%D9%87%D8%A7%D9%86%D9%8A %D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7 أوكرانيا

الروائي المصري هاني القط: “رايات الموتى” تعري كل من يقتل باسم الدين

بطرح أكثر تأثيرا؛ يقدم الروائي المصري “هاني القط ” عمله الروئي الثاني، “رايات الموتى”، تلك التي تقف متفردة، تصنع خصوصيتها،  في مشهد روائي صاخب، عربيًا وعالميًا. ورغم الاعتراف المبدئي بشكل الرواية، لكن رايات %d9%87%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b7الموتى تنفرد بشكلها، كاسرة أنماط تسجن الرواية، كأنها تستجيب  لصرخة “هنري جيمس” المنادية بالحرية من قوانين ضابطة لعملية الخلق الروائي، وكما يقول الكاتب: متى كان الشكل مقدسًا، شرط أن يكون في صالح الموضوع. والموضوع هو قضية التطرف الشائكة، وقد تبدت قدرة الكاتب على الامساك بمادته الحكائية، صانعًا عالمان يربط بينهما صيغة واهية من كلمة تتكرر حال الانتقال بين المقاطع، في فلك زمن دائري، يستند على مقولة علمية لآلبيرت آينشتاين.

يحلق الكاتب مع عمله بين عالمين قمة في التضاد. الغرب على اتساع رؤاه وغناه الفكري والمعنوي، عبر الشاعر البريطاني “ويليام سميث” الذي أتت به الصدفة إلى القاهرة، وهو كغيره من الشعراء لازال يبحث عن قصيدته الخالدة التي لم يكتبها بعد وتملأ شغفه، والشرق بأزمات العالم الثالث المختلفة، الممثلة في كثير من شخوص روايته خاصة “سعيد” الذي تبدأ حكايته منذ تم ضبطه متلبسا بالتحرش في أتوبيس نقل عام في القاهرة، وتنتهي بقتله ويليام في حادث الأقصر الشهير نهاية تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى عدد كبير من السياح، الذين استهدفتهم الجماعة الاسلامية آنذاك.وبالرغم من أن أبطال روايته مهزومين كل في سياقه لكن في تفاصيل العمل، والتي يراعي الكاتب أدق لمحة فيها ستكشف عما يمكن أن تودي به هذه الهزيمة لأبطالها.

“مفوضية الإعلام والثقافة” التقت في القاهرة “هاني القط” وأجرت معه لقاءً حول روايته التي صدرت مؤخرا، متناولة تحليقاته الجديدة فيها وخاصة أنه يقدم سردا بلغة شعرية مشوقة ربما تجاوزت عمله الروائي الأول “سيرة الزوال”، الحاصل على جائزة الشارقة في الرواية…

البداية جاءت حول ما أدى به إلى هذا العمل وخاصة أنه يعود لحادث بعينه، رغم أنه يؤمن بان على العمل كشف رؤاه دون تفسير، لكنه يؤكد على محاوله فهم العلاقة بين عقليتين متباعدتين وعالمين متنافران.

ويتحدث القط بأنه في عمله يقدم حالة من المقارنة بين الشرق والغرب، وبين طبيعة العقل الغربي والشرقي، وفي النهاية يخوض في حالة بحث عن أسباب التطرف ومآلاته”.

ويكمل:” كان همي في العمل الوصول إلى إجابة سؤال واحد وهو : كيف يصل العقل الشرقي بضغوط اجتماعية ونفسية واقتصادية لأن يقتل باسم الله مستندًا على قراءة خاطئة لتراث ديني!  وكيف للعقل الغربي أن يتعامل مع هذا الأمر”.ويرى بأن الغرب كان المساهم الأول في إذكاء فكرة التطرف، فهم قرأوا التراث في مراكز الأبحاث لتنتقل إلى مكاتب المخابرات للاستفاده في تحقيق مكاسبهم الخاصة متسائلا: “من صاحب فكرة الحرب المقدسة على الاتحاد السوفيتي “الكافر” في أفغانسان على سبيل المثال.. ومن المستفيد منها ؟”.

