على مدار الفترة السابقة، حرص رئيس السلطة الفلسطينية “أبومازن” ومسؤولون رسميّون كِبار، على التحذير من انهيار السلطة بأيدٍ إسرائيلية، باعتبارها أصبحت لديها شوكة في الحلق، وعقبة في طريق بناء الدولة اليهودية، وفي مرّاتٍ أخرى، التهديد بحلِّها من تلقاء أنفسهم، وذلك بناءً على ضيق ذرعهم، من عدم تماشي إسرائيل مع متطلبات العملية السلمية، ولِتجاوزها الخطوط الحمر، بشأن التعدّي على الحقوق الفلسطينية الواضحة.
لم تكن هذه التهديدات فاعلة بالنسبة للإسرائيليين من قبل، لكنها الآن وإلى جانب الهبّة الفلسطينية الدائرة، باعتبارها ستؤثر سلباً على السلطة بشكلٍ مُباشرٍ، ربما يفوق تأثيرها على إسرائيل، ووسط انتشار تكهّنات حول تواجد أزمات سياسية واقتصادية خانقة داخلها،حتى أنه بدأ الحديث في إسرائيل، حول فيما إذا بدأت في التلاشي والانهيار، وأن زوالها بات مسألة وقت فقط، اضطرّت السياسيين والعسكريين الإسرائيليين على حدٍ سواء، إلى اتخاذ تلك التهديدات على محمل الجدّ توقّعاً أن تكون حقيقية.
خلال الأيام الأخيرة، باشرت الحكومة الإسرائيلية، في عقد اجتماعات مكثفة، مُتابعة لهذه المسألة واستعداداً لمواجهتها، بسبب خشيتها من الانزلاق تحت ضغوطات دولية هائلة لا تستطيع تحمّلها، وتُجبرها من ناحية أخرى، على تحمّل إدارة الشؤون المدنية والأمنية إضافة إلى الأحمال التي تُعاني آثارها، وسواء كانت سياسية وأمنية واقتصادية.
كان من أهم ما وصلت إليه الحكومة، هو أنها ستقوم بمنع أي انهيار للسلطة، وبكافة السبل المتاحة، وذلك من خلال تجميل الخطاب السياسي، وإلقاء بعضاً من التسهيلات التي تراها ضرورية لحياة الفلسطينيين، وكان طلب رئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو” من وزراء حكومته، باتخاذ خطوات هامّة، لمحو أي مُنحدر يؤدّي إلى الانهيار،وحذرهم بالمُقابل، للجهوزية لأسوأ النتائج المترتّبة.
خطاب “أبومازن” الأخير، والذي تلاه من محافظة بيت لحم، قطع كل الأفكار الإسرائيلية، وأفسد عليها جهوزيّتها، وأراحها أيضاً، من عبء الانشغال عن محاور أخرى داخلية وخارجية، حيث رفض أحاديثها وتنبّؤاتها حول انهيار السلطة، وذكّر بأنها تُمثّل إنجازاً، لن يُبادر إلى التخلّيَ عنه في يومٍ من الأيام، وأكّد في الوقت ذاته، على أن يده لا تزال ممدودة إلى السلام.
هذا ما أشار إليه بالنسبة إلى مستقبل السلطة والسلام مع إسرائيل، وإذا ما انتقلنا إلى علاقته الرسميّة بحركة حماس، التي لاتزال تفرض سيطرتها على قطاع غزة منذ يوليو 2007، فقد طغى على السطح، أن “أبومازن”يُريد مصالحة حقيقية، ولكن ليس بأي وسيلة، معتبراً أن الانتخابات العامة، استناداً إلى اتفاقات القاهرة، هي السبيل الوحيد لتحقيقها، وفي نفس الوقت، حرص على إلقاء المسؤولية عليها، مُتهِماً إيّاها، باعتبارها هي من ترفضها، من خلال قيامها بعرقلة جملة المساعي الموصلة إليها، وسواء كانت داخلية أو خارجية.
ولا شك، فإن اعتماده على ذلك، كان بناءً على اتهامات سابقة، ما فتئت حركةفتح تُدلي بها، والتي تكشف، بأن حماس هي من ترفض المصالحة، وهي من ترفض الذهاب للانتخابات، وهي التي تعزل نفسها عن الالتصاق بالسلطة، أو مؤسساتها، بدلالة أنها هي من رفضت الدعوة الرسميّة للدخول في حكومة الوحدة الوطنية، كما أنها هي من رفضت دعوة مماثلة، بشأن المشاركة في المجلس الوطني الفلسطيني.
حماس لم تنتظر طويلاً، فقد بادرت إلى مواجهة تلك الاتهامات، من خلال إنكارها كل ما نُسِب إليها جملةً وتفصيلاً،ونفتت أنها أرسلت رفضاً (مباشراً) على الدعوات المقدّمة لها، باعتبارها بلا جوهر، وأبدت من ناحيةٍ أخرى، استعدادها لإجراء الانتخابات، وبناءً على اتفاقات القاهرة أيضاً، وذكّرت بأنها هي من دعت الحكومة الحاليّة أكثر من مرّة، برغم عدم رضاها عنها، لاستلام جميع مسؤولياتها داخل القطاع بدون استثناء أو انتقائية.
بمشاهدتنا لِما سبق، من أن “أبومازن” يُريد الانتخابات، وحماس تريدها أيضاً، وعلى نسق بنود القاهرة، فإنه ليس بوسعنا ولا بمقدور أي أحدٍ في العالمين أن يخطّئ أيّهُما، ولكن برغم ذلك لا نرى شيئاً منها يتحقق، فإين المشكلة إذاً؟ والجواب قد يكون في أن لا أحد منهما يُريدها في الحقيقة، بسبب أنها تمثل بالنسبة له حياةً أو لا حياة.
بمعنى أن لديهما رسالة واحدة- كما يستقرّ في الأذهان- وهي المداومة على إدارة الانقسام وحسب، وذلك من خلال إظهار الهدوء تارة، والانطلاق نحو الصخب تارة أخرى كالمعتاد، ويرجع ذلك إلى تواجد عقدة واحدة، تحول دون حصول اتفاق بشأنها، فالرئيس “أبومازن” الذي يُمثّل السلطة وحركة فتح معاً، لن تكون مُستساغةً لديه أيّة مقترحات تصالحيّة، لا تضمن سيطرته على القطاع من جديد، قبل إجراء الانتخابات، وهذا ما تقطع به حماس، سيما وهي بالمُقابل، لا تتخلى عن اشتراطات الشراكة كمبادئ أساسيّة، وهي التي يراها “أبومازن” بأنها تُمثل تمهيداً لانتقال سيطرتها إلى الضفّة.