%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A71 أوكرانيا

الاستقلال حلم الشعب الاوكراني ؟؟؟

د.خالد ممدوح العزي / الاستقلال حلم يراود كل امة ! وحق مشروع لكل الامم في تقرير مصيرها ؟ لكن خالد أوكرانياعندما تختلط المصالح الاقتصادية بالتطرف بالصراع الجيو-سياسي في اوكرانيا يصبح الحلم صعب و تختلط الاوراق جميعها ، رغما عن ارادة الشعوب في تقرير مصيرها ، وهذا المصير لم يحدد للشعب الاوكراني الذي اعلن استقلاله عن “الاتحاد السوفياتي” في 24 اب\اغسطس عام 1991 من اجل بناء وطنه القومي ودولته المستقلة ،فكانت الثورة الثانية عام 2005 ، والتي اطلق عليها الثورة البرتقالية التي كانت امل الشعب المتعطش للحرية والانفتاح.لكن الصراعات الداخلية انهت هذا الامل ، فكانت الثورة الثالثة ضد الزرق بسبب الرشوة والفساد والخوف على ثورة الشعب الذي سرقتها مجموعات وقوى لصالحها عندها ثار الشعب  من جديد، من اجل التغير، فكان شعاره لا للغارشية ولا للتطرف، لكن التطرف والالغارشية سيطرة من جديد على حلم الشعب الاوكراني . هذه المرة لم تكن ثورة عادية بل تصفية حسابات وصراعات داخلية ارتبطت بالصراع الجيو- سياسي والحرب بين العملاقين “روسيا وأمريكا ” . لكن الذكرى 22 للاستقلال   الاوكراني تطل  هذه المرة على الشعب بانقسام عمودي وافقي وحرب اهلية في مناطق الشرق الذي اصبح الدم والقتل لغة الحياة بظل غياب لغة الحوار .

يعود تاريخ الازمة الحالية في اوكرانيا الى فترة ما بين عامي 1991-1998، والى فقدان سيطرة روسيا على السكان من ذوي الاثنية الروسية. ففي حالة بلاد البلطيق والقوقاز وآسيا الوسطى، والتي تعتبر مناطق اكثرية سكانها من غير الروس ، ويمكن اعتبار الانحسار الروسي كتراجع امبريالي او انهاء لحالة الاستعمار. وفي حالة روسيا البيضاء وأوكرانيا والنصف الشمالي لكازاخستان، فقدت روسيا جزءا من منطقة سيطرتها التقليدية. ولم يكن لروسيا البيضاء قط كيان الدولة المستقلة وكذلك الامر بالنسبة الى شمال كازاخستان، وفي هاتين الحالتين يمكن اعتبار السيطرة الروسية كنتيجة غربية لفوضى تحتدم حدودا صنعها الاتحاد السوفياتي.

فالغرب توقع لأوكرانيا ان انفصالا نهائيا لم يكن واقعيا، فالمفكر الاميركي صموئيل هانتغتون في كتابه الصادر عام 1999 تحت عنوان «صراع الحضارات» كان اكثر قرابة من الحقيقة عندما يؤكد ان اوكرانيا سوف تعود مستقبلا الى الفلك الروسي وعلى ذلك لا نقبل منه النتائج والثوابت الدينية المرتكز اليها في تحليله لأوكرانيا كثوابت تاريخية كثيفة بعكس الكاتب والمفكر الاميركي الخبير بالشؤون الدولية زبيغنيو بريجينسكي في كتابه الصادر عام 1999 تحت عنوان» رقعة الشطرنج الكبرى» الذي يؤكد ان اوكرانيا انتزعت من روسيا نهائيا بفضل التغييرات الاقتصادية والجيو- سياسية.