ويعود ليقدم الإجابة بنفسه:” تلك صنيعة مخابرات غربية بلا نقاش.. فكيف توصل الغرب لاستعمال أناس في حرب تخصه للانتصار على خصم عنيد، لقد رأى في التراث نارًا أذكاها في قلوب صغار، أملاً في الخلاص صوب فردوس قدسي، ذلك ما جرى في الحرب على الاتحاد السوفيتي، واستغلال فكرة الكفر والايمان لدينا  لندق بها طبول الحرب على أرضيتها، بأن يحارب المؤمنون الكفرة، لتخرج الولايات المتحدة راعية الفكرة منتصرة على خصمها الآوحد والأهم آنذاك”.

وفيما إذا كانت هي نفسها الآلية التي تستخدم عبر تنظيم داعش الارهابي يقول:” حتى الآن لم يخرج سوى القليل من الوثائق التي تتحدث عن امتداد وامدادات هذا التنظيم، لكن يظهر دون جهد أن الأمر يسير في نفس السياق أيضا، لقد كتبت الرواية وعيني على الرهن في لحظته الفارقة، فأحداث الرواية تتماس في جوانب كثيرة من حاضرنا، وأتذكر أنه بعد حادث الأقصر الذي قتل فيه عدد ضخم من السائحين، طرحت بقوة مقولات تطرح الآن، كالمراجعات، وجدوى عصا الأمن في مواجهة مثل هذه الحوادث وهذه الجماعات المتطرفة، وأعتقد أننا الآن في نفس المأزق ولدينا نفس الخيارات”.في الرواية يتطرق القط إلى الجماعة الاسلامية ورموزها العائدين من أفغانستان، خاصة الشيخ “أبو مصعب” العائد خلسة من هناك عبر السودان، والذي سيكون سببا في تحول “سعيد” من متحرش يغط في الفقر والعوز والجهل إلى ذلك المجرم – الذي يفتح النار على أبرياء جاءوا إلى مصر مسلوبين بسحر آثارها وتاريخ أجداد هذا الشعب العظماء الذين بنوا حضارة يعجب لها العالم حتى الآن – وكل ما في مخيلته أنه سينال شهادة وهمية ينعم بعدها في نعيم أبدي لن تصدفه عينه على هذه الأرض.

وعن حادث الأقصر وسياقه في العمل يتحدث القط قائلا :” قصة الحادث نفسه غامض وملتبس إلى حد كبير، وأنا لم أرد أن أخوض كثيرا في هذا الالتباس مع أنه كان من الممكن أن يحقق لي شهرة ضخمة جدا.. وكانت هناك أمور كثيرة من الممكن اللعب على وترها، فمثلا كاتب كبير حكم وقرر في برنامج بأن “حسين سالم” هو من يقف وراء الحادث، وأخذت المقولة مأخذ الجد وبحثت، فوجدت أنها أبعد من هذا كل البعد، وقيل أيضا أنه الموساد الاسرائيلي، وقيل إن من قاموا بالعملية لم يُخَتَّنوا، وأن أي عربي لابد له من هذه الفطرة، و أن ملابسهم بماركات عالمية، وحتى قيل أن الستة الذين قيل أنهم من قاموا بالعملية كانوا من الجامعة وأن الأمن استدرجهم وقتلهم، وغيرها من المقولات المخالفة للرواية الرسمية التي أعلنت عنها أجهزة الأمن”.

الحقيقة أنه كان من الممكن أن أستخدم المخيلة وتطويرها على أي مما قيل، لكن وبالرغم من أن -حادث الأقصر- ليس هو الأساس في العمل إلا أني ظللت أبحث طويلا وقضيت وقتًا طويلا ساعيا لتوثيق الحكاية الرسمية التي قالت بأن الجناة الستة هربوا إلى كهف، وأن أجهزة الأمن اشتبكت معهم وتم تصفيتهم، أو تأكيد أي من الحكايات الكثيرة المتواترة صحيح، وعدت كثيرا لأرشيف الصحف، وغير ذلك لكن كان هناك أمر غريب، فعلى سبيل المثال:  خلال بحثي في الارشيف وجدت أن يوم الحادثة وكل الأيام التالية لها، منزوعة صفحاتها التي تناولتها الأهرام وغيرها؟.

