا .فالمالكي الذي أتنفق عليه إيرانيا لكونه يحمي مصالح إيران في العراق ،وأمريكيا لكونه موقع معها الاتفاق الأمني محاولا إعادة تركيبة العراق على طريقته الخاصة والقاضية بتحجيم القادة “السنة”وإيجاد بدائل لهم خاضعين له ولإيران كما هو الحال في “لبنان” وفقا للتالي :
1-يحاول المالكي استقطاب ممثليات مذهبية فرعية للسنة والأكراد إلى حكومة الغالبية ،عبر فتح اتصالات وإبرام اتفاقات مع شخصيات سياسية أو عشائرية أو دينية ،لضمان التمثيل المذهبي والعرقي في الحكومة بحدوده الدنيا ،ودفع القوى الأخرى الممثلة للسنة والأكراد إلى المعارضة وهذا السيناريو يهمل جملة اعتبارات أبرزها افتراضيه،تبات الوزن السياسي للقوى المرشحة للاستقطاب ، وتمثيل تلك القوى الفعلي لطوائفهم في بلاد أصبح التمثيل الطائفي والعرقي واقع حال .
2- يحاول المالكي إبرام تحالف شيعي-سني، او شيعي- كردي يدفع إحدى الطوائف المعارضة ،ما يوقع التجربة برمتها في إشكاليات إعادة إنتاج المحصصة على قاعدة ثنائية بدلا من أن تكون ثلاثية ،ناهيك عن المطبات التاريخية الخطيرة التي يسببها تحويل طائفة برمتها إلى معارضة.
المشهد السياسي والأزمة:
لكن المشهد السياسي السوري عكس نفسه على العراق من خلال محاولته الأخيرة لعزل ما تبقى من قادة العراق الممثلة بشخص الوزير “رافع العيساوي”، مما أدى إلى حراك شعبي جديد بدء في “الفلوجة ” وامتد إلى أكثر من محافظة مما وضع المالكي في موقف لا يحسد عليه ،المالكي كان يحاول أن يفرض حالة أمر واقع قبل سقوط النظام السوري الذي سيفرض واقعا إقليميا جديدا.
لان الحالة العراقية اليوم لا تمتلك أية فرصة للحل بضوء الانقسام الحاد والمنهجي في الخريطة السياسية ،فان طرح الموضوع هذا يهمل منظومة كاملة من الأولويات لمرحلة انتقالية متعثرة تعاني انقساما شديدا على مستويات مختلفة ،ووصف مثل تلك الطروحات بأنها “قاصرة “وغير منتجة يقترب من الحقيقة في ضوء الخيارات التي تطرحها ،وفي نطاق إهمال الواقع أو حتى اعتباره نتاجا “عرضيا”للمحاصصة الطائفية والقومية في “ان”،فاليوم ربما يكون حان الأوان لإنهاء هذه المرحلة .
تغير قواعد الاشتباك السياسي:
كما أن المتغيرات الإقليمية ومستوى الشد المذهبي الذي غلف الصراع الإقليمي ،تفرض على العراق حماية توافقاته الداخلية الهشة،مما يستدعي المزيد من التركيز عبور المرحلة بأقل الخسائر ،وعبر مستويات معقولة من التضامن السياسي ،وكما يبدو فان طبيعة الأداء السياسي للنخب العراقية الحاكمة لا تشير إلى تبنيها منهجا تصالحيا ،مثلما أن أسلوب تشكيل القوى العراقية لا يشير إلى تبنيها برامج وأفكارا تبتعد عن مبادئ الدفاع عن الطائفة ضمنا أو علنا .
أمام هذا المشهد المأسوي الذي يعيشه الداخل العراقي والمفتوح على كل الاحتمالات ، مما يتوجب على الدول الإقليمية النظر لمصالحها الخاصة من خلال تدخلها المباشر لصالح قوة أو فئة يتم الرهان عليها في حمايتها لمصالحها بظل حالة التشرذم والتفتت الذي يعيشه العراق وبظل الهيمنة والسيطرة المفروضة عليه من قبل إيران .
كاتب صحافي ومحلل سياسي مختص بالشؤون الإقليمية والدولية