كاظم فنجان الحمامي / من غرائب الأمور وعجائب الدهور والعصور, أننا وعلى الرغم من مطالباتنا الحثيثة بإرساء قواعد السلطة البحرية العراقية المفقودة, وعلى الرغم من نداءاتنا المتكررة, وصيحاتنا الوطنية المدوية في الصحف والفضائيات والمؤتمرات والندوات, وعلى الرغم من انفراد العراق من بين أقطار السماوات والأرض بغياب سلطته البحرية, وعلى الرغم من قيامنا بإعداد مسودة قانونها المقترح, وعلى الرغم من قيامنا بتقديم عشرات النسخ من تلك المسودة إلى البرلمان, إلا أننا لم نر أي ومضة نور في نهاية هذا النفق المظلم.
ونحن إذ نعيد كتابة هذا الموضوع بأسلوب مختصر, فإنما نكتبه من باب (حتى لا ننسى), ونكتبه لكي يطلع عليه أعضاء مجلس محافظة البصرة, ولكي يتابعه مدراء مؤسساتنا البحرية المتمركزة في البصرة, ولكي يتفرج عليه مدراء مؤسساتنا البحرية المتبغددة في بغداد, فالسلطة البحرية يا جماعة الخير تعد مطلباً أساسياً, وهدفاً منشوداً تسعى لتحقيقه الأقطار المينائية الساعية نحو الارتقاء بمستوى أنشطتها البحرية, والحريصة على إرساء السياقات الصحيحة, والمتابعة للتطورات العالمية في مضمار التنافس البحري المفتوح.
نأمل أن تتحمس مؤسساتنا الوطنية المعنية بهذا الأمر, فتنهض من سباتها من أجل تفعيل هذا المشروع وإخراجه إلى حيز التنفيذ, ونحن على أتم الاستعداد لتزويدهم بالصياغة الابتدائية لمسودة قانون السلطة البحرية العراقية, التي كتبناها على غرار قوانين السلطات البحرية العربية, المعتمدة منذ زمن بعيد في تشريعاتها المحلية.
أن طريق الألف خطوة يبدأ بخطوة، فما بالك إذا علمت أن هذه الخطوة تأخرت منذ أكثر من نصف قرن, ولم تر النور حتى يومنا هذا, وما بالك إذا علمت أن هذه الخطوة ينبغي أن تكون مدروسة بعناية, وتستدعي التسلح بالعلوم والمعارف، وتتطلب تبني القرارات القوية الجريئة لتهيئة البيئة المثالية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع, وتوفير مستلزمات الاستعداد الكامل, الذي يسمح بالتأهيل الدولي.
يفترض بنا مواصلة المطالبة باستحقاقاتنا البحرية, نحو إقرار فكرة المشروع الرامية إلى تأسيس كيان السلطة البحرية العراقية على وفق الأسس العلمية الصحيحة.
مما لا خلاف عليه أن سلطتنا البحرية الغائبة, هي التي ينبغي أن تناط بها مهمة تحقيق شروط وتوصيات المنظمة البحرية الدولية, وهي التي ينبغي أن تتولى تطبيق معايير الأمن البحري على السفن والموانئ, وهي التي يتعين عليها تعظيم فرص الاستثمار في صناعة النقل البحري, وتشجيع امتلاك وتشغيل السفن التجارية بالاتجاه, الذي يشكل مردودا اقتصاديا كبيرا للعراق, وهي التي ينبغي أن تعنى بفرض القوانين البحرية النافدة, وتعنى بنشر الوعي البحري, وتواكب القفزات النوعية الهائلة المتحققة في المضمار البحري العالمي, وتضمن للعراق إحراز مكانته الدولية المرموقة في المحافل البحرية العالمية, وتضمن تحقيق الانجازات المترتبة على الانضمام إلى القائمة البحرية البيضاء, وتنهض بتطوير القوى العاملة في قطاع النقل البحري, وتدعم تطلعاتنا الحضارية على الخارطة البحرية الدولية.
فمتى تلتفت مؤسساتنا البحرية لهذا الفراغ البحري الهائل ؟, وما الذي يمنعها من تأسيس هذا الكيان الوطني السيادي ؟. هذه الأسئلة نوجهها إلى أعضاء مجلس محافظة البصرة, المدينة المينائية التي تنازلت بمحض إرادتها عن استحقاقاتها البحرية منذ زمن بعيد.