ويكمل حكايته بما يشير إلى أن القدر قد يتدخل لصالح الحكاية فيحكي:” ظللت في بحثي إلى أن تعرفت على أحد أفراد الجماعة الاسلامية وذلك بصدفة جاءت في وقتها، وعلى مقهى في مدينة “قويسنا” حكى صديق شاعر بأنه يعرف أحد هؤلاء، وعرفني عليه، وكان أول سؤال لي وأنا ألقي عليه السلام: حادث الأقصر من عملكم أم لا؟.

ويستطرد:”أجابني وقتها، نعم،  وليس هذا فحسب لكن قال لي أنا كنت في الزنزانة التي كان يتم فيها التحضير للعملية، وبدأ يسرد له العملية التي جاءت في سياق يشبه السياق الرسمي فاطمأن قلبي وبدأت.. لكني في النهاية لا أكتب الحادث”.

ويضيف:” حادث الأقصر ما هو إلا اتكاءة لأعرى من يقتل باسم الله بغية دخول الجنة، وطمعا في الحور العين، وكيف يصل إلى هذه الحالة من انعدام الانسانية كيف يتحضر ليكون على هذه الحالة، دون اغفال الأرضية الانسانية التي يتحرك عليها الأبطال “.

يؤكد هاني القط في حديثه أنه اختار طريقا رسمه، فيه كثير من الانسانية والبحث عن حالة الخلاف بين هاتين الحضارتين، وأنه كان يمكن أن يقتنص كروائي المقولة الأكثر صخبا والتي قد تضعه في قائمة – البيست سلر- وفي دائرة الضوء، كما يقوم البعض، بالخوض في المقدس حتى يصادر العمل وينالون شهره وهمية، أو غير ذلك لكنه سعى للكتابة الأجمل دون الالتفات الى الصخب الزائف.ويقول القط بأن عمله استغرق منه ثلاث سنوات ليرى النور، رافضا أن يتم التعامل معه من أي جانب على أنه توثق للحادثة أو للفترة، قائلا:” هي ليست رواية تاريحية، وأنا لا أعترف بالتاريخ الموثق في رواية، فلا يمكن معرفة التاريخ- أي تاريخ- عن طريق الرواية، ولهذا الأمر طرق أخرى”، فالرواية في النهاية وجهة نظر، ويمكن منها ققط ان نعرف روح العصر وغير ذلك.ويعود للتأكيد على أنه لم يقصد حادث الاقصر بذاته، وأنه كان من الممكن ان يكون حادثا آخر، وأن كل ما أراده أن يبحث كيف يصل الانسان إلى الايمان بفكرة القتل؟

وردا على نفس السؤال يقول:” يمكن القول أن الوهم المتأصل بأن ثمة مدينة فاضلة، كان فيها العدل المطلق والخير المطلق، صنعه بشر يشوبهم القداسة لم يخطئوا، وأنه يمكن إرجاع هذا الزمن المزعوم.. وما لم يتم تجديد ذلك الخطاب الراسخ فيظل ذلك الامل قائم، بغية ارجاع ماضي تلك المدينة الفاضلة… والحقيقة أنه لم تكن هناك مدينة فاضلة، ولم يكن هناك بشر لم يخطئوا.. بل كانت هناك صرعات سياسية كبرى والتاريخ الاسلامي مليء بهذه الصراعات”.

