خالد ممدوح العزي / استطاعت الانتفاضة اللبنانية توحيد الشعب اللبناني من خلال المشاركة، والاقبال على التظاهر، والاعتصام في كافة مناطق لبنان، وتوحيد شعارتها بوجه السلطة السياسية الحاكمة منذ مدة طويلة .
لقد استطاع الشعب اللبناني بالوقوف بوجه امراء الطوائف الذين وصلوا الى السلطة بعد الطائف، واصبحوا قادة لبنان الجدد من خلال احزابهم التي سيطرت على الدولة لمدة ثلاثين عام .
تكمن اهمية الانتفاضة ليس بالخروج الى الشارع ، والتظاهر ورفع الشعارات بوجه السلطة واجبارها على تلبية المطالب ،بل استطاعت الانتفاضة القيام بمصالحة شعبية حقيقة بين المناطق التي لم يحققها امراء الاحزاب بحل حكموا البلد من خلال حصص وتوزيعات سياسية ومذهبية وكانتونات كانت مربعات للأحزاب .
لكن اهمية الانتفاضة تكمن برفضها المطلق للأحزاب السياسية التي تمتل السلطة او شريكة معها في ممارسة السلطة او الدخول الى برلماناتها التي انتجت بواسطة قوانينها.
لقد رفعت الانتفاضة الكارت الاحمر لكل الاحزاب المذهبية والطائفية والملحق بهم خرجت الجماهير اللبنانية كلها تحت شعار كلن يعني كلن حيث تخلت عن زعمائها ومناطقها واحزابها من اجل لبنان الوطن الجامع للجميع .
الحزب السياسي هو تنظيم قانوني يسعى للوصول إلى رأس السلطة الحاكمة في الأنظمة الديمقراطية وممارسة الحكم وفق البرنامج الحزبي السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومنها أن الحزب السياسي هو تنظيم ديمقراطي يمارس العملية الديمقراطية داخل الحزب بانتخاب أعضائه لتولي المناصب القيادية في الحزب ووضع الرؤى والأهداف الاستراتيجية، وخارج الحزب بالمشاركة في الانتخابات بمستوياتها المختلفة، سواء المحلية أم البرلمانية أم الرئاسية، ويربط الحزب السياسي بصفة عامة بين مجموعة المواطنين الذين يتبنون رؤية سياسيّة واحدة هي رؤية الحزب وبين نظام الحكم وأدوات الدولة المختلفة.
اندلعت الانتفاضة بطريقة عفوية رافضه للسياسات الحالية التي تتبعها السلطة واحزابها ، هي بالفعل غير منظمة وبدون قيادة لكن عناوينها واحدة موحدة تهدف الى تنفيذ شروط محقة للشعب اللبناني المنتفض.
منذ حركة الاعتراض في 17 تشرين الاول كان الثوار يحتلون الشوارع ، يرفضون مطالب السلطة ، يفترشون الارض ، يلتحفون السماء ، لقد فشلت كل مراهنات السلطة على اخماد صوت الثورة المنتفضة واسكاتها بكل الطرق من خلال احزاب السلطة والاستدعاءات القضائية بحق الثوار لكن الزخم الثوري للانتفاضة كان مستمرا بشكل اكبر واكثر ، لقد ابدعت الانتفاضة اللبنانية وادهشت العالم في شعارتها وترتيب حركات اعتراضاتها بالرغم من محاولة البعض الذهاب نحو العنف الثوري والدخول في صدام مع المصارف تارة وطورا مع القوى الامنية مما يخدم السلطة التي تتهرب من مسؤوليتها .
لكن مع استمرار زخم الانتفاضة ومحاولة التسلق للعديد من الاشخاص، والحركات على ظهر الانتفاضة والادعاء بتمثيل الانتفاضة لكنهم فشلوا جميعا واحترقوا من اول الطريق .
وقبل تفشي وانتشار وباء “الكورونا “، الذي اجبر الانتفاضة على الانكفاء في محاولة من السلطة تمرير مشاريعها كانت المجموعات بدأت تحسن طريقة اعتراضها في محاولة لتشكيل تحالفات سياسية واجتماعية تقود الانتفاضة من ضبط سياسي لان كل اعتراض اجتماعي وسياسي سيتحول بالنهاية الى اعتراض سياسي .
اما التحالف الجبهوي السياسي هو تعاون أعضاء من المجموعات السياسية والاجتماعية المختلفة او بعض الاحزاب والشخصيات المستقلة ، يتضمن التحالف عادة اتفاقات رسمية بين الجميع على اساس الوثيقة السياسية المتوافق عليها، وهذا ما تم ابان الثورة السودانية ، وبناءا لذلك ظهر عدة اتجاهات في الانتفاضة ، ابرزها (حركة المبادرة الوطنية’ اللبنانية التي اطلقها فارس سعيد مع مجموعة من الشخصيات السياسية تحمل مبادرة سياسية تحت عنوان لحماية السيادة والدستور في ظل الأزمة السياسية الحالية) و ( لقاء تشرين المنبثق من عدة مجموعات وشخصيات مستقلة في المناطق في العاصمة والمناطق ذات توجه سيادي اطلق مبادرته لاستعادة الدولة المفقودة وتطبيق الدستور اللبناني ) و( لقاء التغيير – من أجل لبنان الديموقراطي، او لقاء مسرح المدينة الذي دعا اليه الحزب الشيوعي مع العديد من الشخصيات وقوى وأحزاب وطنية حاولت بدورها قيادة الانتفاضة وضعها في اطار الحرب الطبقية بين العامل وراس المال مما وضع هذا اللقاء في خدمة السلطة.
اما هيئة تنسيق الثورة التي اعلنت نفسها ممثلة للانتفاضة تلقت ضربات عديدة في داخلها ولم تستطيع ان تشكل رافعة سياسية لاستنهاض كتلة او تحالف سياسي من رحم الثورة نتيجة تركيبتها الهجينة من مجموعات كانت لها اهدافا محددة وواضحة للوصول للسلطة ، وتجمعات اخرى ،.
بظل هذه المبادرات المختلفة حيث تلتقي في عنوان استعادة الدولة ورفع الوصاية، تغيب الاحزاب عن مطالب الناس التي ترفضها نهائيا مما يدل على فشل الاحزاب في الاوساط الشعبية وفي تحقيق مطالبها.
لكن يبقى الامل بعد انتهاء خطر “فيروس كورونا “، والعمل السريع على استنهاض روح الثورة مما سيكون الرد الفعلي على كل مشاريع سلطة المستشارين، وحكومة الاقنعة ليعود الشارع يصدح من جديد بشعار كلن يعني كلن.