كتب الكاتب والصحافي عثمان بدر :
محمد عمر سعيد لوباني(ابو عمر) ,فلسطيني الجنسية,اربعيني العمر,رب لعائلة مؤلفة من ثمانية افراد واولاده الستة لم يتجاوزوا مرحلة الطفولة,كغيره من الفلسطينيين المقيمين في لبنان المحرومين من مزوالة اكثر من سبعين مهنة وحرفة يسعى الى تأمين قوت عياله بشتى الوسائل والسبل ولو على حساب راحته الشخصية,يعمل نهاراً في محطة لبيع المحروقات براتب يكاد لا يكفي لسد احتياجات طفل واحد,مما يضطره ان يعمل ليلاً كسائق لسيارة أجرة….
وفي التفاصيل ان (ابو عمر) خرج من منزله في اليوم الثاني من ايام عيد الاضحى المبارك في ساعات الليل الاولى في محاولة منه لتأمين مصاريف “العيد” وتجاوز الاعباء المترتبة عليه…
(خرج ابو عمر ولم يعد)….انتصفت النهار والاولاد في الانتظار علّ والدهم يعود وفي يده ولو كيلو واحد من اللحم الطري والشهي او من الحلوى ليشعروا بمتعة العيد ويسدوا جوعهم الذي يكاد يفتت الاحشاء…مالت الشمس نحو المغيب ولم يعد الى منزله فساد بعض التوتر والوجوم على العائلة…هاتفه النقّال مغلق وليس في الخدمة…عشرات محاولات الاتصال لم تجدِ نفعاً…تحوّل التوتر الى قلق والوجوم الى حزن…كم تمنت زوجه واطفاله لو بقي بينهم رغم جوعهم وحاجتهم الماسّة للمال في هذا اليوم المبارك تحديداً….
العائلة والاهل والاقرباء والانسباء والجيران منشغلون في البحث عن “ابي عمر” يبحثون في كل مكان …ساعات من الانتظار الطويل والمقيت والممل والقاتل فاذا بخبر ينزل على الرؤوس كالصاعقة او اشد وطأة…
ف”ابو عمر” تعرّض لحادث سير مؤسف اودى بحياته….لا احد غير الله يعلم ما الذي حدث بالضبط…سيارته مركونة على طرف الشارع الرئيس ولم تمس بسوء او باذى…تعدّدت الروايات ولكن النتيجة واحدة وهي انه تعرّض للدهس من قيل اكثر من سيارة والية حتى ان اوصاله تقطّعت وبترت ساقه….
جرى نقله الى اقرب مستشفيات المنطقة وهو مستشفى “سيدة المعونات” في جبيل…قيل وعلى ذمة ادارة المشفى انه وصل اليها حيّاً وانهم حاولوا جهدهم اسعافه واجراء ما يلزم غير ان قضاء الله نافذ وقد فارق الحياة….
وبموت “ابو عمر” بدأت قصته…فادارة المستشفى رفضت الافراج عن “جثثه” الا بعد دفع مبلغ 24 مليون ليرة لبنانية( حوالي 17 ألف دولار أمريكي) كبدل علاج…يا الله كم هو الانسان في لبنان رخيص ولكن ترتفع قيمته المالية في المستشفيات وعند تلقي العلاج…ليس من شكٍ ان المبلغ المطلوب مبالغ به وتمت مضاعفته عشرات المرّات….والعائلة لا تملك من المبلغ المطلوب مائة دولار واحدة…وادارة المستشفى مصرّة على دفع المبلغ و “ابو عمر” يقبع في ثلاجة المستشفى ك”ميت مع وقف التنفيذ”…!!
فاي انسانية هذه التي تتمتع بها غالبية المستشفيات في لبنان والتي يطغى عليها الطابع التجاري…!!؟؟
لك ولنا الله يا ابا عمر….!!
ف”الانروا” لا تغطي نفقات حوادث السير…!!
والفصائل الفلسطينية تعاني الافلاس السياسي والتنظيمي والمالي ولا قدرة لها على تأمين المبلغ المطلوب…!!
واللجان الشعبية تعاني من عقم لا بل عجز طال جميع اعضائها ومفاصلها….!!
والانسانية في ثلاجة الموتى….!!
فيما مضى كنا ندعو الله ان يفك اسر الاحياء…اما ندعو الله ان يفك اسرك وانت ميت ايها اللاجيء الممنوع حتى من حق الدفن…!!