%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF أوكرانيا

الحلم الروسي “من بطرس الأكبر إلى بوتين”..

 خالد ممدوح العزي / يسيطر الخطاب الديني على السياسية والساسة الروس الذين يقدمون أنفسهم كحماة للمذهب الأرثوذكسي في العالم، وربما يحاولون إحياء مفاهيم وأحلام خالد أوكرانياالقياصرة بالوصول للمياه الدافئة من خلال الطائفة الأرثوذكسية في الشرق والبلقان، ولكن بظل تطور المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط وسيطرة شبح الإرهاب الديني على المنطقة وظهور الرايات السوداء، وانتشار ثقافة قطع الرؤوس، قد سمح للروس بتقديم أنفسهم كحامية فعلية للأقليات التي تؤمن لهم موطئ قدم في الشرق، وتنفيذ حلم القياصرة التاريخي، وبخاصة بعد فشل سياستهم في الدول العربية ودعمهم لدكتاتوريات المنطقة المنتفضة بوجه حكامها وعدائهم المطلق للإسلام السياسي خوفا من انتقال عدوة الانتفاضة إلى مناطق روسيا الإسلامية متهمة هذه الحركات بأنها صناعة أمريكية وغربية، بالوقت التي تربطها علاقة مميزة مع جمهورية إيران الإسلامية التي تلتقي معها في دعمها للنظامين (السوري والعراقي).

فإذا كان التودد الروسي حاليا نحو شعوب البلقان من خلال طرح الحماية المذهبية لهذه الشعوب السلافية، وتقديم بعض المساعدات المالية لهم، بظل الانكماش التي تعاني منه أوروبا، فالوضع في الشرق يختلف لجهة العلاقة مع الأرثوذكس، فإذا كان القائمون على الطائفة الأرثوذكسية في سورية يرحبون بالحماية الروسية نتيجة علاقتهم الوطيدة مع النظام السوري، وبالرغم من الإخفاق الروسي ألواضح لجهة الإفراج عن الراهبين السوريين من الاحتجاز، والتي تثير شبهات كثيرة لعملية اختفائهم، لكن الوضع يختلف مع المرجعية الأرثوذكسية والمسيحية في لبنان ومع الكنسية نفسها وراعيها، فالطائفة بعيدة جدا عن ذلك.

لذا لم نر الود بين الطائفة بشخص مطرانها اليأس عودة الذي لم تربطه أي علاقة مع الروس سياسيا أو روحيا ومع بطريرك في موسكو، والعائلات الأرثوذكسية العريقة “ك_ التويني، المر، مجدلاني، وعودة وآخرون بسبب تموضعها السياسي ، والتي لم تشملهم زيارات الموفد الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين ميخائيل بغدانوف أثناء زيارته الماراثونية إلى لبنان، لان الروس يشكلون تحالفا سياسيا مع (إيران ونظام الأسد وحزب الله).

لكن السؤال الذي لم تجيب عليه موسكو حتى اليوم بالرغم من كونها تحاول إن تقدم نفسها حامية وراعية للأرثوذكس، وبالوقت التي هي على خلاف مع ثلاثة دول أرثوذكسية ومع كنائسهم وفي حالة  حرب معهم(أوكرانيا وجورجيا وملدوفيا) .

  تقوم الإستراتجية الروسية الجديدة على المصالح الاقتصادية التي تتطلب إعادة رسم الخارطة السياسة العالمية من خلال إعادة النفوذ بين العملاقين (الروسي-الأمريكي).

لذلك تعمل الدبلوماسية الروسية جاهدة على استعادة نفوذ روسيا القصيربة من خلال دغدغة الشعور القومي الروسي الداعم لهذا التوجه.

