بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد
الزراعة في الإسلام
الكاتب الدكتور سعيد أبو عباه
قلقيلية-فلسطين
تعدُّ الزراعة من المهن اللازمة لحياة البشرية، والتي لا تحيا بدونها، وقد ورد في القرآن الكريم بعضُ الآيات التي تلفت انتباه الناس إلى ذلك؛ منها قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ* وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ* لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس: 33- 34]، وقوله {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالاَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 10- 11]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأنعام: 99].
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأنعام141. وقال عزَّ وجل-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًافَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
وجاءت أحاديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لتَحث المسلمين على الزراعة وبيان مَنافعها.
فلقد حث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على الغرس والزراعة حتى في اشدالمواقف واصعبها فقال
: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل) رواه أحمد.
وقد جعل الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من الاجر والثواب للمزارعين ما لا يعلمه الا الله فقال
: ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو انسان إلا كان له به صدقة) رواه البخاري ومسلم.
: وقال عليه الصلاة والسلام سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم علما، او كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، او ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته) اخرجه البزار وابو نعيم.
ونهى -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن ترك الأرض بورًا من غير زرع، فقال: ((من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، فإنْ أَبَى فليمسك أرضه)). [رواه البخاري، ومسلم]
ولما كانت الزراعة عرضة للإصابة بالآفات، مِمَّا يجعل الناس يحجمون عنها إلى غيرها، كما يحدث في بعض المجتمعات الإسلاميَّة الآن، وجدنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُواسي من يصاب بذلك، ويَحثُّه على البقاء في عمله، حتَّى لا تختل أوضاع المجتمع، فقال: مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ زَرْعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الْعَوَافِي إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهِ أَجْرًا)) المعجم الكبير للطبراني.
وفهم الصحابة والمسلمون الأوائل اهمية الزراعة -وكانوا خير سلف- فانطلقوا مطبقين لتعاليم الإسلام، التي تحث على الزراعة، رَغْم مشاغل بعضهم الجسيمة واستغنائهم، فهذا عثمان بن عفَّان -رضي الله عنه- يقول وقد سُئل: أتغرس بعد الكبر؟ فقال: لأنْ توافيني السَّاعة وأنا من المصلحين خير من أن توافيني وأنا من المفسدين، وقيل لأبي الدرداء وهو يغرس جوزة: أتغرس وأنت شيخ، ولا تُطعم إلا بعد عشرين سنة؟، فقال: لا عليَّ بعد أن يكون الأجر لي.
وهذا عبدالرحمن بن عوف رغم غناه كان يمسك المسحاة بيده، ويحول بها الماء، وطلحة بن عبيد الله كان أول من زرع القمح في مزرعته بالمدينة، وكان يزرع على عشرين ناضحًا، وينتج ما يكفي أهله بالمدينة سنتهم، حتى استغنوا عمَّا يستورد من بلاد الشام، وكان أبو هريرة يرى المروءة في تلك الأفعال، فقد سئل مرة: ما المروءة؟ فقال: تقوى الله وإصلاح الضيعة.
وازداد اهتمام المسلمين بالزِّراعة بعد أن اتَّسعت رقعة الدولة الإسلامية واستقرت أمورها، ويسروا كلَّ السُّبل لامتلاك الأراضي وتعميرها وزرعها؛ عملًا بوصية الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ)) مسند أحمد، وأضحى الاهتمام بالزراعة من واجب الأمراء والحكام، وليس الأفراد فحسب؛ وذلك لأنَّ هؤلاء الأمراء كانوا يدركون تمامًا العلاقة بين الازدهار الزراعي، وزيادة الخراج الذي يُعد أهم مصادر بيت المال، كما كانوا يدركون تمامًا العلاقة القوية بين حالة الزرع وبين الوارد.
واهتموا بإصلاحِ وسائل الري وتنظيفها، وبنوا السدود وشقوا القنوات والأنهار التي لا يُحصى عددها واقاموا الجسور والقناطر .
وهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يكتب إلى عامله “عبد الملك بن عمير”: “لا تضربن رجلًا سوطًا في جباية درهم، ولا تبيعن لهم رزقًا، ولا كسوة شتاء، ولا صيف ولا دابة… ولا تقيمن رجلًا في طلب درهم، فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين، إذًا أرجع إليك كما ذهبت من عندك، فقال: وإن رجعت كما ذهبت، ويحك! إنَّما أمرنا أن نأخذ منهم العفو.
وجاء رجل الى امير المؤمنين سيدنا علي – فقال: ياأمير المؤمنين اتيت ارضا قد خربت وعجز عنها اهلها فكرست انهاراً وزرعتها، فقال سيدنا علي: (كل هنيئاً وانت مصلح غير مفسد، معمر غير مخرب).
وكان يقول لعماله : (ليكن نظركم في عمارة الارض ابلغ من نظركم في استجلاب الخراج، والزراعة عمارة).
وقد سلك كثير من خلفاء المسلمين وامرائهم نهج الخلفاء الراشدين في توجيه عنايتهم واهتمامهم الى عمارة الارض واستصلاحها، وأمروا ببناء السدود وحفر الترع.
كذلك نرى الخليفة العادل الراشد عمر بن عبد العزيز يقوم بتقديم القروض الحسنة للعاملين في الارض ولو كانوا من أهل الذمة لما في ذلك من مصلحة للمسلمين وذلك عندما كتب الى واليه عبد الحميد بن عبد الرحمن الذي بعث اليه يستشيره بشأن التصرف في فضول بيت المال – قال: (أنظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه فإنا لانحتاجهم لعام ولا لعامين).
فهيا بنا الى الأخذ بأسباب القوة، وزراعة مايفيد وينفع الأمة،
حتى نكون أمة تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع،
وتشرب الماء مما تجمع.