كتاب بحثي يكشف المستور ويطرح الحلول
د. فؤاد خشيش/ اصبح اتجاه الاعلام في الوقت الحاضر للاعمال التكنولوجية الحديثة، بحيث انها بلا شك تتميز ببعض المزايا منها سرعة نقل البيانات، تعدد الاراء، وتوارد الافكار بين اكثر من ناشر، ناهيك عن ظهور قوانين الملكية الفكرية ، بلاضافة الى ذلك عدم وجود الرقابة القوية التي تمنع القرصنة الالكترونية ، ثم النشاط التي تقوم بها مجموعات ” الهاكرز” التي تلعب اليوم دوراً كبيراً في الدخول الى الشبكة العنكبوتية ، والى حسابات الشخصية ، او تمكنها من الولوج حتى الى المراكز الامنية للدول ، والحسابات الشخصية للافراد ( وهنا الامثلة كبيرة في الفترة الاخيرة ). وواضح ان الصراع قوي حتى بين الدول الكبرى اوحتى شبكات الانترنيت الكبرى ( غوغول ، تويتر …الخ).
وفي الفترات الاخيرة برز ما يسمى بـ” شبكات الاحتيال” على المواقع الالكترونية ،وهذه اخطر ما يمكن ان يكون،على صعيد تقديم الخدمات على انواعها ، وهنا يمكن للشخص الذي يستعمل شبكات النت ان يكون في بعض الاحوال فريسة سهلة اذا لم يتمع بالحصانة الذاتية، والانتباه الى كيفية استعمال المواقع الالكترونية على انواعها من اجل الحصول على المعلومة ، او في ادارة حسابه الشخصي ( فيس بوك ، تويتر..).
إن أحد أكثر التصورات الخاطئة لدى البعض عند الحديث عن التجارة الإلكترونية، يرتبط بمدى توفر عنصر الأمان عند وضع رقْم بطاقات الائتمان الخاصة بهم على الإنترنت، حيث إن هناك مبالغة في الاعتقاد بأن القيام بذلك ينطوي على مخاطرة كبيرة.
لقد فتحت تكنولوجيا الإعلام الجديد بابًا واسعًا لحرية الإعلام لا يمكن إغلاقه، ووسيلة سهلة لإيصال المعلومات ونشرها إلى جميع أطراف العالم بحيث أصبح السؤال المطروح حاليًّا هو: هل ستستفيد المجتمعات من هذه الفرصة، أم أنها ستَتيه تحت وطأة التردد والخوف من ذلك المسمى بـ “تكنولوجيا الإعلام الجديد”؟!
ساهمت شبكة الإنترنت في إيجاد شكل جديد من الإعلام عُرف في الأوساط الصحفية والعلمية بـ “الإعلام الجديد – New Media” أو الإعلام البديل، وتعدَّدت تصنيفاته بين مواقع إنترنت، ومجموعات بريدية، هذا بخلاف المدونين أو البلوغرز، والمنتديات الإلكترونية…. لقد ساهم هذا الإعلام في الآونة الأخيرة في جذْب الأنظار بعد تفجيره لعدد من القضايا أثارت الرأي العام، وأرغمت حكومات كثيرة في اتخاذ قرارات ضد رغبتها.
وكانت مساهمة الإعلام الإلكتروني في بلورة المبادرات تتلخص بشكل واضح بوجود عدد من العناصر منها على سبيل المثال لا الحصر :
– المناخ الأكثر حرية للتعبير والتشاور وتبادل المعرفة.
– المناخ الأكثر تفاعلية لإجراء العمليات الذكية المختلفة المساهمة في معالجة الأفكار، وتحويلها إلى مشاريع.
– المناخ الأكثر ثراءً لالتقاء أصحاب الخبرات بأصحاب المهارات، ومعهم أصحاب رأس المال، والمؤسسات الداعمة.
– الأدوات التقنية والمعارف النوعية في المجالات المختلفة.
– الكوادر البشرية المتخصصة والموهوبة وغيرهم.
وفي هذا السياق،يشير د. خضر درّة وهو خبير ومستشار انظمة معلوماتية في كتابه الذي صدر حديثاً تحت عنوان ” الجرائم المالية في الفضاء الالكتروني” الى ” وجود بطاقات الائتمان المصرفي ، ولصوص قواعد البيانات، وشركات الاستشارات المالية والبورصة الوهمية وعصابات التمويل الالكتروني ومكاتب السفر الوهمية.ان الجانب المظلم للفضاء الالكتروني cyber word يعج بالعقول الاجرامية من جميع الانواع ، بدءاً بتجار الاباحية مروراً بالنصابين،وانتهاءاً بكبار العقول في الاحتيال”.
ويعرض د. درّة في كتابه “توضيحاً شاملاً لجرائم الاحتيال الاقتصادي والمالي في الفضاء الالكتروني ، ويعرض الطرق والوسائل التي يجب على الحكومات اتباعها لمنع مثل هذه الجرائم بالاجراءات الوقائية اواكتشاف حدوثها وكيفية التصدي لها والتقليل من اثارها السلبية .”
يقول الباحث في الفصل الاول من الكتاب حول “النشاط المكثّف والمنظم للجريمة في الفضاء الالكتروني” ان استبيان اجري في العام 2001 قام به متخصصون في انظمة المعلوماتية بالولايات المتحدة الاميركية ان 70% من الجرائم التي ضبطت هي جرائم تمت باستخدام الحاسوب وخصوصاً الانترنيت،وانه عند عرض جرائم سرقات أجهزة الحاسوب والفيروسات بانواعها المختلفة ، فإن هذه النسبة تصل الى 90% حسب التقرير السنوي الخامس لمكتب التحقيقات الفدرالي(FBI) والمعهد الأمني للكومبيوتر وقد بلغ اجمالي المبالغ التي تم احتيالها الكترونياً بلغ 265 مليون دولار اميركي .
ومن جهة اخرى،بدأ ينمو نوع جديد من الابتزاز الالكتروني، تمثل بالتهديد بسرقات الكترونية تقوم في اثرها شركات الاعمال بدفع مبالغ كبيرة كفدية لمجرمي الفضائ الالكتروني بغية الاّ تتعرض اعمالها للتخريب أ او ان يستقيل موظف ما ويحمل معه شيفرة الولوج الى قواعد البيانات ليعود ويطالب بفدية كبيرة مقابل تسليم تلك الشيفرة وعدم بيعها لشركة منافسة .
ويتطرق د. درّة في كتابه الى مسألة مهمة وخطيرةوهي عمليات غسل الاموال حيث يشير الى ان المجرمون يقومون بهذه العملية عن طريق اخفاء وتمويه مصدر تلك الاموال( مثلاً النقدية” غير الشرعية”)كعائدات بيع المخدرات والاسلحة، غير النظامية والرشى وعائدات الربح غير المشروع بتحويلها الى عقارات وأصول ثابتة ومتحركة كالعقارات والسيارات والمصانع ليسهل بعد ذلك بيعها وايداع عائداتها المالية في المصارف النظامية. ويشير د. درّة الى ان عملية غسل الاموال تحدث عادة في الدول التي لديها اقتصاد ونظام مالي مستقران وليس لديها انظمة وقوانين لمكافحة وتجريم غسل الاموال . وان التأثير في التنمية الاقتصادية لهذه العملية يكون جداً سلبياً ما لم يتم التعامل معها بشكل جريء وحقيقي.
ويشير الباحث في الفصل الثالث وتحت عنوان ” التحايل والاحتيال الدولي” الى مجموعة من الطرق التي يتم فيها هذا النوع وابرزها “احتيال التسوق عبر الهاتف”، ويعرف بانه وسيلة الاتصال المستخدمة لارتكاب عملية الاحتيال والايقاع بالضحايا لتحقيق مكاسب مالية غير شرعية وتتم عملية التسوق عبر الهاتف بواسطة افراد ، او مراكز اتصال كبيرة او مكاتب تم تأسيسها وتزويدها قواعد بيانات هواتف العملاء . وهناك “اليانصيب التجميعي” وهو نوع من انواع اليانصيب تكون فيه الجائزة من الاموال المدفوعة من قبل المشاركين.
وعن مواقع التواصل الاجتماعي يشير الى ظهور نوع من الهندسة يطلق عليها اسم الهندسة الاجتماعية وهي علم نما وتطور نتيجة ضغوط من مختلف المصادر القانونية كالجهات الامنية في الحكومات او من جهات غير قانوية كالجريمة المنظمة بغية الحصول على معلومات من الضحية باساليب انتحال الشخصية او عن طريق اكتساب ثقة الضحية بشكل تدريجي وتجميع المعلومات التي تساهم في الوصول الى الهدف المنشود. ومن هنا يدعو الباحث الى عدم نشر معلومات شخصية كثيرة ومحاولة التقليل من نشر الصور الشخصية عبر الانترنت وفي المواقع الاجتماعية للتقليل من اساءة استخدامها من قبل المحتالين .
ويتحدث د. درّة عن دور البورصات الوهمية كون البورصة تعد مقياساً لدرجة حرارة الاقتصاد حيث تتضمن العمليات والصفقات المعقودة هامشاً من المخاطرة لا يستهان به، وهناك بعض الصحف تروج الاشاعات وبث الاخبار غير الصادقة لمصلحة اناس محددين لذلك يجب التدقيق في مصداقية من ينقل الخبر.
ويشير الخبير د. درّة في كتابه في الفصل التاسع الى “البعد القانوني لجرائم الفضاء الالكتروني” الى ان هناك ثمة تباين كبير بشان المصطلحات المستخدمة للدلالة على الظاهرة الجرمية الناشئة في بيئة المعلوماتية ولاحقاً بيئة الاتصالات .
ان طبيعة وابعاد ظاهرة جرائم الكومبيوتر ولا سيما في ظل تطورها وتطور انماطها يوماً بعد يوم مع تطور استخدام الشبكات وما اتاحه الانترنت من فرص جديدة لارتكابها وخلقت انماطاً مستجدة لها يشير الى تميزها في احكام لا توفرها النظريات القائمة ، تحديداً مسائل محل الاعتداءات والسلوكيات المادية المتصلة بارتكاب الجرم.
تبقى الاشارة الى ان كتاب د. خضر درّة يعد بمثابة مرجع علمي لكل الباحثين في عالم الجريمة الالكترونية كونه يضع كما يقال “الاصبع على الجرح” وبالتاي هو مكتوب بلغة سهلة ويمكن اعتباره ايضاً بمثابة كتاب تدريسي للمبتدئين في عالم الصحافة الالكترونية .