ولكن من وجهة نظر اوكرانيا ، ان التجديد دائما من روسيا ، ونحن هنا امام ثابت تاريخي ، فالثورة البولشفية ولدت في روسيا، وتحديدا في قسمها المسيطر تاريخيا فضاء واسعا يحيط بمحور موسكو- بطرسبورغ . هنالك ولدت الدولة الروسية وهناك انطلقت الموجات التحديثية من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين، وهناك ايضا تم الاختراق الليبرالي في التسعينيات . وبدأ في موسكو تقويض الشيوعية والموجة والاصلاحية المستمرة حتى يومنا هذا، بينما لا تستطيع اوكرانيا المفصولة عن روسيا ان تمضي ببطء في طريق الاصلاح مهما كان الهيجان الايديولوجي واللفظي لصندوق النقد الدولي .

فرغم الحالة التي تعيشها اوكرانيا وعايشتها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وابتعادها عن روسيا طوال السنوات الماضية على الرغم من وصول البرتقاليين الى السلطة لكن الاقتصاد الاوكراني مازال يعاني من عجز كبير جدا في الموازنة، وبظل ابتعاد الغرب عنها وعدم مساعدتها الفعلية من قبل صندوق النقد الدولي ما ادى الى الانهيار السريع لاقتصادها ووضع كييف في موقف حرج وصعب في قمة «فيلنوس الليتوانية» في 27- 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ابان توقيع الشراكة المشرقية التي رفضتها كييف بالرغم من كونها كانت مطلبا شعبيا وقوميا ورضخت لابتزاز موسكو المنطقية التي لا يمكنها الانفصال عن هذه المطالب. اختارت كييف مجددا العودة إلى خط روسيا لعدم الاستطاعة الفعلية الخروج عن هذا الخط الاصلاحي الذي يساعد اوكرانيا لاحقا على تحسين وضعها الاقتصادي الذي يساهم فعليا باستقرار سياسي واقتصادي .

يشير المحلل والباحث الاميركي ايمانويل تود في كتابه الصادر في 2003 تحت عنوان ما بعد الامبراطورية دراسة تفكك النظام الاميركي الى ان: «اوكرانيا، تاريخيا واجتماعيا، ليست سوى منطقة ذات بنية غير سوية، وغير واضحة المعالم، ولم تبرز الى العلن ظاهرة تحديث مهمة، لأنها جوهريا من اطراف روسيا وخاضعة لتحريض المركز، ومتميزة في جميع العهود بطبعها المحافظ: «ضد البولشفية ، وضد السامية عامي 1917و1918، ثم اكثر تعلقا بالستالينية من روسيا منذ عام 1990».

وهذا التحليل الذي يعتمده الكاتب مرتبط بالأصل بنقطتين اساسيتين حسب الاطلاع على التاريخ السوفياتي:

1- ان قادة الحزب الشيوعي اغلبهم من اوكرانيا مما ادى الى وصول امينين عامين للحزب الشيوعي السوفياتي من اوكرانيا «ليونيد بريجنيف» و«ميخائيل غورباتشوف» اضافة الى العديد من الساسة والإعلاميين في روسيا هم من اصول اوكرانية.

2- الشيوعية وأحزابها في اوكرانيا لاتزال اوسع انتشاراً مما هي في روسيا. فالحزب الشيوعي الاوكراني يمثل في البرلمان الاوكراني الدرجة الثالثة لجهة التمثيل الشعبي وعدد المقاعد، عكس حال الحزب الشيوعي الروسي الحالي . اضافة لوجود عدة احزاب شيوعية وثورية راديكالية تتبنى التوجه الماركسي مقارنة مع روسيا التي بدأت هذه الاحزاب تختفي من الحياة السياسية.

لم يفهم الغربيون المخدوعون بقرب اوكرانيا الجغرافي من الغرب وبوجود اقلية دينية كبيرة من الاثنيات قريبة من الكاثوليكية، ان اوكرانيا بإعلانها الاستقلال عن روسيا كانت بذلك تفصل نفسها عن الثورة الديموقراطية في موسكو وبطرسبورغ، ولو انها اتخذت وضعا تستهدف من ورائه الحصول على قروض من الغرب. ومع ذلك، علينا ألا نبالغ في وصف الطابع المحافظ لأوكرانيا ، فالصعوبات التي تعاني منها للخروج من نظام الرئاسة السلطوية لا تقارن بتلك التي تعاني منها كازاخستان او اوزبكستان.

