الإعلام اللبناني: بين الدعاية السياسية واالتحريض المفبرك …!!!(2-2)
24 سبتمبر, 2012
مقالات, ملفات خاصة
د. خالد ممدوح العزي / الحملة الإعلامية :
تبدأ الحملة الإعلامية بخبر ثم تطور إلى تقرير صحفي ثم إلى تحقيق صحافي … إذا ،الموضوع يجذب عددا من كتاب المقالات الصحافية حتى يتحول الموضوع إلى حملة صحفية، وعندما يتحول إلى حملة صحفية لا يصبح فنانا من فنون التحرير الصحافي وإنما هو فنون التحرير الصحفي لخدمة موضوع الحملة. فالحملة الإعلامية تأخذ شكل الإخبار الصحفية، والأحاديث، التحقيقات، أو المقالات الصحفية أو التقرير الصحافية…أو تأخذ كل هذه الإشكال معا، بل وقد تتضمن أيضاً الرسوم والصور الفوتوغرافية والكاريكاتيرية وبقية الفنون الصحافية الأخرى.
لقد تم تنظيم حملة إعلامية ضخمة في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحرير في 14 شباط 2005 م. لكن حملة 14شباط 2010 كان لها نوع خاص ومميز لذلك كانت الحملة أكثر تعبوية وهدوا في الخطاب السياسي بسب تغيرات محلية لبنانية ودولية:
-1 داخليا ، كانت أمام تحدي كبير لجهة جمهور هذه القوى الكبير ، الذي لايزال وفيا للشهيد والمبادئ الذي رحل لأجلها في ثورة الأرز، تغير التحالفات الداخلية وسيطرت جو من المصالحة الداخلية ، انتخاب الرئيس سعد رئيسا للوزراء ، إطلاق المحكمة الدولية ، إخراج الضباط الأربعة من الاعتقال الاحترازي ، زيارة الحريري إلى دمشق،حكومة الوفاق الوطني ، خروج النائب “وليد جنبلاط” من تحالف 14 آذار ، غياب عنصر أساسي من الواجهة السياسية ، عنصر الاتهام ،” الاتهام السياسي لسوري ” .
2- خارجيا الدخول في مصالحة عربية شاملة ،ولبنان جزاء منها من خلال ذهاب الحريري على سورية ، إعادة تنشيط العلاقات العربية -العربية ، العلاقات الدولية اتجاه سورية ، التهديد الإسرائيلي المتجدد، تلكىء سورية في تنفيذ المطلوب منها اتجاه لبنان .
بسب كل هذه التغيرات سيطرت الإشاعة الكاملة على الأجواء السياسية اللبنانية ، بان تحالف قوى 14 آذار قد انتهى ولفظ أنفاسه الأخيرة، لكن هذه القوى التي كانت أمام امتحان صعب جدا عملة على حملة إعلامية مبرمجة ، من اجل الاحتفال بالذكرى كالعادة في ساحة الشهداء، بدأت بحملة إعلامية منظمة، من اجل تأمين اكبر حشد ممكن في هذا اليوم .يكتب دكتور فاروق أبو زيد في كتابه :”من اجل نجاح الحملة الإعلامية لأي موضوع يجب تناول ثلاثة أمور: 1-موضوع الحملة ” الشهيد الرئيس الحريري “؛2- هدف الحملة الإعلامية المقامة: التمسك بالثوابت الأساسية لثورة الأرز. جمهور الحملة الإعلامية” جمهور 14 آذار، هو جمهور “الحرية والسيادة والاستقلال” “. جندت الحملة الإعلامية كل الوسائل الإعلامية: فاستخدمت الإعلام المكتوب، الصحافة والمنشورات والمجلات ، والبنوهات ، والأفيشات والملصقات التي انتشرت بالشوارع وعلى الطرقات، من خلا ل الخطة التي عمدت قيادة حركة 14 آذار في استخدامها، لأجل انجح الذكرى .
1-الإعلام المرئي: لقد سيطرت الصور والملصقات الجدارية على الأنظار في كافة المناطق اللبنانية ،، اليافطات الذي نشرت من خلال شعارات ، قديمة جدية كتبت عليها :” كرمال البلد يضل ماشي…و كل شيء ماشي، ويبقى الحلم والمستقبل لنا.
2-الإعلام المسموع والمرئي: لقد واكبت المحطات التلفزيونية الحدث بشكل مكتف من خلال التقارير والبرامج المعدة عن الذكرى ، الأفلام الوثائقية ، المقابلات العادية مع الجمهور ، مع الشخصيات السياسية ، بما فيها محطات المعارضة التي تعاملت مع الحدث كحدث ، لم تستطيع تجاهله خاصة إن الرئيس سعد أصبح رئيس حكومة وفاق وطني وهم جزاء منها ، إضافة إلى رأي المعارضة التي حاولت المشاركة بالذكرى على أساس أنها ذكرى وطنية جامعة والحريري رجل الوطن ” و تفريغ المناسبة من مضمونها الأساسي أي الانقضاض على حركة الموالاة وجمهورها ،لكن المحاولة بات بالفشل ، كانت التغطية قوية منظمة تاركة الأثر لدى الجميع،من خلال البرامج الذي عمد تلفزيون المستقبل في استخدامها، لقد نجحت القناة في استضافت قادة الحركة الاستقلالية في برامجه يومية قبل النزول إلى ساحة الشهداء، المقابلات التي أجريت مع كل من الرئيس سعد الحريري ، الرئيس الجميل، الدكتور جعجع ، في عمل مشترك مع بعض محطات التلفزيونية الصديقة لهم،” المحلية والخارجية”، مما ساعد على مخاطبة الجمهور .
3-الإعلام المسموع: أثير الإذاعات والأغاني المسجلة ومكبرات الصوت كان لها الدور المميز في الحملة الإعلامية، كما كان للمرئي والمسموع،الدور الايجابي في نجاح الحملة الإعلامية.
4- الصحافة المكتوبة: لم يستطيع الإعلام المكتوب تجاهل المناسبة أو الذكر لان الموضع تطلب من الجميع الوقوف أمامه وتقيم المرحلة السابقة كانت من حيث أهميتها وتأثيرها على البلد والمحيط فالحدث فرض نفسه على الصحافة المكتوبة ، بالرغم من التغطية الكاملة التي تميزت جريدة المستقبل بإدارة الحملة والتغطية الصحافية الكاملة لها ، لكن الجرائد والمجلة الصديقة والحليفة والمستقلة ، كان لها الدور البارز في إدارة هذه الحملة الإعلامية ، كانت المقابلات والتحقيقات والمقالات التحليلية والتغطية اليومية لكل الآراء والوفود التي كانت تزور الضريح ، و المانشيت التي كانت تخرج به يوميا ،و حتى إعلام الطرف الأخر الذي أولى المناسبة شيء من الأهمية الإعلامية في التعاطي مع الحدث بمسؤولية .
5- الاتصال: إن المناسبة هي نوع من الاتصال بشقيه الفردي والجماعي.الاتصال الفردي في جمهور رفيق الحريري والفرد الأخر . أما الاتصال الجماعي التي كانت المناسبة، مناسبة وطنية للاتصال بالجمهور، من خلال الندوات والمهرجانات، والنشطات الاجتماعية والرياضية، الفرعية المحلية في المناطق، التغطية الكاملة لها من خلال المراسلين في المناطق المرسلة في تقارير خاصة توضح مدى المشاركة، وكيفه الاتصال والتواصل مع الماضي.
رفعت الملصقات في المهرجان وكلها كتب عليها ” الحقيقة، على صور سعد، والحريري الأب، والعلم اللبناني “ وإعلام أخرى حليفة للقوى المجتمعة:
– الشعارات: الشعارات التي استخدمت في المناسبة كلها، تحت شعار واحد هو” كرمالك نازلين” ولكن طريقة الاستخدام اختلفت في طرح الشعار:”
-14 شباط ذكرى وفاء لرفيق الحريري ؛- لعيونك نزلين والسماء زرقاء ؛- كرمال البلد يضل ماشي كرمالك نازلين ؛- مهما طال غيابك يصبرنا سعدك معنا ؛- كرمال الحقيقة والعدالة كرمالك نزلين ؛- كرمال لبنان نزلين ؛ كرمال يللي راحوا نزلين ؛- كرمال الذي حققناه رح ننزل “.
تغطية كاملة مميزة للمهرجان الذي نجح باستقطاب إعداد هائلة تفوق السنوات الماضية ، فكانت الحملة ناجحة من خلال الاستقطاب الجماهيري ، ولاتزال الجماهير في مكانها بالرغم من تغير القادة لمواقعها ، فكانت الذكرى مناسبة لإعادة إحياء مشروع رفيق الحريري وشهداء الاستقلال من خلال كل هذه الحملة الإعلامية المنظمة التي استعملت الفيلم القصير الذي يذكر برفيق الحريري ومحطاته ، ومواقفه ، خطاباته.
الشعارات والملصقات:
فإذا رجعنا إلى الجذر الثلاثي من شعار وهو “شعر” في المعاجم العربية فإننا سنجد ما يلي :” الشعَر: زوائد خيطية تظهر على جلد الإنسان وغيره من الثّديّيات ويقابله الريش في الطيور والحراشف في الزواحف والقشور في الأسماك . وشَعَرت : أصبت الشعر . ومنه استعير شَعر كذا: أي علمت علم الدقة من مجموع التوليديات التي يقدمها الجذر الثلاثي (ش، ع، ر) فإننا نحصر أنفسنا أولاً بالمفهوم، المصطلح والشعار لنجد أن تعريفاته التي أوردها القاموس تنحصر في مجموعة من الأطر والمفاهيم نجملها بالتالي: النداء الخاص بجماعة – نداء التعارف والتنادي في الحروب والصراعات).
العلامة التي تميز رافعها في السفر، في المجتمع، في السياسة لأن الغاية لكل منها هي الإشعار، إعلام الآخرين بما ينبغي أن يأخذوا به. أما الكتابة على الجدران،” Graffiti ” حصراً لـ “بمعنى معاصر”. أما الكتابة
الجد رانية.