ويضيف:” يصل الانسان للقتل باسم الدين؟.. من خلال مجموعة عوامل تشتبك كلها وتؤدي بالانسان لأن يكون سعيدًا جدا وهو يذهب ليقتل، أو ليفجر نفسه، فهو ذاهب إلى الحياة الحقيقية بعد أن أضنته هذه الحياة (الدنيا)التي لم يعد يطيقها. اضافة لعوامل اقتصادية واجتماعية، وكذلك عوامل قهر سياسي، ودائما دائما ما تجد شخص يخدع أو جماعة تخدع، ليس بداية ب (حسن الصباح) ولا انتهاءا بحسن البنا. فما دام التراث دون غربلة، ولا يوافق آليات العصر، سيظل هناك من يَخدع ومن يُخدع.  ما دمنا نخاف من تجديد الخطاب، سيظل هناك فرد في مكان ما يؤمن بك إيمانًا مطلقًا، وأن يجاهد في سبيل فكرة هي الحقيقة المطلقة في نظره، في حين أنه ليس هناك حقيقة مطلقة فعلا”.وبحالة الرواية التي يمكن القول بأنها من أهم الأعمال التي صدرت مؤخرا نعريج على الكاتب، وبداياته، فيشير إلى أن والده كان أول من ساهم في بناء مداركه المعرفية ودعمه للاستمرار في الكتابه حتى أنه ساعده في نشر أول عمل له، وكان قصيدة عامية في أول مراحل الدارسة الجامعية، ونشرها بمجلة تصدرها جامعة المنوفية، حيث كان والده مدير عام النشاط الثقافي بالجامعة.

وبالرغم من أن بداياته كانت شعرية، إلا أنه يقول:” كنت أشعر أن هناك شيء آخر ولم أكن لأدري وقتها كيف أجده إلى أن بدأت في السرد وصدرت لي أول مجموعة قصصية فيها كل أخطاء البداية، فيها فوران التمرد في كل شيء، ولكنها جاءت مبكرا جدا وأنا في مرحلة الدراسة الجامعية”.وبالرغم من أن لـ”هاني القط” ثلاث مجموعات قصصية، وروايتين إلا أنه يقول أنا روائي ولست قاصا، بالرغم من كتابتي للقصة، وحتى أدب الأطفال، وعلى هذا أعرف نفسي روائيا رغم أن منجزي في الرواية عملين وأعمل حاليا على الثالث.

ويرى القط أن الرواية تعني التمرد على الأشكال والصيغ، وأن كل عمل يقرر لغته ويصنع حياته. تبدأ الرواية بفكرة, لتتحول الفكرة إلى أجنة بشرية, تولد في رحم حياة عن طريق الكلمة, ولا تكون البداية عندما يخط أولى كلمة, فربما تصبح الكثير من الصفحات الأولى؛ هي مداعبات ما قبل الولوج, ويمكن أن تنتهي بإخفاق أو بحمل زائف, حتى لو كان المخطط شبه مكتمل في الذهن, فالعجيب أن عالم الرواية لا يتحول إلى الحقيقة الكاملة الحية؛ سوى بعد الانتهاء من كلمة “تمت”.وبالنسبة للواقع الإبداعي الراهن يقول بأنهأصبح في غاية القسوة، والإهانة للكاتب، فكثير من دور النشر القائمة تطلب أمولا من الكاتب، بدلا من العكس، مهملة فكرة التوزيع والترويج للعمل، وهو الأساس البديهي لجني المكسب، والسواد الأعظم في دور النشر بمصر أصبح يتخذ هذا المنحى السيء، إلا أنه من جانبه يرفض هذا الأمر، فإما أن يتعاقد ويحصل على نتاج جهده وتعبه في العمل، أو أولى أن يتوقف عن الكتابة لأنه يرى بأن الحالة بهذا الشكل تكون فيها شكل من أشكال الرخص لا يقبله، وهو ما يسير عليه في أعماله، التي إما نشرت بعد نيلها جوائز أو روايته الأخيرة التي تعاقد عليها مع دار نشر إماراتية تفهم ماذا يعني النشر.

نقلا عن مفوضية الاعلام و الثقافة

شاهد أيضاً

عدنان

رحيل الدكتور عدنان كيوان.. والجالية السورية في كييف تنعى الفقيد

عمت حالة من الحزن والتسليم بقضاء الله وقدره أوساط الجالية السورية والعربية والإسلامية في أوكرانيا …