عدي صباح / حظيت حقوق الإنسان التي تعد عنصراً أساسياً من إنجازات العصر الحديث، في العقدين الماضيين، باهتمام وطني وعالمي وإقليمي، باعتبارها مطلباً شعبياً ودولياً، بهدف ضمان الحياة الكريمة للإنسان، حيث يعتبر الاعتراف بحقوق الإنسان، والنص عليها في المواثيق والقوانين، معياراً يقاس بموجبه مدى تطور المجتمعات ورقيها سياسياً.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، ترسخت قناعة مفادها وجود نوع من الموازاة والتلازم بين احترام حقوق الإنسان في المجالين، الداخلي والوطني، وحماية الأمن والسلام الدوليين، حيث يقف وراء كل حق من حقوق الإنسان فكرة أساسية لها علاقة مباشرة بتحقيق أو ضمان كرامة الإنسان، والوسيلة المتاحة لتحقيق ذلك التشريع الذي ينظم العلاقات في المجتمع، ويوازن بين حق الفرد وحق الجماعة بشكل يضمن لكل فرد ومجموعة في الوطن حقوقهم.
وتعد قضايا حقوق الإنسان بطبيعتها قضايا خلافية، تحتاج إلى طرح الرأي والرأي الآخر، وصولاً إلى إقناع الرأي العام بهذه القضايا. والمعروف أن الاقتناع برأي أو فكر ما يمر بخمس مراحل، هي: الإدراك، ثم الاهتمام، ثم المحاولة، ثم الاقتناع، وأخيراً التبني، ويؤدي الإعلام دوراً رئيسياً في المراحل الثلاث الأولى. ومن هنا، يتوجب على الإعلام الاهتمام بنشر ثقافة حقوق الإنسان.
وعلى اعتبار أن حرية الإعلام تشكل أحد روافد حرية الرأي التي تعد ركناً أساسياً من أركان حقوق الإنسان، فذلك يستدعي أن يقوم الإعلام بدور ريادي في مجال حقوق الإنسان، لما له من دور في دعم حقوق الإنسان وتعزيزها، وتأكيد الترابط بين الحقوق كافة، وبناء وتشكيل الرأي العام ودوره الرقابي، وكذلك في قدرته على توفير المعلومات وإثارة القضايا، والتعريف بمبادئ حقوق الإنسان، وآليات حمايتها، ونشر ثقافتها.
ولا يمكن الحديث عن وجود إعلام من شأنه أن يؤدي دوراً فاعلاً نحو تعزيز الوعي بحقوق الإنسان من دون وجود بيئة ديمقراطية، تحكمها الضوابط القانونية المنظمة لعملها، وعمل المكلفين بإنفاذها، ووضع المحددات التي تضمن عدم تجاوزها، بما يوفر الظروف المواتية للإعلاميين للعمل بكل حرية، وبعيداً عن انتهاك حقوقهم، وتوفير الحماية الفعّالة لهم.
وتوجد أدوار رئيسية عديدة للإعلام في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان وتنمية الوعي بها، منها مسؤولية التعريف بالحقوق الإنسانية، وإشاعة ثقافة احترامها والتمسك بها، وكذلك مسؤولية التحريض على المطالبة بالحقوق المنتقصة، وأيضاً، مسؤولية التنبيه إلى عدم التعسف في استخدام الحق، إضافةً إلى مسؤولية التربية على احترام الحقوق الإنسانية للآخر، فرداً كان، أو جماعة.
ويتطلب نجاح الإعلام في نشر ثقافة حقوق الإنسان استنهاض منظمات المجتمع المدني للمشاركة الفاعلة في التنمية الحقوقية، وتزويد الإعلام بالمعلومات وتصحيح المعلومات حول القضايا المثارة، وكذلك إعداد البرامج النوعية والمتخصصة عن حقوق الطفل، والمرأة، وذوي الاحتياجات الخاصة، والتوسع في تخصيص صفحات حقوقية في الصحافة المحلية، وإقامة ورش عمل حقوقية دورية.
ومن أجل النهوض بالعمل الإعلامي في مجال حقوق الإنسان، فإن ذلك يحتم على الجميع ضرورة العمل، جدياً، لتوفير الظروف المواتية للمؤسسات الإعلامية والعاملين فيها للعمل بكل حرية، وبعيداً عن انتهاك حقهم في حرية الرأي والتعبير، حتى يتمكنوا من حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها، وذلك يتطلب توفير الحماية القانونية اللازمة لكفالة حقهم في الوصول إلى مصادر معلوماتهم،