فالأحوال تغيرت مع نمو الاقتصاد الروسي والديبلوماسية النشطة المرتكزة على قدرات عسكرية وتكنولوجية كبيرة وهي عوامل مهمتها اعادة روسيا للحلبة الدولية كلاعب قوي وخاصة في حديقتها الخلفية. فإذا كانت روسيا تتحلل في عام 1991 لكن اليوم في العام 2013 تقرر وتفرض شروطها بواسطة امكانياتها المالية الهائلة التي تنافس الجميع وخاصة بظل الازمة المالية والاقتصادية التي تفرض نفسها على اوروبا والغرب وأميركا.

ربما الساسة والقادة الاوكران فهموا ولو متأخرا هذا التحول في السياسة العالمية، ما دفعهم الى اختبار الغرب في امكانية انقاذهم ، لكن الغرب كان بعيدا وغير مبال بأوكرانيا وهمومها، مما دفعها للعودة الى احضان روسيا، وبحسب جريدة «لوبوان الفرنسية»، الصادرة في 6 كانون الأول/ ديسمبر الماضي اشارت الى ان الرئيسين الروسي والأوكراني خلال اجتماعهما الذي حصل انذاك لم يوقعا على اتفاق حول الغاز او الانضمام الى الاتحاد الجمركي الاقتصادي الاوراسي. من هنا جاء اللقاء السريع الذي جمع بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس فكتور يانوكوفيتش في قمة سريعة في مدينة سوتشي بتاريخ 7 كانون الاول الماضي ، بعد ان اخفق الغرب في توقيع اوكرانيا على قمة الشراكة، والتي حاولت كييف فيه التوصل الى حلول سريعة مع موسكو بشأن سعر الغاز والحصول على مساعدات مالية سريعة.

ومع ذلك فان السيناريو الذي يطرحه برجينسكي ليس غبيا ومناسبا الان في هذه الظروف التي تعيشها اوكرانيا . فهناك ما يلزم من تباينات ثقافية من اجل ان تأخذ اوكرانيا لنفسها وضعا خاصا. ولكن، بما انها ليس لها ديناميتها الخاصة بها، فلا تستطيع ان تنجو من روسيا إلا اذا انتقلت الى فلك قوة اخرى، ومن هنا كان التردد الغربي في توقيع الشراكة مع اوكرانيا لعدم استعداد الغرب في الدخول بصراع مع روسيا على حسابه وحساب مصالحه الخاصة، وبالتالي اوروبا تعي جيدا ان اوروبا الموحدة بعيدة جدا، فلا يمكن ان تصلح لان تكون اوكرانيا قوة موازية لروسيا وتوطيد دور اميركا على حساب اوروبا، كونها قوة اقتصادية حقيقية قلبها المانيا ، ولا تمثل قطبا عسكريا ولا سياسيا ، ولكن ولو شاءت اوروبا ان تصبح كذلك ، فانه لا مصلحة لها في ان تجعل من اوكرانيا تابعة لها، لأنها بحاجة الى قطب يوازن روسيا لتحرر نفسها من الوصاية الاميركية.

يكتب المحلل السياسي الاميركي كريستيان كاريل في»فورين بوليسي» الأميركيّة، بتاريخ 22/11/2013 تحت عنوان «مستقبل اوكرانيا أوروبي»، ان كل الحكومات الاوكرانية عملت على توطيد العلاقات مع اوروبا فان عدم توقيع الشراكة كانت قد خيبت امل الشعب الاوكراني الذي كان يرى بلده اقرب الى اوروبا. وكون حجم التجارة الاوروبية مع اوكرانيا لا يقل اهمية عن حجم التجارة مع روسيا.

مختص بالشؤون الروسية ودول اوروبا الشرقية.

شاهد أيضاً

جورجيا

من يؤثر على الديمقراطية في جورجيا ودول أخرى؟

أحمد عبد اللطيف / في السنوات الأخيرة، أصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة …