التدخل المناسب في أوكرانيا
2 أغسطس, 2015
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
كارل بيلت
ستوكهولم- من الواضح أن الدراما اليونانية الجارية استأثرت باهتمام أوروبا والعالم، ولكن الأزمة الكبرى في شرق أوروبا تظل قائمة. فما تزال أوكرانيا تحت الاحتلال الجزئي للانفصاليين الذين يحظون بدعم روسي، وما يزال القتال المتقطع جارياً رغم اتفاق مينسك الثاني لوقف إطلاق النار.
يؤكد القتال المتقطع في منطقة دونباس بأوكرانيا، منذ التوقيع على اتفاق مينسك في شباط (فبراير)، أمرا واحدا واضحا. إذا كانت روسيا جادة في البحث عن حل للصراع، فينبغي لها أن تكون على استعداد لتأييد نشر بعثة وقوة دولية لحفظ السلام. ومن الممكن أن تبدأ مثل هذه البعثة عملية إعادة تأهيل للمنطقة، فتسمح للنازحين نتيجة أعمال العنف بالعودة، وتسهل عملية إعادة إدماج منطقة الدونباس في أوكرانيا، مع الضمانات المناسبة وتفويض السلطات والصلاحيات.
ولدينا نموذج مفيد لهذا النهج. فقبل عقدين من الزمن، كان المجتمع الدولي على وشك دخول المرحلة النهائية من الجهود الرامية إلى تأمين السلام في البوسنة. ولكن، كانت هناك أيضاً بعض الصراعات العالقة في كرواتيا، وخاصة في منطقة سلوفانيا الشرقية المجاورة لصربيا.
كانت الهجمات العسكرية الكرواتية، أولاً في أوائل أيار (مايو) 1995، ثم في أوائل آب (أغسطس)، قد استردت ثلاثة من أصل أربعة قطاعات خاضعة لحماية الأمم المتحدة من سيطرة الانفصاليين الصرب. ولكن المنطقة الأكثر أهمية، القطاع الشرقي في سلافونيا، ظلت تحت السيطرة الصارمة للصرب. وكما هي حال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بشأن القضية الأوكرانية اليوم، أصر الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش آنذاك على أن القضية لا يمكن أن تحل إلا من خلال المحادثات بين الانفصاليين الصرب والحكومة الكرواتية في زغرب.
كانت الحقيقة بطبيعة الحال هي أن الانفصاليين الصرب كانوا يعتمدون كلياً على دعم صربيا السياسي والعسكري والاقتصادي بقيادة ميلوسيفيتش. وفي النهاية، وافق ميلوسيفيتش على نشر بعثة وقوة الأمم المتحدة، التي أسندت إليها مهمة نزع سلاح المنطقة وإعادتها إلى السيادة الكرواتية، بعد فرض الضمانات اللازمة للصرب الذين يعيشون هناك.
اليوم، أصبحت إدارة الأمم المتحدة الانتقالية لسلافونيا الشرقية، وبارانيا، وسرميوم الغربية في طي النسيان تقريبا -ليس لأنها فشلت، بل لأنها نجحت. ولم يتم التوصل إلى حل لكل القضايا في سلافونيا الشرقية في ذلك الحين أو في السنوات التالية بكل تأكيد؛ ولكن لم يعد هناك صراع، والآن تتمتع كرواتيا وصربيا بعلاقات ثنائية بنّاءة.
من الممكن أن يصلح هذا كنموذج للمناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين في منطقة دونباس إذا توفرت الإرادة السياسية لإنجاح مثل هذا الترتيب. ولكن هل الكرملين جاد بشأن الاعتراف بسيادة أوكرانيا في منطقة دونباس واستئناف العلاقات الطبيعية مع الغرب؟
في الوقت الحالي، أشك في ذلك بقوة. ويجدر بنا أن نضع في الاعتبار أن روسيا دفعت كل خطوة نحو التصعيد في هذا الصراع -بما في ذلك إنشاء الجيوب الانفصالية. ويبدو أن الكرملين ينتظر سقوط حكومة الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو وانقسام الغرب حول هذه القضية وتوقفه عن الاهتمام بالتوصل إلى حل لها. وربما يصبح بوتن عند تلك النقطة مستعداً للتحرك ضد أوكرانيا لتأمين النتائج التي يرجوها في الأمد البعيد.
ولكن إذا ظلت مواقف حكومة أوكرانيا والغرب موحدة، فربما يدرك الكرملين أن جيوبه في دونباس تمثل تهديداً لروسيا ذاتها في الأساس. فالحقيقة المريرة هي أن الجيوب الانفصالية تعيش حالة من السقوط الاقتصادي الحر، وأصبحت مجتمعاتها خارجة على القانون بشكل متزايد. والآن أصبحت منطقة دونباس مهددة بالتحول إلى كابوس لا يرغب أحد في تحمل المسؤولية عنه. وربما يبدأ قادة روسيا مع تزايد هذا الأمر وضوحاً في تصور حل للمنطقة على غرار إدارة الأمم المتحدة الانتقالية لسلافونيا الشرقية، وبارانيا، وسرميوم الغربية.
في غياب أي ترتيب آخر، سوف يضطر الكرملين إلى اللجوء إلى هذا الحل على وجه التحديد. والواقع أن مبدأ وزير الخارجية الأميركي السابق كولين باول -“ما دمت قد كسرتها فهي ملك لك”- ينطبق على تدخل بوتن في أوكرانيا بقدر ما ينطبق على مغامرة جورج دبليو بوش المشؤومة في العراق.
هناك بكل تأكيد قضايا بالغة الصعوبة ولابد من تسويتها قبل أن يتسنى لبعثة حفظ السلام الذهاب إلى دونباس، وخاصة تشكيل القوة الواجب نشرها هناك وتفويضها رسمياً بذلك. ولكن مرة أخرى، إذا كانت الإرادة متوفرة فلن تكون مثل هذه القضايا مستعصية على الحل.
من الممكن أن تعمل هذه البعثة بعد ذلك على ضمان التنفيذ الحقيقي لبنود اتفاق مينسك الثاني السياسية. فمن غير الممكن على الإطلاق أن يتم عقد انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة كل النازحين واللاجئين من دون تواجد دولي كبير.
اليوم، من المؤكد أن مثل هذه الفكرة قد تولد ميتة. ولكن كذلك كانت حال بعثة إدارة الأمم المتحدة الانتقالية لسلافونيا الشرقية، وبارانيا، وسرميوم الغربية في المناقشات المبكرة بشأن سلافونيا الشرقية. وكان نظام ميلوسيفيتش آنذاك يظهر بالمظهر نفسه الذي يبدو عليه الكرملين اليوم. ولكن غداً يوم آخر حقا، ومن المؤكد أنه ليس من السابق للأوان أن نبدأ استكشاف الخيارات التي لا تَعِد بإدارة الصراع فحسب، بل وحله أيضا.
قد يكون النجاح من نصيب مثل هذا التدخل -ولكن ذلك لن يتسنى أبداً ما لم يكن الجانبان راغبين حقاً في التوصل إلى حل. ونحن لم نبلغ هذه المرحلة بعد. ولكن إذا وقفت أوكرانيا ووقف الغرب بثبات وحزم وبدأ التحرك الحقيقي لمنع المزيد من الجهود الروسية الرامية إلى زعزعة الاستقرار، فقد يأتي ذلك اليوم. وينبغي لنا أن نكون مستعدين.
نقلا عن الغد