الدور الروسي في الأزمة السورية وقضايا المنطقة : حوار مع الدكتور خالد العزي
24 نوفمبر, 2013
مقالات, ملفات خاصة
روسيا اللاعب الأبرز في الأزمة السورية سياسيا وعسكريا وأمنيا وهي عراب الاتفاق الكيماوي الذي جنّب سوريا والمنطقة حربا لا أحد يعرف كيف ستنتهي ويظهر الدور الروسي في سوريا على مستويات عدة أهمها وأخطرها التدخل العسكري المباشر , للحديث عن هذه المواضيع وغيرها من الأدوار الروسية العديدة في المنطقة إلتقينا الإعلامي والباحث في الشؤون الروسية الصحفي الدكتور خالد العزي .
روسيا اللاعب الأبرز في الأزمة السورية كيف يمكن ان نختصر الدور الروسي في الازمة السورية ؟
طبعا بعد تدويل الأزمة وخروجها عن نطاقها الداخلي أصبحت روسيا لاعبا بارزا في عملية البحث الدائرة لإيجاد حلول وتسويات للأزمة السورية ولا يمكن اختصار الموقف الروسي بقاعدة طرطوس العسكرية او بيع السلاح للنظام السوري اذ لروسيا مصالح كبيرة تتمحور بالاساس حول إعادة دورها ونفوذها السياسي في منطقة الشرق الأوسط وربما البوابة السورية التي استطاعت روسيا أن تؤسر ملفها للتفاوض عليها مع الغرب لكون الروس يعلمون جيدا حاجتهم لدورها في حلحلة ملفات الشرق الاوسط الثلاثة التي تشكل روسيا فيهم مفتاحا اساسيا , ومن هنا كانت صفقة الكيماوي السوري مع الغرب التي اعتبرت انجازا ونصرا ديبلوماسيا لروسيا كي تكون شريكا قويا للغرب في هذا الملف اضافة الى الملف النووي الايراني الذي يشكل لروسيا عمودا اساسيا لجهة التفاوض وتقارب الوجهات ,ويبقى الملف الثالث ملف التسوية الفلسطينية الاسرائيلية والذي يكون ملفا بعيدا عن قدرة الدبلوماسية الروسية في التأثير به , روسيا تعلم بأنها قوية في هذه الملفات وفرحتها اليوم بأن تكون شريكا للغرب وأميركا في انتاج هذه التسويات في الشرق الاوسط حتى تكون لاعبا دوليا من الدرجة الثانية , فالملف السوري بالنسبة للروس له ابعاد سياسية ومدخل لحل العديد من الملفات التي تشكل نقطة فاصلة في علاقات روسيا وأميركا وفي اطار الصراع الدولي الجديد فإن معركة سوريا وحسمها وحلحلة ازمتها لا يمكن ان يمر دون شراكة روسيا الفعلية فيها .
كيف تعتمد روسيا على حل القضية السورية او الملف السوري ؟
من اليوم الاول لاندلاع الثورات العربية روسيا لم تكن مرحباً لهذا الحدث الذي اعتبرته نوعا من المؤامرة العربية يهدف الى عمليات تغيير في الدول المستقلة دون العودة الى القانون الدولي الذي لا يسمح بالتدخل في عملية التغيير الا من خلال القانون الدولي لكون التغيير الذي فرضه الغرب كما تقول روسيا ادى الى صعود التطرف الاسلامي في دول الربيع العربي مما ساهم بتصلب الموقف الروسي نحو سوريا متذرعة بأن الغرب لم يأخذ بعين الإعتبار مصالحها الخاصة في سوريا فكان لروسيا توجها خاصا في تعاملها مع الازمة السورية فكانت تدعو دوما الى الحوار السياسي بين مكونات القوى المتصارعة وكانت ترفع حق النقض ” الفيتو ” في مجلس الامن مما وضع روسيا ومواقفها في إحراج دائم لعدم استطاعتها التقرب بوجهات النظر السياسية وإقناع الغرب والعرب والمعارضة بسوريا بوجهة نظرها وهذا ما ادى الى تباعد فعلي في وجهات النظر الروسية والمعارضة لها , فكانت روسيا المدافع عن النظام السوري متذرعة ذرائع