محمد العروقي/ منذ نعومة اظافري كنت اشعر ان طالب الثانوية العامة (التوجيهي)، حقق إنجازا يضاهي انجاز يوري جاجارين رائد الفضاء السوفياتي كأول شخص يصل الى الفضاء الخارجي ، كنت اعتقد انه لا علم ولا جامعات بعد التوجيهي، أراقب بالفطرة كما يفعل الاخرين نتائج التوجيهي عبر الإذاعات المصرية، او أوراق النتيجة التي تعلق على حائط كل مدرسة، مع انني في تلك الفترة لم اتجاوز العاشرة من عمري او المرحلة الابتدائية.
ذات مرة في لقاء تلفزيوني سألوا أحد الأدباء والحاصل على العديد من شهادات الدكتوراه، ما هو أصعب موقف علمي واجهته في حياتك؟ أجاب امتحانات الثانوية العامة.
حلويات والعاب نارية وزغاريد الأمهات تنظلق بالاحياء و الازقة ، بالمقابل حالات من الإنتحار و الإغماء و الإصابات و الضرب و العقاب في مناطق و ازقة أخرى ، ذاك ناجح رفع الراس ، و (ذاك فاشل خزانا لعنه الله).
هذه هي العقيدة التي ورثناها منذ طفولتنا ممن سبقنا بمعني و مفهوم التوجيهي و كانك مقبل على ضربة حظ مابين الصعود للجنة او الهبوط في جهنم .
بالطبع كلها مفاهيم خاطئة ورثت حالة نفسية مصحوبة من الارتياب و الرعب و الخوف لدى الطلبة بداية من المتفوقين المتميزين حتى أصحاب المستوى الضعيف ، منهاج التوجيهي لايختلف عما قبله من مواد دراسية و عملية تم دراستها في السنين التي سبقت التوجيهي ، و لكن الماخذ انها السنة الأخيرة و الاهتمام الزائد بها ولد الرعب لدى الطلبة و الأهالي لتجد في بعض الأحيان ان كثيرا من المتفوقين يرسبون بسبب ذلك الرعب و التوتر النفسي و اختلاط الفكر .
من هنا يجب إيصال تلك الفكرة للطالب و إقناعه بها ان امتحانات التوجيهي ماهي الا امتحانات سنوية مثل أي سنة دراسية سابقة ، وهذا بحد ذاته يتطلب جهدا من وزارة التربية و التعليم بوضع برنامج يريح الطالب نفسيا و لا يشعر بهذا الرعب و تلك الضغوط ، هذا الجهد يتطلب خبراء في علم النفس و السلوكيات في كيفية تحديد الآليات ، من باب العطف على أبنائنا الطلبة خوفا عليهم من الانتحار و التوتر.
و لكن يبقى السؤال الأهم ماذا بعد التوجيهي؟ و ماذا بعد أسبوع من انتهاء الفرح و الزغاريد؟ الى اين الواجهة؟
كثيرون هم متفوقون و لم يستطيعوا اكمال مسيرتهم التعليمية لأسباب مادية او علمية او اجتماعية، و كثيرون كانوا أصحاب مستوى ضعيف جدا و عادوا من جامعاتهم أطباء و حاملي شهادات عليا.
و على سبيل المثال عندما يحصل طالب على 99% و لا يستطيع دخول الجامعة بسبب وضعه المادي، وآخر يحصل على 55% و يسافر أوروبا و يصبح طبيبا، اذن المقياس ليس التوجيهي لتكملة التحصيل العلمي بل هي عدة عوامل مشتركة قد تساهم في اكمال المسيرة التعليمية و أخرى قد توقف قطار التعليم.
مرة أخرى على المسؤولين و ذووى الاختصاص الرحمة و الشفقة في جمهور طلابنا حتى لانسمع عن كوارث انتحار و عقاب في شباب و شابات بمقتبل العمر حرمتهم نتيجة التوجيهي من الحياة و حنان الأهل.