د. خالد العزي / لقد اضحت وسائل الاعلام المرئية اكثر من مجرد كونها بيئة او نوع من الفضاء المفتوح الذي يسمح لتنافس الافكار وعرض الصور والآراء وانتزاع المواقف من اصحاب الراي وعرض المواضيع المدعمة بالمعلومات والحقائق التي تفرض على الاعلامي البحث والتنقيب للوصول الى الهدف من خلال الكشف عن المعلومات لعرض الحقائق.
لقد استغرب جميع اللبنانيين من عدم إثارة ضجةٍ إعلامية حول بناء جدارٍ أمام البرلمان اللبناني، ولم تقوم المحطات المحلية بتغطية الحدث وتسليط الضواء عليه كما يجب ، هذا الجدار الذي يفصل بين الشعب وممثلّيه. لا ينفصل تاريخ الجدران والحواجز، عن تاريخ البشرية، بشكل عام، إذْ أخذت هذه العوازل منذ القِدَم طابعاً دفاعياً وعسكرياً. والأكيد، كما يؤكّد المؤرِّخون، أنّ اللجوء إلى هذه “الاستراتيجية الدفاعية” إنّما تنتج دائماً، عن فشلٍ سياسي في تأمين السلم والأمن بين طرفيْن متجاوريْن متنازعيْن. الغريب والمعيب في حالتنا، هو أنّ التاريخ لم يعرف جداراً بين هذه الجدران بناهُ نظامٌ ما، ليفصل بين السلطة الحاكمة (في هذا النظام) وشعبها، إذن، سلطتنا اللبنانية تُقرّ (من دون قصد) أنّها عدوّة شعبها.
أمّا الإعلام المرئي الذي بات بعيدا عن الانتفاضة ، فيبدو أنّه اعتبر ما جرى، دفاعَ الرمَق الأخير لشخص يحتضر، أي، ما يشبه المحاولات المتكرّرة لطبيبٍ يحاول، عبر الصعْق الكهربائي، أن يعيد نبض الحياة إلى ميْت، وأخلاقياً تعرفون أنّ الضرب في الميْت حرام.
لقد عادت وسائل الإعلام المرئي التي رافقت الثورة في بداياتها ، للتموضع في مواقعها الطبيعية بجانب السلطة التي منحتها التراخيص على اساس المحاصصة والتوزيع الطائفي والمذهبي وفتحت شاشاتها لرموز الفساد والنهب ، بالتأكيد مقابل اجور تتقاضاها كحصة لها من المال المنهوب .
حيث بات الهواء مفتوحا للطبقة السياسية من قبل الاعلامين في برامجهم وتهجمهم على الثوار والثورة بحجة الراي والراي الاخر .
لقد شاهد اللبناني والعربي المتابع للمحطات اللبنانية البرامج التلفزيونية في حملات التبرع من قبل الفاسدين العابثين بالأموال العامة للمؤسسات التي تعنى بمرضى” الكورونا” في عملية كرنفاليه بحتة يراد من خلالها المزايدة على الثورة في محاولة لتبيض صورة هؤلاء السياسيين واصحاب الاموال .بالوقت الذي يعيش لبنان وشعبه المسحوق المنهوب ابشع الايام بسبب الانهيار الاقتصادي والشلل الاداري التي تمارسه حكومة المستشارين ، بالإضافة الى عواقب سيطرت فيروس الكورونا.
هنا لا يمكن مقارنة المقارن بين الاعلام المرئي والاعلام الالكتروني حيث بات الاعلام المرئي يخضع لسيطرة راس المال والسياسيين في لبنان ، مما بات يفرض على الجمهور اعلامين وبرامج ومراسلين تناسب الطبقة السياسية الحاكمة، وتعمل على خدمتها وتلميع صورتها المشوهة بسبب الفساد، والمحاصصة المذهبية التي وقفت الثورة بوجهها، واستطاعت تعريتها بكل وضوح خلال نصف عام من التظاهر والاعتراض في الساحات العامة ، وهذه الطبقة واعلامها المهجن لم يستطيع الإجابة على سؤال واحد ومشروع من اسئلة الجمهور العام الذي ثار على هذه السلطة.
فالصحافة الالكترونية على شبكات الانترنت قد اضحت احد اهم منتجات ثورة التكنولوجيا والاتصالات والتقنيات الحديثة، والتطبيقات التي صاحبتها ، حيث انعكس اثارها على الاعلام بشكل عام والمرئي بشكل خاص.
اما الاعلام الحر لقد بات القبلة الفعلية للثوار والمعترضين والذي لا يستطيع احد من حصره والسيطرة عليه بالرغم من الاستدعاءات الدائمة من قبل المختصين الذين يلاحقون الثوار ومنشوراتهم وتغطيتهم للإحداث المنتشرة، لان منصات التواصل الاجتماعية المختلفة وميكروسوفت وغوغل لايزالون يسمحون بحرية التعبير والسماح بنشر المعلومة والحدث ، لأي شخص كان صحافي او كاتب او مواطن .
ومن هنا نرى بان الصحافي الالكتروني بات متخصصا وممارسا ومتدربا على استخدام الوسائل المتعددة التي تنتجها الصحافة حيث باتت مواضيعه هي من الكم الهائل الذي ينشر على هذه الوسائل والتطبيقات من معلومات وحقائق واخبار ،مما فرض عليه البحث عن مصادرها والتأكد من صحتها واجراء تحليل وربط للأحداث التي يريد المتابع معرفتها ، لان المتابع اصبح يتابع الخبر بنفسه لكن ما ينقصه هو معرفة ما وراء الخبر، مما اجبر صحافي الانترنت التكيف مع هذه العملية الصحفية الجديدة التي تتطلب تقنية علية في تجميع المعلومات وتحليلها ..
على الثورة والثوار الانتقال الكامل الى وسائل التواصل الاجتماعي بكافة اشكالها واستخدامها وبكثافة لنقل اخبار وصور الثورة ، لمتابعة وفضح هذه الطبقة العاجزة من تقديم الحلول المشروعة لهؤلاء الغاضبون، مما ينذر بتشدد المتظاهرين وزيادة الاعداد التي ستكون طلائع الاعتراض القادم فور توقف الكورونا.