يقصد بها الكتابة الشعارية الخاصة التي تغطي الجدران. إذا تحولنا إلى المعجم الإنجليزي ، نجد أنه فرّق أولاً بين الشعار “Slogan” والكتابة الجدارية” Graffiti” فقد وصف كلاً منهما على حدة فالأولى عرفتها المعاجم الإنجليزية بالتالي ” Graffito ” ارتبط ظهور الكلمة في المعجم الإنجليزي بمنشئِها الإيطالي ، حيث أدخلها المعجم على اللغة الإنجليزية ولكنه عاملها بصيغة المفرد، حيث وردت الصيغة نفسها باللغة الإيطالية “باسم الجمع”، وعرفت بأنها رسومات أو كتابات غير رسمية على الجدران، تستعمل عادة بصيغة الفرد الدال على الجمع. وهي رسم أو كلمات تحفر أو تكتب أو تخدش أو تنقش على سطح صلب خاصة على الجدار. وهي أيضاً كلام بسيط أو كلام منقوش على جدار أو حاجزاً أو سطح آخر مثير للعواطف والذكريات.وهي أيضاً تصميم أو شعار مخطوط على الجدار أو سطح معرّض. هذا وقد عرّفت بعض المعاجم الثنائية الظاهرة السابقة بما يلي: فقد ترجمت التعريف لكلمة جغرافيتي. بأنها كتابات مجانية على الجدران وفي الأماكن العامة والمراحيض . وإذا كان الحديث لا يزال يدور حول تداخل مفهوم الشعار والكتابة الجدارية، إذ أدخلها المفهوم المعاصر عند بعض الباحثين كما رأينا ضمن الكتابة الشعارية. فإن المفهوم السياسي الذي هو مضمون العملية يظل يختلف في بعض حيثياته خاصة عند تعبيره عن ثقافة ثورية معينة، وإن اتحد المفهومان معاً في حدود الإعلام فكلاهما “الشعار والكتابة” يتبعان التواصل بافتراض أن هناك مرسلة إعلامية ومستقبلاً إعلامياً، وطبيعة المستقبل الإعلامي في التوصيف المعاصر لظاهرة الكتابة والخلاف الذي حصل حولها باعتبارها فناً إدارياً، أو تعبيراً عن ثقافة شعبية تتغير من مستقبل نخبوي إلى مستقبل عام عادي. فالشعار يرتبط ظهوره في الفهم السياسي العام بالانتفاضة، وإذا عرفنا الانتفاضة بأنها انفجار نتيجة ضغط قد يكون سياسياً أو اجتماعياً فالضغط والانفجار وتطابقه مع حالة معيشية يؤدي إلى نفاذ الصبر” وهنا لا يتصور انتفاضة بدون شعارات لارتباط الشعار بها، والذي يلعب في فترة معينة دور الدليل والمحرض للجماهير التي فقدت الثقة في كل شيء. ومن هنا فإننا نفهم أن الشعارات لها زمنها الخاص الذي تطلق فيه وتوجه إلى “الكل” غالبية الناس وليس إلى طبقة معينة منهم، فهو وإن ارتبط في تعريفه باللغة العسكرية أو البرنامج السياسي للحزب – حيث يكون الشعار مجرد إعلان للأهداف التي يمثلها الصديق ولا يعترف بها العدو ، فهي أي الشعارات – بحق تكون كلمات المرور السياسية مقتضبة واضحة للغاية، فالشعب كالخفراء لا يعرفون اليونانية ولا اللاتينية، ويبدو واضحاً أن البحث عن الشعارات في قاموس الكلمات الجاهزة يبدو أمراً متعسراً وغير مجدٍ، لا سيما أن القواميس تختلف في شرحها له من لغة إلى أخرى . إذا كان الشعار في اللغة الإنجليزية تدل عليه كلمة “Slogan “، فإن شروطاً معينة أضافتها اللغة الإنجليزية على المفهوم ذاته بحيث اشترطت فيه القصر والاختصار والبساطة والوضوح، والبروز والقدرة على لفت النظر وسهولة التذكر. وقد أضاف “أميليو لوسو ” تحديدات أكثر، حيث أكد على أن الظروف التي ينشأ فيها الشعار تكون نابعة من الممارسة الثورية . ينشأ الشعار في زمنه الخاص به ولم يعرف أن نشأ شعار معزولاً عن زمنه وتاريخه، وأن يخاطب الكل لا إلى طبقة من أفراد الشعب كالعمال والفلاحين، بحيث يكون الشعار تعبيراً ملخصاً لتطلعاتها، وهو في تفصيله لهذه الأطر لا يرى في الشعارات إنتاجاً أدبياً / فناً ذا إنشاء تزداد صعوبته أو تقصر، وهي كذلك ليست حيلاً لخدع الأغبياء، فهي إما أن تكون صدى لآلام البلاد أو لا تكون شيئاً، وعليه فإنه من الأفضل عدم إطلاق الشعارات. واضحاً بين “الشعار Slogan” و “الكتابات الجدارية Graffiti” ومع ذلك فهناك نقاط التقاء عديدة بينهما من حيث كون كل منهما رسالة إعلامية، ومن حيث القصر والبساطة والوضوح، ثم إن الشعارات كثيراً ما تجد طريقها إلى الجدران، وهو ما يجري الآن في الانتفاضة . وبسبب هذا التداخل بين الشعارات والكتابة الجدارية، وشيوع استعمال كلمة “الشعار” للدلالة على الكتابة الجدارية فلن نجد يأسا في استعمالها في الكتاب بنفس المعنى دون أن نغفل إبراز الفرق كلما اقتضت الضرورة لذلك . وإذا رجعنا إلى المعاجم العربية وتابعنا الجذر “شّعَر” ومشتقاته فسنجد أنها تتضمن معاني “العلم والإعلام” عن طريق “الحواس” وليس عن طريق التفكير والتجريب … “فالشِّعْر تعبير عن الإحساس الداخلي” والاستِشْعَار يعني العلم عن طريق حاسة اللمس بإصابة الشْعر، والشّعُور هو العلم عن طريق الإحساس، “ومشاعر” الحج، معالمه الظاهرة للحواس، ومن معاني “الشعار” أنه الثوب الذي يَلي الجسد لماسته الشعر . نلحظ هنا ، كيف تبدأ الألفاظ والمفردات في التعبير عن المادي المحسوس “إصابة الشعر” وتنتقل بعد ذلك إلى المعنوي والمعقول “العلم عن طريق الإحساس”. والشعار حسب المعاجم والموسوعات وحسب واقعه التاريخي لا يخرج عن المعنى السابق فهو “نداء أو صرخة أو عبارة مرئية ينصبها العساكر ليعرف الرجل بها رفاقه” وكلها تؤدي وظيفة إعلامية عن طريق إحدى حاستي السمع أو البصر.
1-الشعارات:
-إن تأثير الشعار بالطبع يختلف من بلد لآخر وفيما يقل في دول العالم الثالث، فإن في الدول الغربية ذات الديمقراطية الراسخة والمجتمعات التي اكتملت داخلها دورة التحديث فإن ولاءات الناخبين للمرشحين والشعارات التي يرفعونها لها تأثير كبير عليهم. ويفرق أستاذ علم النفس السياسي بجامعة الخرطوم د. محمد محجوب هارون بين نوعين من جمهور الناخبين وتختلف تبعاً لذلك درجة تأثرهم بالشعارات السياسية، العادي، محدود التعليم إن لم يكن أمي ، وبالتالي فإن مثل هذا الجمهور لا تمثل لديه الشعارات الانتخابية أي تأثير ذي دلالة وربما تأثروا بالأناشيد والدلالات الحزبية أكثر من تأثرهم بالشعارات الانتخابية، .لكن تأثير الشعار يكون أكثر وضوحاً حسب رأي “د. هارون” وسط الجمهور القادم من خلفيات حضرية ذات تعليم متوسط أو متقدم وتكوين تشكله ثقافة سياسية حديثة وإن لم يمثل الشعار حتى لهذه الفئة من الناخبين العامل الرئيسي في تحديد الاختيار الانتخابي لتداخل الاعتبارات الاجتماعية والشخصية.
2-كتابة الجدران
–” الشعارات الجرافيتي” تحمل في طياتها مركبات ثقافية معينة، أكسبتها التجربة الإنسانية بعدها الخاص في الضمير اللغوي البشري، ومن هنا فإن مهمة الباحث في التحديد أو التعريف تنطلق أولاً من فهم المعنى الثقافي للكلمة في فضائها الثقافي الذي نبتت فيه ومحاولة ربط ذلك الفضاء بالفضاء الإنساني العام، إذ إننا نتعامل والحالة مع ظاهرة إنسانية عامة، معروفة لدى كافة الشعوب فحسب أندرسون (1990)، فإن كل مدينة في التاريخ والحضارة صنعت علاماتها وكتبت ورسمت على الجدران ثقافة سواء كانت لأفراد أو جماعات، وإذا كانت المكتسبات الثقافية الإنسانية مختلفة في تفاعلاتها البشرية وطبيعة تجربتها فإنها تتفق في الجذر الإنساني الذي ألمح على هذه الظاهرة واستعان بها على التعبير عن المكنون في لحظات الكبت والثورة.
إننا نؤكد بان العمل الإعلامي والتوجه إلى الجمهور من خلال كل هذه الوسائل الإعلامية البصرية التي تم ذكرها في الأعلى والتي تم شرحها التفصيلي ، فإننا نرى بذلك هو التصميم على نشر نوع معين من ثقافة تسمى ثقافة ” الملصقات الجديدة او الكتابة على الجدران ” .
3-ثقافة ” الملصقات الجديدة او الكتابة على الجدران “:
هذه الثقافة والتي هي بالأصل تعمل على التلوث البصري للشوارع في المدن والمناطق بغض النظر عن طبيعة الفئة أو الشريحة التي تكون مستهدفة ، لكن الإصرار من القوى و الإطراف المعنية على نشر هذه الثقافة البصرية أمام شريحة معينة من شرائح المجتمع العام هو الإصرار بحد ذاته، على إن هذه الشريحة تفتقد إلى نوع أدنى من الثقافة العامة. فان غياب العمل الفعلي من الجهات المعنية على توعية هذه الشريحة والاكتفاء بمخاطبتها فقط من خلال نشر هذه “الملصقات “فهي المسئولة على عدم نشر ثقافة علمية كاملة تفتقدها كل الشرائح الاجتماعية في الوطن العربي عموما ولبنان خصوصا ، أية كانت نوعية الشريحة المستهدفة والموجه إليها الخطاب الإعلامي والسياسي . تكتب “ماريا شختورة” في كتابها حرب الشعارات :” بأن مفهوم الجدران تتكلم، نشاء في القرن السادس عشر ، والتي عرفت هذه العملية فيما بعد بحرب الملصقات ” أثناء الحرب بين البروتستانت والكاثوليك ،فكانت في البداية إعلانا عن عمق الخلافات الكامنة في النفوس والتي أدت هذه الحرب الدروس في التاريخ البشري ، بالرغم من سيطرت فرنسوا الأول ملك فرنسا الذي اشتهر بسلطته القوية ،من بشعات الحروب الدينية ، فان هذه الطريقة بالتعبير ظهرت في الدول الديكتاتورية للتعبير عن الرأي .ولكن في شهر أيار من العام 1968 م إبان الحركة الطلابية الفرنسية كانت هذه الطريقة الأقوى والأشهر في عملية التعبير والاعتراض والسخط التي طبع الطلب فيها شعاراتهم على الجدران الباريسية واليوم غسلت باريس جدرانها ،ولكن ليس من مؤرخ يستطيع بعث تلك الأيام إلا إذا استعان بالصورة المحفوظة ،وإعادة النطق لتلك الجدران،أن الاعتماد على الشتيمة كوسيلة إعلامية لمهاجمة الخصم تدخل في استعمال العربية العامية ، فالشتيمة تتناول ، دائما موضوعا معينا ومحدودا نسبيا ، فان انتشار الكلمات والمصطلحات الشعبية الغنية جدا ،بأنواع القذف والقدح بواسطة كتابات الجدران التي تكتفي فقط بكيل الشتائم للخصوم بمكيالين . أن مجموعة الكتابات الجد رانية التي تهاجم إحدى الإطراف المعارضة أو الموالاة فإنها تتحول نحو كلمات تشيد بالرجل المناجى ” القائد المناضل ، البطل ، ….الخ وهذه الكتابات الجد رانية تكتب باليد أو بواسطة رسم “كلشهات” لكونها تحقق السرعة في الطرح وتتطور تدريجيا من الخط الرديء إلى الخط الجميل مع استمرار المواجهة والتوتر ولكن اليوم في لبنان، قد دخل على الخط عبارات التعصب المذهبي والطائفي ، والتخوين ، والاتهام والشك ، والبذاءة الشخصية، ولقد غابت المصطلحات الوطنية التي سيطرت طوال فترة الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي وكذلك غياب الشعارات القومجية التي سيطرت ليس على الخطاب السياسي وانم على اللوحات الجدارية مع فترة المد الناصري ،ألبعثي والقومي العربي .
التحريض الدعائي المذهبي اثناء الانتخابات:
1- لم يستطيع حزب الله تجاوز الحالة والمحنة التي تركها بعد 7ايار عام 2008 لدى الطائفة السنية ولم ينجح بعد اتفاق الدوحة في ترميم صورته لدى الطائفة السنية من اجل دعم مرشحين له لأنه اكتشف الكراهية لاتزال موجودة ضده ومرتفعة جدا بعد والجراح المتروك لديهم مازال مفتوح عقب أحداث أيار، ولم يستطيع التركيز على دعم مرشحه” حزب الله ” في صيدا النائب السابق ” أسامة سعد ” وبالرغم من حيث الحيثية الشعبية التي يتمتع بها النائب “أسامة سعد ” بين النواب السنة الآخرين المدعومين من “الحزب”وخاصة بعد إقفال النائب “سعد الحريري ” الطريق عليه من خلال أقفال اللائحة ، والذي استوعب الحريري كل المكونات السنية الأخرى في المنطق السنية رافعا شعارا “ما مننسى والسماء زرقا “. لذا كان كلام “نصرالله الأخير “على 7 أيار الذي حمل في طياته توثرا شديد. يعكس فيه عن مدى الصعوبة في تحقيق اختراق في الشارع السني، ولذا أولى الحزب اهتماما اكبر حلفاءه المسيحيين “عون ، وافرا نجية”. على حساب الحلفاء السنة المحرجة داخل الطائفة السنية. يكتب الصحافي فادي الشامية : بان الحزب وضع في تصرف مرشحيه السنة كل الإمكانيات المادية والإعلامية والتقنية والماكينات الانتخابية وتجير الصوت الشيعي الدعم لتحقيق الفوز. راهن الحزب في وسائل أعلامه وخطابه السياسي على فشل التفاوض بين” تيار المستقبل” و”الجماعة الإسلامية”وإن كانت وسائل أعلامه اعتمدت إثارة الخلافات بين الطرفين في التفاوض وانقلبت كل المحبة نحو الجماعة إلى غضب عليها اثر نجاح الاتفاق مع المستقبل. لقد عمد إعلام الحزب إلى ترويج لشعار” الحريري وتيار المستقبل” لقد تراجعت شعبيته في الأوساط السنية من خلال تحالفه مع الجماعة والأقطاب السنية السياسية الأخرى والذي سيقل عددهم اقل بكثير في برلمان 2009 م. نرى هنا مدى تصاعد الخطاب السياسي لحزب الله والأطراف الأخرى مرفقا في تصاعد إعلامي اشتركت فيه كل الوسائل الإعلام الحليفة له.
الحملة الإعلامية الإنتخابية :
يكتب د.عماد شيا في جريدة المستقبل :”بان علامة فارقة كانت في المشهد الانتخابي الماضي. فالعلامات الفارقة لهذه الانتخابات التي نحاول أن نذكر منها عدة”ميزات”، في بحثنا وهي:
1- تميزت انتخابات لبنان عام 2009م . بكثافة المشاركة الشعبية والإقبال الكثيف على صناديق الاقتراع التي أدت بدورها إلى ازدحام في مراكز الاقتراع، وهذا يعني نوعية المعركة لكونها سياسية بامتياز ومصرية أيضا ، وبعكس كل التصاريح والمقالات والأحاديث السابقة .
2- تميزت انتخابات 2009م. من خلال الإقبال الشعبي الذي تراوحت نسبته 60% على عكس دورة انتخابات عام 2005م الذي تراوحت نسبته إلى حوالي 45% لهذه الدورة.
3- تميزت انتخابات 2009م. في غياب الإقبال الشيعي الكثيف، على التصويت والذي يعني ” ليس تصويت حزبي”، على عكس وجهة نظرة حزب الله والذي يختلف معها المواطن العادي . لان الحزب يهدف إلى حصر الصوت الشيعي بيده ،وان هذه المعركة نوعية والصوت الشيعي له دور مميز ووازن، إذا تم الفرد به يمكن أن يؤدي إلى :” تغير نوعية النظام والصيغة القادمة؛ والمساعدة في توجيه الحراب الموجهة على صدر رئيس الجمهورية ؛السيطرة على النظام من خلال السلاح، السياسة والصوت”.
4- تميزت الانتخابات بتحالف الأقلية الذي ظهرت في تحالف الناخب الحزبي:(“الشيعي” “حزب الله” + ألأرمني” الطاشناق”+ الماروني “التيار الوطني الحر”)، لاعتبارات سياسية وأيديولوجية لدى هذه الأحزاب التي تضمن بأنها تستطيع التغير في المعادلات من خلال هذه التحالفات .
الدعاية و الاعلام الحربي في الانتخابات اللبنانية:
عاش لبنان عام 2009واللبنانيين عموما حالة انتخابية مميزة، وسيطرت الانتخابات على الجو العام. الجميع تتكلم وتحدث عن هذه الحالة الانتخابية ان كان من جهة الهلع التي كانت تفرضه وسائل الإعلام المختلفة نظرا لأهمية الحدث المرتقب . كانت الانتخابات لغة الشعب وخبزهم اليومي المفضل ” ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان” .
الجميع عاش الحالة الانتخابية الإعلامية ، في ظل انقسام عمودي عاشه الشعب والبلد، لم يشهد له لبنان من قبل بين جبهتين و قوتان، سيطرت على الشارع من خلال شعارات قوية ورنانة حاولت جبهة محوا الأخرى من خلال توجهاتها وبرامجها السياسية المرسلة إلى جمهورها المعبئ والمشحون طائفيا ومذهبيا ،يكفي جمهور الطرفين لشعارات ، لإخراج هذا الحقد من النفوس الذي شحن به من قياداته الهشة . مشروعان متناقضان مختلفان يحاول احدهما شطب الأخر “وترحيله” من اجل الفوز بالأكثرية الناخبة لزيادة عدد المقاعد النيابية و التي تساعده في التأثير على مقاليد السلطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالشعارات التي تملى الشوارع والجدران وحتى البيوت منها حيثما ذهبنا في إرجاء هذا الوطن،و كأن المواطن يدهن ويزين بيته بها. المرشح الذي يظهر في الصورة يتربص بالأخر، صور المرشحين هنا وهناك علقت وتبت بنوع من التحدي والنكد السياسي والطائفي كأن المرشح يخاطب الأخر بالتهديد والوعيد “إذا أنت فزت أنا بفرجيك” والأخر طيب أنا ” بخرب البلد ” كأنهما في حلبة مصارعة رومانية. حتى لو أنها مجرد شعارات موجودة على “بنوهات إعلانية” .
افتقدت هذه المعركة الانتخابية إلى روح التنافس الرياضي الديمقراطي من أجل العطاء ، فإن غياب الديمقراطية “التنافسية “هو دليل واضح على تجويف المعركة الانتخابية وتحويلها إلى معركة لتصفية الحسابات الشخصية بين المرشحين و المواطن اللبناني هو من يسدد ثمن فواتيرها.
سيطرت الاعلام:
سيطر الإعلام الدعائي على كل شيء في البلد ، طبعت الصحف المكتوبة اليومية والالكترونية ، المنشات باسمها ،احتلت الانتخابات أهم كتاب المقالات فيها، من خلال كتاب جندوا أقلامهم وأنفسهم لخدمة الإعلام الدعائي الحربي المحرض ،امتلأت الصفحات بصور المرشحين ، مهرجانات يومية أقامت ، وشدد الخطباء فيها على التحريض والتعبئة . المحطات التلفزيونية والإذاعية والصحف التي وظفت كل طقتها وإمكانياتها المالية والمهنية و قدراتها التقنية والفنية ليس لمتابعة الحدث كعمل صحافي ومهني راقي، لتقديمه للمواطن العادي ، وإنما تحولت هي لتكون الحدث نفسه وبحد ذاته، من خلال برامجها السياسية المتكررة ، ونشرات أخبارها وضيوفها “الذين يدعون العلم معرفة، ولكن غابة عنهم أشياء المعرفة ” ، كل الطنين والمزامير الذي عشناه ، كأنه الحدث النهائي والأخير “وجود أو لا وجود “. حشدت لهذه المعركة كل الطاقات من رجال القلم والفكر والقانون والسياسة والإعلان و”الماركتنغ” وحتى رجال الدين.و لم يكون بعدين عن المسرح لقد استهوهم الحدث جميعهم هللوا للانتخابات في الخطابات والحديث والتصاريح والتحاليل لم يكتفوا بالأماكن العامة والرسمية بل استعملوا الجوامع ،المآذن،الحسينيات، الكنائس، ومآتم القرى الفقيرة في نشر اجتهاداتهم وأفكارهم . الغريب جميعهم روجوا للانتخابات … الجميع تكلموا معارضة وموالاة ، مؤيدون ورافضون ، لغة مختلفة ،كلام غريب يسرب ويسرق من المجالس الخاصة ،من هنا وهناك كأننا في سباق صحافي ميداني دون الإحساس بالمسؤولية ، لغة الطائفية والمذهبية سيطرت على الجميع و صمت الأذان لقوة نبرتها لقد لعب الإعلام الدور الرئيسي فيها في النقل والترويج .
التحريض على الهواء المباشر:
شكلت لوائح القوى المتصارعة في لبنان وأعلنت على جمهور متعصب محتقن غير معترف بالأخر وغير قابل بوجوه وليس له علاقة بالديمقراطية ، كأننا في جوقات الزجل اللبناني “الفولكلورية” لوائح “تكتلات ” تعلن في ظل مهرجان شعبي واسع للبلابل ،يتم الرد عليها من الجهة الأخرى بلائحة معارضة لها وبمهرجان حاشد “لتغريد الحساسين “. الجميع عمل وأجتهد كخلية نحل من أجل الدولة القادمة والمستقبل الواعد لنا نحن الجمهور الصامت، والكتلة الكبيرة في المجتمع اللبناني التي لم يستشيرها احد والأخذ برأيها . لم يسألها احد ،من خلال السؤال البديهي ماذا تريد.
فالجمهور القابع في الوطن الواحد المشترك في صنع المستقبل، وأي مستقبل يطمح أن يبنيه له ولا بناءه. الأموال الهائلة التي تدفع وتسرق وتضيع أثارها في حملاتهم الإعلامية والدعائية والمهرجانات والخطابات والمآكل والمشارب وفتح المكاتب الانتخابية والبنزين الانتخابي والأفلام المصورة وعلى المحطات والإذاعات والبريد الالكتروني ولأجهزت الصوت والاتصالات ، للمحللين وللنقاد، للمفاتيح الانتخابية في القرى والمناطق. لكنهم جميع لم يقفوا دقيقة واحدة لمرجعة حساباتهم بأن هذه الأموال يجب أن تذهب لمصلحة المواطن اللبناني الصامت الذي هو بحاجة ماسة:” للكهرباء،الماء ، الاستشفاء والتدريس”، لكن هذه الأموال خارجية يجب أن تصرف حسب المصلحة الخارجية لأنها أموال غير نظيفة.
الإعلام والحالة الجديدة للانتخابات :
– تأمل المواطن في هذه المعركة الانتخابية الذي عاش صدها بان تكون معركة حقيقة بين جبهتين متنافستين على مشروعين وبرنامجين اقتصاديان وسياسيان بين لائحتين:( لائحة 14 آذار و8 آذار) لتشمل كل لبنان وتضم كل لائحة فيها كافة الطوائف والأطراف والقوى المتواجدة على الأراضي اللبنانية . فإذا كان الجميع يطالب ببناء الدولة العادلة لا أبناءها دون تميز ولفاء الطائفية السياسية.
لنحتكم جميعنا إلى صناديق الاقتراع الذي يصنعها المواطن الحر بنفسه معبرا فيها عن ماذا يريد وبالتالي نحترم اختياره في إيصال إحدى هذه الجبهات إلى الحكم.
– لقد وجدنا أنفسنا جميعا فجاءه أمام قوى تختلف وتتصارع على حساب حجم كتلها النيابية وعلى تعزيز دورها وحصتها في الندوة البرلمانية.
– لقد غاب التنافس الديمقراطي الحر في هذه الانتخابات وحل مكانه صراع الأزقة وعرض العضلات بين الأصدقاء والأعداء.
– لقد توقعنا جميعنا من الطرفيين إن يطرحوا علينا برامجهم الانتخابية وبمخاطبة العقل اللبناني من خلال خطة إنقاذية كاملة ، للبلد وللمواطن متضمنة الشأن:” الاقتصادي الاجتماعي والأمني” لكي تستطيع هذه القوى من استمالت الشعب نحوها بدل المهرجانات الخطابية البراقة والرنانة.
– لقد انتظرنا من هذه القوى إن تعزز لوائحها الانتخابية بالعنصر النسائي الذي يثبت حضور المرآة الواسع في لبنان وفي الندوة البرلمانية خاصة، وليس تقليص عددهن كما حصل .
الاختلاف والتمايز في طرح القواتين :
– لقد جمعت لوائح 14 آذار في لوائحها أسماء وعائلات في مناطق تمثيل الأحزاب والقوى الكبرى فاعتبرت تقريبا لوائح جامعة وليست مفرقة ومستأثرة بل أخذت صفة الاعتدال لجهة التمثيل. لكن العكس تماما في لوائح 8 آذار التي اعتمدت على التمثيل الحزبي المؤيد لها، مستبدلة بذلك رجال الاعتدال والدولة بالصقور الحزبين.
-تميزت قوى 14 اذارعن 8 اذار:
1- طغيان العنصر الشباب على لوائحها .
2 – سيطرت عناصر الاعتدال على لوائحها.
3- غياب عنصر الصقور عن لوائحها.
4 – لكن قل عدد النساء في لوائحها .
5-غاب عنصر الاستفزاز عنها وحل مكانه عنصر الاعتدال ورجال الدولة .
الجميع عاش الانتخابات اللبنانية التي سميت”بالاستحقاق الانتخابي” المبشر بفوز إحدى قطبي “الصراع الداخلي”. فالفائز بالأغلبية النيابية القادمة ،” القادرة على تشكيل السلطة التشريعية” ، فالأغلبية القادمة ممن تكون من إي جبهة كانت “،لا تستطيع الحكم ولا خطف الحكم كما تصف، لان البلد عاش ولا يزال يعيش حالة انقسام عمودي وطائفي بشع ، فالأكثرية لا تستطيع الحكم لا من اجلها، كونها أكثرية ، من اجل لبنان المستقبل، بسب وجود أقلية لا تريد إن تمارس دور المعارضة الحقيقية الصحيحة المحاسبة والمراقبة للأكثرية التي وصلت إلى السلطة لفترة ، وإنما تريد الدخول معها في السلطة أيضا كشاريك .بينما الجميع منهمك ويستعد للانتخابات في لبنان وكذلك الإعلام الدعائي الذي يرعى حدث هذه الانتخابات، يبقى لبنان الرسالة والفكر مكشوف لإسرائيل وشبكات تجسسها التي يتم تفكيكها يوميا . لبنان لا يستطيع العيش طويلا دون دولة قوية وعادلة مسيطرة على كل تراب الوطن. لان لبنان الوطن لا يستمر فيه العيش دوما من اجل سلاح المقاومة أو من أجل نجاح المحكمة الدولية. لبنان الوطن الدائم السيد الحر الرافض لكل إلإحتلالات والوصيات، لان المطلوب هو الحقيقة التي تحمي لبنان القوي واللبنانيين مجتمعيين . لا يهم النتائج الانتخابية ومن سيطر على المقاعد في الندوة البرلمانية، لان السلطة تذهب وتأتي والأشخاص يذهبون ويعودن لكن الوطن باقٍ والسلطة إلى زوال .
نجاح الإعلام في الانتخابات اللبنانية :
– جمعت انتخابات 7 حزيران”يونيو ” عام 2009م. كان هم جميع المحطات الإخبارية اللبنانية والقنوات العربية والأجنبية المهتمة بالشأن اللبناني. نظرا لأهمية الحدث وضخامته، والذي وضع الإعلام والإعلاميين في لبنان ، أمام امتحان، وتحدي صعب بسب التغطية الإعلامية الكبرى لمستوى الحدث لان الانتخابات في لبنان . تمت دفعة واحد ولأول مرة . كانت تغطية كبيرة وصعبة ليوم طويل جدا، كانت التغطية كاملة لكل المناطق اللبنانية وربما غير كافة بسب ممارستها للمرة الأولى في الحياة الديمقراطية اللبنانية، لضخمة الحدث الإعلامي المحلي، عملية النقل المباشر الذي تم نقلها مباشرة على الهواء إلى كافة اللبنانيين والعرب. و” للجمهور المشاهد” في وقت واحد من خلال مراسلين وتقنيين، واكبوا العملية الانتخابية عن كثب، ومن خلال مشاركة كثيفة للمحللين والخبراء بالشأن اللبناني تمت استضافتهم من قبل الإعلام والإعلاميين ، في استوديوهات مختلفة جهزت خصوصا لشرح سير ومواكبة الأحداث والتي رافقت العملية الانتخابية والديمقراطية. لقد مارس الإعلام حقه الطبيعي كمراقب لسير العملية الانتخابية وليس طرف فيها لان خيارنا كإعلاميين في الانتخابات ليس الثأر من الماضي اياً كان هذا الماضي، بل استفتاء حول المستقبل، وتحديدا مستقبل الوطن .
لذا قدمت جهود إعلامية مميزة وكانت في يوم الحدث الانتخابي، واحدها المحطات الإعلامية اللبنانية كانت كلها أمام هذا الاختبار الجديد لنوعية الحدث الإعلامي الداخلي، الذي تميز بصعوبته الإعلامية، طول فترة التغطية الإعلامية. كما كانت الوزارات المعنية أمام تحدي جديد لها وخاصة ” وزارة الداخلية ” التي كانت على المحك في ذلك اليوم ولكن نجحت الانتخابات النيابية في لبنان … نجحت” وزارة الداخلية “ووزيرها ” “زياد بارود” والذي سوف ينجح أيضا بإجراء انتخابات بلدية واختيارية قريبا ، وسوف يسجل التاريخ هذا النجاح ونجاحه الجديد مترافقا مع نجاح الإعلام الحر والدولة الديمقراطية … نجح الإعلام اللبناني، بكل وسائله ومختلف منابره الحرة من الاستمرار في العمل المهني، نجحت الدولة في البقاء والاستمرار بالرغم من كل الهجمات والتعطيل ألقصري التي شنت ضدها، استطاعت الصمود و الوقف أمام العاصفة وجبرت الجميع على العودة إلى المؤسسات، لأننا نطالب بتفعيل كل مؤسسات الدولة وتعزيز دورها القيادي والريادي في ضبط الإيقاع لأنه لابد يل عن دولة القانون والمؤسسات. نجح “فؤاد السنيورة” أن يكون رجل دولة من الطراز الأول في زمن كادت الإطماع الشخصية أن تدمر كل شيء ، لقد حمى الدولة من المعارضة و الموالاة . ليسجل التاريخ الحديث دورا هاما لصيدا ولأبنائها بأنهم رجال الدولة من الطراز المميز : الشهيد رياض الصلح الأول، صانع الاستقلال الأول، والشهيد رفيق الحرير الثاني ، صانع الاستقلال الثاني وحامي الاستقلاليين” فؤاد السنيورة”.
السؤال الأساسي، المستنتج من خلال عملنا ، والذي نواجه إلى وسائل الإعلام اليومية ” المرئية والمسموعة والمكتوبة “، عن طبيعة دورها في المرحلة القادمة و في كيفية العمل الإعلامي والدعائي المنتظر للوسائل الإعلامية المختلفة في إدارة معركة الانتخابات البلدية التي يجب إن تخاض غمارها في أيار ” مايو ” القادم، فان إصرار وزارة الداخلية على إجراءها في موعدها مع التعديل في بعض الشوائب في قوانينها هذا ما يعكس جهوزية الوزارة ووزيرها وموظفيها على تحمل الصعوبات ، فهل يكون الإعلام على نفس القدرة من الجهوزية ، والمسؤولية التي سوف تسجل له إمكانية العمل على مستوى واحد بالرغم من كل الأوضاع والانقسامات التي يعانيها البلد ، لان الشعب هو الذي يحدد بالأساس وهو يفرض على الكل أن ينفذوا ما هو يريد ، وليس الشعب ينفذ ما تريده الطبقات السياسية العليا والتجارب التي مرت في الفترة الأخيرة تبتت صحة وجهته نظرنا و توقعنا .
باحث إعلامي
كاتب وباحث إعلامي مختص بالإعلام السياسة والدعاية .