عادية بالرغم من كون مسؤوليها وسياسييها دوما يشددون على عدم التمسك بالاسد وعلى الدخول المباشر في الحوار السياسي مع النظام , و لكن هنا يكمن الالتباس الروسي في شرح كيفية التمكن من الوصول الى حل سياسي طالما لم تضع روسية عناوين المرحلة القادمة بالرغم من موافقتها على جنيف 1 ودعوتها الدؤوبة لعقد جنيف 2 القاضي بالحل السياسي للأزمة السورية . ربما روسيا في ادبياتها السياسية لا ترى حلا إلا ببقاء النظام السوري الحالي من خلال التفتيش الدائم على معارضة سورية تحاول تقويم النظام ودوره القادم حتى يمكن الاستغناء عن الاشخاص لان روسيا تخاف جدا من الحرب الاهلية الدائرة في سوريا والتي تتصدرها القوى والاطراف الاساسية المتطرفة والتي تشكل أزمة حقيقية في روسيا وجمهوريتها الاسلامية في آسيا الوسطى لأن انتصار التطرف السني في سوريا سوف ينتقل إلى القوقاز وآسيا الوسطى منطقة النفوذ الروسي فروسيا لن تنسى حرب افغانستان وهزيمتها هناك لذلك لا تريد تكرارها مرة جديدة في سوريا وعلى نفس القوى والاحزاب , فكانت الدبلوماسية الروسية تتجه مباشرة إلى دعم الحلف الشيعي الايراني بوجه الحلف السني الغربي وهو نوع من اعادة رسم خريطة المنطقة بناء على النفوذ المذهبي ذات المصالح الخاصة بالدول الكبرى فإن اية تسوية لا يمكن ان تتقبلها روسية إلا في اعادة دورها وضمانة مصالحا لأن بشار الاسد يعلم جيدا أن أي تسوية سياسية في سوريا لا يمكن ان تتقبلها روسية بمعزل عن بقاء النظام لانها ستكون هزيمة لبوتين في المنطقة .
روسيا الداعم الاساسي عسكريا لنظام بشار الاسد كيف يمكن إظهار هذا الجانب ؟
روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وبناء الدولة الروسية الحديثة كانت الاسراتيجية الروسية تعتمد على المصالح الخاصة وليس الايديولوجيات التي كانت في السابق تبنى عليها سياسة الاتحاد السوفياتي لا بد من البحث في التوجهات الروسية القديمة القائمة على الدخول الى منطقة المياه الدافئة اي البحر المتوسط . فروسيا التي عانت من نكسات عدة أثناء التحول الاقتصادي ادت الى فقدانها العديد من اصدقاء الماضي وتغييبها عن هذه الدول لعدم قدرتها على تلبية حاجاتهم ودعمم ولكن مع التحول السياسي والنمو الاقتصادي في روسيا والتي صادف بفترة الربيع العربي سمح لروسيا بإعادة النظر باستراتيجيتها التي سمحت لها بالعودة الى الساحة الدولية ولعب دور سياسي بارز فكانت الحلبة السورية الممر الاجباري التي تكمشت به روسيا وهناك العديد من الاسباب التي سمحت لروسيا ان تكون لاعبا سياسيا وعسكريا في هذا الملف فالدعم الروسي لسوريا لم يقتصر على الدبلوماسية ورفع الفيتو في مجلس الامن ولا على الخطاب السياسي للقادة الروس ولا على الدعم الاعلامي في وسائل إعلامها المختلفة بل تعدى ذلك الى مدّ سوريا بالخبراء العسكريين والتقنيات العسكرية المتطورة والدعم اللوجستي واجهزة الانترنت بل تعداه ايضا الى الصفقات العسكرية المباشرة من خلال فتح جسر جوي بين موسكو ودمشق وجسر بحري بين اسطول البحر الاسود ومرفأ اللاذقية وتعدت الخدمات الى اكثر من ذلك من خلال الدعم المالي وتسيير الرحلات الروسية المباشرة لدعم النظام ونقل الجرحى والاصابات الخطيرة الى المنطاق التي تسيطر عليها روسيا .
وهل تخطى الدعم الرسمي الى الدعم العسكري المباشر ؟ ما هي المعطيات المتوفرة عن التدخل العسكري المباشر ؟
نعم قد تخطى الدعم الرسمي وأصبح دعم مرتزقة والاخطر هو تشكيل كتيبة ” السلافيان ” وهي كتيبة مقاتلة تم تشكيلها من قبل مرتزقة روس ودول أخرى للقتال في سوريا من خلال إغراءات مالية كبيرة تدفع للقادمين من أجل القتال الى جانب النظام هذه الكتيبة لم تكن رسميا مدعومة من قبل الدولة الروسية بل هي نتيجة ارتباط مخابراتي سوري وروسي وقد تم فضح هذه الكتيبة من قبل وسائل الإعلام الروسية وتداولته بعد ذلك كل وسائل الإعلام العربية والدولية لقدوم هؤلاء المرتزقة الروس الى سوريا والقتال الى جانب النظام السوري من خلال وعود قدمت للمقاتلين وتبلغ 5000 دولار شهريا لكل مقاتل و200000 دولار تعويض عن كل إصابة , هؤلاء مرتزقة وهم الذين قاتلوا في الشيشان وطاجكستان وافغانستان وجورجيا وبالتالي هؤلاء مقاتلون من أجل الاممية وهم بالاساس من الجنود والضباط الذين انتهت خدماتهم العسكرية ولم يجدوا سوى بيع خبراتهم العسكرية إلى الخارج , وهذه الحالة كانت موجودة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وهذه الفرق تشكلت في حرب البوسنة وحرب كوسوفو وحرب الشيشان ومصطلح أمميون لا يزال يستخدم وكان موجودا ايام الاتحاد السوفياتي يعني القتال من أجل الأممية .ولكن المهم في هذه الفرقة في أنها تشبه فرقة ” بلاك واتر ” الامريكية التي قاتلت في العراق من هنا نرى بإن هذه الفرقة التي تشكلت عام 2012 في هونكونغ هدفها جذب الخبرات العسكرية من دول الاتحاد السوفياتي لمقاتلة القوى الاسلامية والشعب السوري تحت شعار ادخال مفهوم جديد لصدام الحضارات بين الطوائف , فالروس بعد اكتشاف هذه الفرقة التي اختلفت مع النظام السوري لعدم وفائه بالشروط والعقود الموقعة معها انسحبت الى روسيا بعد فقدانها لقتلى وجرحى مما استدعى فورا القاء القبض على العديد منهم كي لا تتحول الى مشكلة في روسيا لان روسيا تدفع بمقاتلين بالذهاب الى سوريا وهذا مما يسمح للمقاتلين الاسلاميين والعرب بالتوجه والجهاد في دول النفوذ الروسي .
ما المتوقع من الموقف الروسي في مؤتمر جنيف 2 ؟
كل الوقائع وكل الدلائل تشير الى رغبة موسكو المميتة في عقد جنيف 2 بالرغم من عدم تطبيقها لجنيف 1 وموسكو تحاول عقد المؤتمر الذي يؤجل لعدم وجود آلية فعلية تضمن او تقنع الفاعلين لانعقاده وكأن روسيا تحاول أن تسجل نقاطا سياسية على الغرب بأنها تستطيع إنجاح المؤتمر , فالمؤتمر لن ينعقد بسبب الظروف والوقائع التي فرضت نفسها على الحدث السياسي بالرغم من ان الحل الفعلي لإنقاذ سوريا هو الحوار السياسي لأن في علم التفاوض لا يمكن التفاوض على اي شيء دون آلية وجدوى وهذا السبب الذي يفرغ الحوار , الشروط التي تضعها روسيا هي شروط غير مقنعة وغير جدية في إقناع الطرف الآخر للجلوس على طاولة المفاوضات روسيا تحاول أن تفرض شروطها هي وتقول للمعارضة هذا البرنامج عليكم أن توافقوا عليه بمعنى أن روسيا تريد استسلام المعارضة وان ترفع رايتها البيضاء وروسيا لا تريد التفاوض على بقاء الاسد او رحيله , الجيش , القوى الأمنية . البنك المركزي , الأركان , التسليح , فعلى ماذا التفاوض ؟ كأن لم يكن هناك ثورة , فالروس ما زالوا بعيدين عن المعارضة الفعلية والحقيقية التي تمثل الشارع السوري , الروس لم يفتحوا قنوات التفاوض مع المعارضة وهم يبحثون عن معارضة شكلية ليس لها قوة على الارض كمثال : قدري جميل ورفعت الاسد مناف طلاس , فالروس لا تزال أمامهم متسع بأن لا يكون شريكا في قتل السوريين بل أن يكونوا على حدة من أطراف الصراع لأن الشعب السوري ليس متطرفا ولا امريكيا بل هو شعب يعاني , عندها يمكن ان تكون روسيا مفاوض نزيه , وعلى روسيا ان تقنع الشعب أنها مفاوض نزيه من خلال الاسراع الفوري بتطبيق القرارات الانسانية وفتح ممرات انسانية للجرحى والمصابين من خلال الضغط على النظام وعدم الدخول في تفاصيل وألعاب الأزمة الداخلية والتي تضعها عدوا للشعب السوري عندها يمكن ان نتحدث عن اتفاق جنيف 2 ونجاحه , وأما الدعوة التي يقوم بها الرئيس الروسي لدول ليست لها فعالية ولا تأثر على القرار السوري كاننا في مزار شرقي أو عرس للخليفة , فاليابان واندونيسيا ليس لهما اي تأثير على كل مسار الاشكالية الروسية .
ما هي الملفات التي ترى روسيا فيها اعادة انتاج دورها في منطقة الشرق الاوسط ؟
بعد الإنكفاء الأمريكي من منطقة الشرق الاوسط نتيجة حساباته الخاصة وإعادة انتاج دورها الاستراتيجي تتوجه السياسة الامريكية إلى منطقة دول المحيط الهادي فروسيا الحالمة بإعادة دورها تحاول ان تكون شريكا حتى لو شريكا أعرجا أي من الدرجة الثانية , فقبل الذهاب الى المنطقة والتي تعتبر روسيا شريكا فيها لا بد من الوقوف امام اعادة دورها و إحيائه في منطقة الشرق الاوسط قبل ترتيب اوضاعها الهائجة والمتوترة هذه المنطقة تحكمها ثلاث ملفات لا بد من ايجاد حلول سريعة لها الملف السوري الملف النووي الايراني وملف التسوية الفلسطينية الاسرائيلية, السياسة الامريكية ترى بأهمية التعاون الروسي في منطقة الشرق الاوسط واللقاءات المكثفة بين ساسة البلدين أثمرت عن انجازات وانتصارات دبلوماسية للبلدين الاولى تمثلت في تفويض روسيا في تسوية الملف السوري نتيجة تشابه الملفات والقضايا والامور في هذا البلد المفتوح على كل المنطقة فكان الملف الكيماوي الذي اريحت منه اميركا واسرائيل بمساعدة روسية جبارة .
الملف الثاني الذي يعمل على تسويته هو الملف النووي الايراني والتقارب الذي حصل بين البلدين كان لروسيا دور كبير بالضغط والتأثير على البدء في حلحلة هذا الملف وتأمين صفقة بين البلدين تعوّم هذا الملف ويسجل انتصار ديبلوماسي اميركي روسي ايراني , فامريكا رضيت بشراكة مع روسية في حلحلة هذين الملفين ولكن الملف الثالث لا يزال عالقا ولا تريد أمريكا الشراكة الروسية فيه فهي منفردة بمحاولة ايجاد تسوية له بالوقت الذي تحاول فيه روسيا اللعب على هذا الملف نتيجة عوامل عدة ابرزها علاقتها الجيدة مع الفلسطينيين وعلاقتها مع الاسرائيليين وخاصة ان روسيا تريد ضمان عودة مليون ونصف المليون مهاجر الى ريعها , إضافة لعلاقتها المميزة مع ايران وحزب الله وحماس فكل هذه العوامل تخول روسيا في أن تكون لاعبا وشريكا ووسيطا بين كل الاطراف .
أجرى الحوار : كاظم عكر
المصدر لبنان الجديد