دكتور :فوءاد خشيش / تنتشر الشائعات في كل مكان وبشكل سريع لا تحمد عقباه ، في هذه الايام العصيبة في كل انحاء المعمورة، وبالاخص في الدول العربية، كوننا نعيش على فوهة بركان من التناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية . والاخطر انها “تفعل فعلها”، وتنتشر كالنار في الهشيم ، وكانها في حالة صراع عنيف مع ” الخبر العاجل ” ولمن السيطرة وقوة المفعول على المتلقي ،علماً ان كل ظاهرة اجتماعية على هذا القدر من الاهمية، تستحق ان تكون محل دراسة جدية (سوسيولوجية) … ومن هنا،فإن التحليل النفسي للشائعة ينطوي على منفعية عملية مهمة،خصوصاً ان يستنزل اللعنة على اولئك الذين لا يفكرون(مثلنا)،اولا يؤيدون الحقيقة الرسمية.
وذهب أصحاب “مدرسة التحليل النفسي” إلى أنالشائعة تكشف عن محتويات اللاوعي الجماعيبصورة ملتوية عن طريق بعض الحيل النفسية مثلالإسقاط والرمزية والتكثيف والإسقاط والإزاحة والعزلوغيرها, وفي تصورهم “أن الشائعة تنجح حين تكونقادرة على تحريك كوامن اللاوعي والانفعالات المكبوتة”.
ان كلمة “شائعة” تستحضر بالنسبة الى العامة ظاهرة غامضة يعكسها تحليل المفردات الرائجة. فهي تطير وتتعرج، وهذا ما يجعلها على المستوى المادي اشبه بحيوان مباغت وسريع الحركة يتعذر اسره.
تعددت تعريفات الشائعة:منها المعلومات أوالأفكار،التي يتناقلها الناس، دون أن تكون مستندةإلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها، أو هي الترويجلخبر مختلق لا أساس له من الواقع، أو يحتوي جزءاًضئيلاً من الحقيقة. وهي قضية أو عبارة، يجري تداولهاشفهياً، وتكون قابلة للتصديق، وذلك دون أن تكونهناك معايير أكيدة لصدقها. وهي معلومة لا يتمالتحقق من صحتها ولا من مصدرها، وتنشر عن طريقالنقل الشفهي.. وربما كلام هام أو أفكار عامة،انتشرت بسرعة، واعتقد فيها،وليس لها أي وجودأصلي.
ومرجع هذا التعدد فى التعريفات، ان كل تعريف يركزعلى خصائص معينه لها، دون غيرها من الخصائص .وبالجمع بين هذه التعريفات يمكن تعريف الاشاعهبانها : خبر. مجهول المصدر،غير مؤكد الصحة،يتمتداوله شفاهة عادة، قابل للتصديق، و قابل للانتشار.تنتشر بشكل تلقائي،ودون ان يدري ناقل الخبر كذبهذا الخبر. بينما الاشاعة تنتشر بشكل قصدي، ايبفعل فاعل(على الاقل في مراحلها الاولى )، ويعي هذاالفاعل كذب الخبر.واللافت ان انعدام الرغبة في التحققمن صحة الشائعة لا يعزي الى الاسباب النفسية،بل انها في الكثير من الاحيان تعزز التماسك الاجتماعي(ربما مجموعة معينة) بمعنى على اساس مكونات اجتماعية(طائفية،قبلية، مذهبية …) وهذا ما ينطبق في الكثير من الاحيان في العالم العربي ومكوناته الاهلية،اي ان يكون تصديقها تعبيراً عن صوت الولاء الواحد، دون اي مراجعة، او تدقيق، او تحقق من الخبر المزعوم.
يقول مونتغمري بلغيون ( يتوقف سريان الإشاعة علىالشك والغموض في الخبر أو الحدث، فحينما تعرفالحقيقة، لا يبقى مجال الإشاعة)، فالإشاعة التي هيمحاولة لتبادل العلم بالواقع ومشكلاته في ظل نظاماعلامي يحاول الحيلولة دون هذه المعرفة، لذا يعتبربعض الباحثين أن الإشاعة هي مجرد “بديل ” يعوضغياب الحقيقة الرسمية. فالإشاعة تنتشر، عندما تتوقفالمؤسسات – التي من المفروض أن تقدم الخبرالمضبوط – عن مهامها الحقيقية.
ظهرت دراسة “علم نفس الشائعات”، خصوصاً فيأثناء الحرب العالمية الثانية، بعدما لاحظ عالما النفسألبورت وبوستمان أهمية الشائعة، والشائعة المضادة،في التأثير في معنويات الناس وأفكارهم واتجاهاتهمومشاعرهم وسلوكهم. فلاحظا أن الشائعات تنتشرأكثر في وقت الأزمات والظروف الضاغطة، أو المثيرةللقلق، كالحوادث والحروب، والمصائب على مختلفأنواعها الاقتصاديّة والعائليّة والاجتماعيّة. ولاحظاأيضاً أنها تنتشر أكثر حين يكون هناك تعتيماً إعلامياًأو غموضاً.
وللتذكير،منذ العام 1968 ،عمدت غالبية المدن الاميركية الكبرى التي كانت عرضة لاخطار الفتن العرقية، الى انشاء مراكز متخصصة عرفت بـ”مراكزضبط الشائغات”. وكان الهدف من ذلك رصد ونشرالمعلومات الحقيقية والدقيقة المتعلقة بالاسئلة التي كان المواطنون يطرحونها عبر الهاتف.(تلقى احد المراكز في لوس انجلوس في الاسبوع الاول لتاسيسه عشرة الاف مكالمة)، ولكن المعصلة لم تحل.
يمكن التصدي للإشاعة عن طريق تكذيبها أي عنطريق إعلان تكذيبها، ولكن بالرغم أن طريقة التكذيبهي أكثر شيوعا، إلا أنها ليست الطريقة المثلى، وذلكلان تكذيبها يتضمن الإعلان عنها ، فالإعلان عنتكذيب الشائعة، هو في حد ذاته تكرار لها ، كذلكهناك أناس يصدقون الإشاعة ولا يصدقون تكذيبها،ويمكن أن يقوم بتكذيب الإشاعة شخصية كبيرة لهامكانتها الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية وحينئذيميل الناس إلى تصديقه أكثر من وسائل الإعلامالعادية. وكذلك يجب العمل على تنمية الوعي العاموتحصينه ضد الآفة التي لا تعرف اي حدود ومدى خطورتها