ومع انهيار الاتحاد السوفياتي،  تخلت روسيا الجديدة عن أصدقائها ومناطق نفوذها  الحيوية. لكن مع وصول الرئيس فلاديمير بوتين للسلطة والطامح لاستعادة النفوذ والهيبة المفقودة،  يحاول من خلال الخطاب الروسي الجديد إحياء حلم الإمبراطورية الذي لا يزال يراود كل روسي، فكيف أذا كان حلم القيصر الأحمر ؟ فالإمبراطورية لا تقوم على إلا مفهوم قومي وديني، والإمبراطورية كانت حامية المذهب والكنيسة الأرثوذكسية التي رفع لواءها القيصر بطرس الأكبر. فالكنيسة الروسية التي سادها الانقسام طوال الحكم الشيوعي سابقا وحده بوتين، وبات الخطاب السياسي لا يخلوا من دور الكنيسة واضحي الرئيس يحكم من خلال ثالوث (المال والكنيسة والمخابرات). 

وأن يخترع فكرة تلائم جديدها، بعد ثلاثة عقود على هذا الانهيار، ومخاضه المتعثر. فكانت تلك الأيديولوجية العجيبة المعجونة بعهدين متناقضين، هما مزيج مسطّح ومفرَّغ من الحمية “السوفياتية” والتبجيل “القيصري الأرثوذكسي” وبناء لذلك نرى الخطاب السياسي الروسي قائم على الشعارات الثلاث، (السوفياتية والقيصرية والارثوذكسية).

ومن هنا يمكن أن نرى عمق المصالح الروسية في المنطقة والتمترس بالورقة السورية باعتبار قاعدة طرطوس إستراتيجية لهم.

فالمواقف الروسية تقوم على المصالح الاقتصادية لذلك تستميت للدخول إلى المنطقة الدافئة لمَا تؤمن لها من مصالح كبيرة تتمحور بين ثلاثة اتجاهات:

1-العلاقة مع إيران وطرح نفسها حامية للأقليات في منطقة تشكل السنية أغلبية  كبيرة فيها، لمصالح نفطية وتسعى روسيا لاحتكار استخراجها من هذا الهلال النفطي.

2-وصول الروس لهذه المنطقة القريبة من اليونان وقبرص، وبظل الصراع التركي اليوناني ووجود بحر عائم من الغاز والنفط إضافة إلى سورية ولبنان.

3-وجود إسرائيل في المنطقة التي تتنافس روسيا مع أمريكا ودياً على حماية أمنها وبالوقت التي تستميت روسيا لإعادة جاليتها اليهودية التي فقدتها أبان انهيار الاتحاد السوفياتي، والتي يبلغ عددها أكثر من مليون ونصف مواطن بالإضافة إلى حقول الغاز المكتشفة عندهم. علاقة معقدة في هذه المنطقة المثلث المتخاصم والمشتعل بالعداء والتي تحاول روسيا أن تكون المركز له بسبب النفط والمصالح المالية التي تحاول تقديم نفسها كقوة عظمى في مجال الطاقة.

لكن يبقى السؤال ماذا بإمكان روسيا أن تقدم لسكان ودول هذه المنطقة لكي تمثل فيها نفوذا جيو-سياسيا، والمعروف بان الروس يأخذون لا يعطون. فالمنطقة يوجد فيها أكثر من لاعب والملاعب ليست فارغة بانتظار الروس، ولكن المشكلة بحال تغيرت قواعد اللعبة كيف سيتعامل الروس مع الشعوب العربية التي تحرق أعلامها في الساحات بعد أن كانت الأعلام الأمريكية هي التي تحرق.

فإذا رضيت (الطائفة الدرزية) في لبنان بحماية روسيا للأقليات ولها، نتيجة تدهور أحوال المنطقة وبسبب العلاقة التاريخية معهم ومع زعيمهم وليد جنبلاط، فهل يقبل أرثوذكس لبنان بهذه الحماية والابتعاد عن السنة والموارنة. وهل يحقق بوتين ما لم يحققه بطرس الأكبر.

 لكن، يبدو أن القيصر الأحمر، في حالة حرب سيطرة حقيقية ومهجوسة بينه وبين الغربَين الأميركي والأوروبي، إنما يسعى بذلك لإقناع مواطنيه بعظمة موقعه المنتفخ بالغرور القومي الأجوف، وهل سيكون ذلك تكرارا لتجارب سابقة فاشلة.

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …