نادين عبد الله / يظهر الحنين للماضى بشكل قوى فى الأحاديث اليومية للمواطنين كما فى مواقع التواصل الاجتماعى الافتراضية فيترحم الكثيرون على النظام القديم بل ويتمنون فوز رموزه فى أى انتخابات رئاسية قادمة. والحقيقة هى أن هذا الوضع رغم مأساويته ليس بغريب. فالأوضاع حاليا لا تسير للأحسن بالنسبة للمواطن العادى بل للأسوأ، وبلا أفق أو أمل فى التغيير.
والمتابع لعملية التحول الديمقراطى فى دول أوروبا الشرقية يعرف أنها شهدت موجتين رئيسيتين، واحدة ناجحة بدأت فى نهاية الثمانينيات فى بولندا ثم انتقلت إلى تشيكوسلوفاكيا والمجر، وأخرى متعثرة، بدأت مع الألفية الثانية فى صربيا، وأوكرانيا، وجورجيا، بل وعرفت أحيانا ارتدادا واضحا نحو السلطوية.
ورغم أنه لا أحد يتمنى أن يشهد فشل أول تجربة ديمقراطية فى مصر كما حدث سابقا فى بعض دول أوروبا الشرقية إلا أن النظام الإخوانى يسير فى هذا الاتجاه سيرا حثيثا. ولعلنا نتذكر فى هذا الصدد التجربة الأوكرانية البائسة التى دفعت مواطنيها دفعا لاختيار النظام القديم بعد فشل الجديد فى تحقيق أى إنجازات. فما إن وصل يوشينكو أول رئيس محسوب على المعارضة إلى السلطة فى 2004، حتى ارتكب أخطاء جسيمة جعلت الناس تترحم على أيام الرئيس السلطوى القديم، بل وتذهب لانتخابه راضية فى الانتخابات التالية فى 2010، أى أن الشعب ذهب إلى صناديق الاقتراع واختار بمحض إرادته العودة إلى النظام القديم الذى بدا لهم أكثر انضباطا من النظام الجديد رغم انتهاكاته الجسيمة.
وأحد أهم هذه الأخطاء التى ارتكبها يوشنكو تتعلق بتبديل الوجوه داخل أجهزة الدولة من دون تغيير قواعد العمل بداخلها. وبالتالى، فشلت الوجوه الجديدة وأيضاً لم تنجح مؤسسات سائرة على النهج القديم. فظل الجهاز الأمنى مثلا يسير على النهج السوفيتى القديم، أما النظام القضائى فبات بكل يسر تابعا للنظام الجديد بلا أى استقلالية. هذا بالإضافة إلى فشل نظام يوشنكو فى معالجة الفساد حتى وصلت أوكرانيا فى 2009 وفقا للوكالة الدولية لمكافحة الفساد إلى المرتبة 146 من أصل 180 دولة فى مؤشر الفساد. لذا أدرك الأوكرانيون أنهم أمام رئيس وحكومة بلا رؤية استراتيجية ولا قدرة على إعمال إصلاحات كانت ضرورة وليست رفاهية، فانفضوا عنه.
وفى هذا الإطار، ورغم الوضع الحرج، لا نلومن النظام الحالى على إرث دولة مبارك «الفاشلة» بل بالأحرى على اتباعهم نفس السياسات القديمة فى معالجة هذا الموروث المتفجر. فببساطة محاولة السيطرة على مؤسسات الدولة من دون إصلاحها لن تجدى لأنها باتت فى حالة انهيار أصبح واضحاً للعيان، كما أن محاولة إصلاحها بلا عقد تحالف موسع مع القوى السياسية والاجتماعية الأخرى لن تنجح لأنها ستدر حروبا لن يستطيع النظام الإخوانى تحملها بمفرده. أما اتباع نفس المسار التعيس فلن يعنى سوى دفع المصريين للتحسر على نظام كان قيد الانهيار بغية التخلص ممن اتخذ من الانهيار سبيلا ومنهجا. نعم، فقد حان وقت العمل لتقديم بديل يصدقه الناس ويلتفون حوله أملا فى حياة أفضل بدلا من الحنين إلى ماضٍ حزين.