%D9%81%D8%A4%D8%A7%D8%AF أوكرانيا

الصراع الامريكي – الروسي و اوكرانيا

حرب الغاز الروسية – الأوكرانية

فؤاد أوكرانيافؤاد خشيش/ في إطار المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا في أوراسيا في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي ، تمثل جورجيا وأوكرانيا بالنسبة للقطبين مصلحة حيوية، وخصوصا بالنسبة إلى “إعادة صياغة إستراتيجية” المنطقة. من وجهة النظر هذه، فإن أزمة الغاز المستمرة بين موسكو و كييف ، بالرغم من المحاولات العديدة لإنهائها ، هي عنصر أساسي في لعبة الشطرنج بين الجانبين . تعتبر اوكرانيا من الدول التي تمتلك اكبر منظومة انابيب لنقل الغاز وتتألف من 2،35 ألف كيلومتر من انابيب الغاز وأكثر من 120 محطة للضخ و13 مستودعا للغاز تحت الارض.اما مشكلة الديون الاوكرانية لروسيا لقاء ارساليات الغاز فهي ليست جديدة.

تحتكر شركة غازبروم الغاز الطبيعي الروسي وتقدر قيمتها السوقية بنحو 160 مليار دولار، وتمتلك الحكومة الروسية نصفها وتسهم في النصف الباقي شركات خاصة وأفراد. وتقوم الشركة بتزويد أوروبا بنحو ربع احتياجاتها من الغاز الطبيعي عبر الأنابيب التي تمر في الاراضي الاوكرانية، وهو ما يمثل نحو 80% من صادرات الغاز الروسية.وتحصل أوكرانيا من تلك الأنابيب ما يقرب من ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي بأسعار منخفضة دارت حول رفعها إلى ما يقرب من الأسعار العالمية، منذ مارس 2005 مفاوضات بين الشركة الروسية غازبروم والشركة الأوكرانية نافتوغاز غير أن الشركة الأوكرانية قطعت المفاوضات مع مطلع العام 2006 ، وهو ما دفع غازبروم لحجب ما يعادل الكمية التي تشتريها أوكرانيا وتسحبها من الأنابيب المارة عبر أراضيها إلى أوروبا، كما أوقفت غازبروم الضخ الإضافي من المخزون في مستودع يستخدم لمساندة الضغط أثناء فترات الذروة الشتوية. وطلب من أوكرانيا بعدم التعرض للكميات المتجهة إلى أوروبا وفقا لما تقضي به الاتفاقيات الخاصة بمرور الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية، وكذلك ميثاق الطاقة الأوروبي الذي يضم نحو 51 دولة، منها روسيا أوكرانيا. الا أن المجر و بولند أعلنتا أنخفاض الضغط لديهما وهو ما أثار الشكوك لدى الشركة الروسية في أن أوكرانيا أخلت بالتزامها بعدم السحب من الكميات المخصصة لغيرها من الدول الأوروبية، وإن كان رئيس وزراء أوكرانيا قد نفى ذلك. لم يستمر انقطاع الغاز الروسي عن السوق المحلية الأوكرانية أكثر من 48 ساعة، ثم عاد يتدفق بمعدله المعتاد بعد أن توصل الطرفان إلى إبرام اتفاقية تغطى السنوات الخمس المقبلة .

كانت أوكرانيا في ظل وجودها كوحدة في كيان الاتحاد السوفياتي تحصل على احتياجاتها من الغاز الروسي بأسعار مخفضة، بل كان جل مدفوعاتها تتم مقايضته بعائداتها نظير مرور الغاز الروسي المصدر للدول الأوروبية عبر الأنابيب الممتدة داخل الأراضي الأوكرانية. فلما استقلت أوكرانيا عقب تفكك الاتحاد السوفياتي ظلت تتمتع بالأسعار المخفضة لوارداتها من الغاز الروسي، باعتبارها واحدة من دول الكومنولث المستقلة ، كما دعمت تلك المعاملة المتميزة بتوقيع اتفاقية في سبتمبر/ 2003 لإنشاء منطقة تجارة حرة تحت مسمى “المنطقة الاقتصادية الواحدة”. وتضم هذه المنطقة أوكرانيا مع روسيا وروسيا البيضاء وكزاخستان، وبتوقيع اتفاقية ثانية في أبريل/ 2004 للتعاون الاقتصادي بين أوكرانيا وروسيا وروسيا البيضاء. وكانت أوكرانيا قد وقعت مع الاتحاد الأوروبي عام 1998 اتفاقية شراكة ولكنها تراجعت عنها في صيف 2004 في ظل حكومة الرئيس كوشما الموالي لروسيا. من هنا يمكن فهم الطبيعة السياسية التي جسدت الخلاف الروسي الأوكراني الذي يعتبر بطبيعته نزاعا تجاريا وكان من الممكن -كما حدث بالفعل- التوصل إلى حله بالتفاوض أو التحكيم الدولي استنادا إلى الاتفاقيات التي أبرمت بشأنه، خاصة بعد أن قبلت الدول الأوروبية رفع أسعار وارداتها من الغاز الروسي.

كان السؤال الاكثر اهمية يتمحور حول الطريق الذي تسير عليه اوكرانيا في عهد الرئيس الجديد..وكان عدد من المراقبين يشير الى ان يانكوفيتش اعاد النظر بمواقفه في السنوات الاخيرة وتخلص من الميول الروسية. وهناك معلومات تشير الى ان الاثرياء الذين يدعمون يانوكوفيتش لا يرغبون بفقدان اوكرانيا استقلالها، وانهم معنيون بأن يناور بين الاتحاد الاوروبي وروسيا. وكان يانوكوفيتش قد اكد بأن اوكرانيا خلال عهده سترتبط بعلاقات ودية وبراغماتية مع روسيا. وفي هذا السياق قال اينوكينتي ادياسوف عضو مجلس التحليل والخبرات التابع للجنة الدوما الخاصة برابطة الدول المستقلة لوكالة نوفوستي للانباء بقوله: اذا حاولنا التنبؤ بسياسة الرئيس الاوكراني الجديد علينا ان نأخذ بنظر الاعتبار بعوامل ستؤثر بشكل اساس على تشكيلة السلطة الاوكرانية القادمة ومنها:

ان اوكرانيا في وضع تعجز فيه عن تسديد القروض المستحقة. وحسب قول الرئيس السابق يوشينكو “لئن كانت الديون الخارجية في عام 2008 تعادل 80 مليار غريفنا ( حوالي 16 مليار دولار ) فانه في نهاية عام 2009 وصلت الى 35 مليار دولار اي ان كل مواطن اوكراني مدين بمبلغ 750 دولارا:. وثانيا،كان وهما انضمام اوكرانيا بسرعة الى حلف الناتو والمؤسسات الاوروبية الاخرى مع الاسراع في “اوكرنة ” كل شيء قسراً. كل هذه الاتجاهات حصلت بالذات في عهد يوشينكو واصبحت الف باء الامور التي حاولت السلطات الاوكرانية من خلالها تشكيل اوكرانيا عصرية. وبدلا من ذلك تجري العودة الى القيم السوفياتية بشكل عفوي ( التي ينظر اليها ولو بدون ادراك كقيم عامة للفضاء الاوراسي ) ليس فقط في شرق وجنوب اوكرانيا بل وفي وسط اوكرانيا ايضا.

وان كان هنالك جملة من الموضوعات التي تقف حجر عثرة في تنمية العلاقات بين موسكو وكييف أهمها: مسألة انضمام اوكرانيا الى الناتو، حيث تعتبر كييف ان الانضمام الى الحلف هو من الامور التي يجب ان تحل ، وهو لن يشكل تهديدا للامن الروسي ، الا ان موسكو لا تتفق وهذا الموقف. اذ انها تعتبر  ان انضمام اوكرانيا الى الحلف المذكور يشكل خرقا لبنود معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة الموقعة بين البلدين عام 1997 التي تتضمن بندا يفيد “بان ان الجانبين يقومان ببناء علاقاتهما على مبادئ الشراكة الاستراتيجية ويمتنعان عن الاشتراك او دعم اي عمل يمكن ان يضر بأمن الجانب الاخر”.  مع الاشارة هنا، الى ان أوكرانيا بدأت تنافس روسيا كمورد للأسلحة . فقد نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية مقالا جاء فيه :قامت اوكرانيا ممثلة بشركة “أوكر سبيتس اكسبورت” الحكومية بعقد اكبر صفقة في تاريخها، وهي صفقة بيع الآليات الحربية الى العراق وصلت قيمتها الاجمالية 2.4 مليار دولارو سبق لهذه الشركة أن وقعت عقدا كبيراً لأوكرانيا في التسعينيات مع باكستان حول توريد 320 دبابة “تي – 80 – او دي”. ويقول  بعض الخبراء: ان الجانب الاوكراني لم يكن بوسعه الحصول على الصفقة لولا دعم الولايات المتحدة التي لم تعر الاهتمام الى العروض التي طرحها صناع الدبابات الروس. وصرح سيرغي زغوريتس الخبير في مركز البحوث العسكرية ونزع السلاح لصحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” ان الاتفاقية ستسمح لاوكرانيا بان تشغل المرتبة الخامسة او السادسة في العالم من حيث حجم تجارة الاسلحة والاليات الحربية. اما الاموال الناتجة عن تحقيق الصفقة فسيتم توجيهها الى تطوير مجمع الصناعات الحربية الاوكرانية، “الامر الذي لا يمكن الا يثير القلق لدى روسيا التي كانت اوكرانيا سابقا تنافسها في الاسواق الخارجية والتي باتت تستعيد الآن مواقفها في هذا المجال.

تتسم أوكرانيا بتركيبة إثنية ولغوية:  75% من الأوكرانيين و21% من الروس و4% من إثنيات أوروبية من الدول المجاورة ، ويتحدث باللغة الأوكرانية 40% من السكان وبالروسية 21% (وهم ذوو الأصول الروسية) إضافة إلى 33% من الأوكرانيين الذين يتحدثون الروسية نتيجة التأثير السياسي الروسي الذي كان قائماً منذ الحكم القيصري وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. فى المقابل هناك نسبة تتراوح بين 1% و2% من الروس يعتبرون اللغة الأوكرانية بديلاً لهم عن الروسية. وهكذا فإن حوالى 55% من سكان أوكرانيا يتحدثون الروسية كلغة أولى أو كلغة بديلة ، لذلك يعتبر الأقليم الأوسط من أوكرانيا حيث يعيش الأوكرانيون المتحدثون بالروسية الأكثر أهمية ، لأن لسكانه القدرة على ترجيح كفة أي من الفريقين المتنافسين. وهؤلاء تعتبرهم روسيا أبناءها ومناصريها في حين صارت المعارضة قاب قوسين أو أدنى من أن تسميهم (الطابور الخامس) أو كما تسميهم الصحف الغربية إنهم “رؤوس حراب لإعادة إحياء الإمبريالية الروسية”. تزداد الخريطة تعقيدا حينما نعرف أن الأوكرانيين يتمركزون في القسم الغربي من البلاد، بينما يتركز الروس والأوكرانيون المتحدثون بالروسية وسط وشرق اوكرانيا. أما في الجنوب – شبه جزيرة القرم- فيعيش المسلمون (تتار القرم) بعدد سكاني لا يزيد على ربع مليون نسمة، ولمسلمي أوكرانيا مطالب بمراعاة حقوقهم، وعلى مدى 200 عام أظهر مسلمو أوكرانيا نزوعا للتعايش والاندماج، وقد صوت أغلبهم (60%-65%) لصالح المرشح المناصر لروسيا، ربما خوفا من تطرف النزعة القومية لمرشح المعارضة. بيد أن الطريق الروسي في حال اختياره من قبل أوكرانيا يعيدها مرة أخرى إلى الدولة التي “اضطهدتها” في السابق لتصبح مكوناً أساسياً من الكتلة الاقتصادية التي تسعى موسكو لقيادتها، بل والانتقال بها في أفق 2015 إلى ما يشبه التحالف السياسي باسم “الاتحاد الاقتصادي الأوروبي – الآسيوي”.

د. في تاريخ العلاقات الدولية

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …