%D8%B3%D9%86%D8%A7 أوكرانيا

الإعاقة والإعلام الاجتماعي

“الإعلام الاجتماعي وذوي الإعاقة  بين الحقوق والواقع”:

(لبنان نموذجاً)

إعداد :د. سنا الحاج

المقدمة:

سنا أوكرانيامع تطور وسائل الاتصال التكنولوجية، بما في ذلك ظهور التلغراف والهاتف والإذاعة والتلفزيون وأجهزة الكمبيوتر، وصولاً إلى شبكة الانترنت، حظي موضوع وسائل الإعلام على الدوام باهتمام العلماء والباحثين المهتمين بعلوم الاتصال، والإعلام والعلوم الإنسانية (علم الإجتماع والنفس وغير ذلك) لما له من دور في إثارة اهتمام المجتمع بمختلف القضايا والمشكلات المطروحة (سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً .. ألخ)، وعلم الاجتماع الإعلامي هو من بين العلوم التي انبثقت عن أطروحات العلماء والباحثين مع ازدهار وسائل الإعلام والاتصال في القرن العشرين، حيث تميّزت بموجة من التغيرات والتطورات، من بينها التنوع في وسائل الاتصال الجماهيرية كالتلفزيون، راديو، الصحافة وغيرها.

من هنا كان مفهوم الإعلام الاجتماعي الذي يعنى أساساً بدور وقدرة وسائل الإعلام في آن واحد على تشكيل رؤية الفرد تجاه المجتمع وقضاياه، وذلك نظراً لما تشكله وسائل الإعلام من مصدر رئيسي يستقي منه أفراد المجتمع معلوماتهم عن مختلف القضايا، وكونها تشارك الأسرة والمؤسسات التعليمية التربوية، ومؤسسات المجتمع المدني عملية التنشئة والتفاعل الإجتماعي وفي تشكيل الرأي العام.

أولا: ماهية الإعلام الإجتماعي:

     الإعلام الاجتماعي مصطلح مؤلف من كلمتين هما: الإعلام وهو أداة للاتصال والنشر مثل الجرائد والراديو والتلفاز، أما الكلمة الثانية الاجتماعي فهي توصيف للإعلام. لكن مفهوم الإعلام الاجتماعي اكتسب بعداً جديداً مع الثورات العربية التي دفعت الإعلام الاجتماعي إلى واجهة الاهتمام، فمع ثورة المعلومات التكنولوجية أفرزت الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) التي تمثل ذروة تطور ثورة الاتصال والمعلومات، انضمت إلى مجموعة وسائل الإعلام الاجتماعي التقليدية (كالصحف والتلفزيون والإذاعة) أدوات جديدة تمثلت في مواقع التواصل الاجتماعي مثل “الفيس بوك” “تويتر” “اليوتيوب” و”المدونات” و”البريد الالكتروني الشخصي .. الخ. إلى جانب المواقع الالكترونية ومواقع الأخبار والمعرفة المختلفة، التي باتت تعد أبرز أنواع الإعلام الاجتماعي التي تدمج التكنولوجيا، والتفاعل الاجتماعي باستخدام الكلمات والفيديو والصورة والصوت، وأصبح يعرّف بأنه: مجموعة وسائل الإعلام الجديدة التي انتشرت على الانترنت، وكلها أدوات جديدة متقدمة وجزء من التقدم ومن الثورة العلمية في القرن الحادي والعشرين.

يحدد أنتوني مايفيلد Antony Mayfield مفهوم الاعلام الاجتماعي بأنه: مجموعة جديدة من الإعلام الموجودة أون لاين أو على الويب عموماً والتي تشترك بالخصائص الآتية(1):

0-  المشاركة: دائما مواقع الإعلام الاجتماعي تحبذ المشاركة فهي ليست مصدراً من اتجاه واحد فقط فهي تضم مجموعة من المهتمين بشي معين ويجمعهم هذا الارتباط، فهي تطمس الخطوط مابين الملقي والمتلقي.

1-  الآراء: معظم مواقع الإعلام الاجتماعي لها كامل الحرية لابداء الرأي والمشاركة، فهي تشجع التصويت لأشياء معينة وكذلك التعليقات ومشاركة المعلومات المختلفة، فهي قليلة الحواجز وأكثر حرية لاستخدام المحتوى لكنها في نفس الوقت تحترم خصوصية أصحابها.

2-  المحادثات: دائما ما تتمتع هذه المواقع بحس التحدث أو الكلام وما يقابله من الطرف الآخر فهي ليست موجة من اتجاه واحد أحدهم ملقي والآخر متلقي، فكلا الطرفين لهما القدرة على الميزتين سواء الالقاء او الاستماع.

3-  المجتمعات: هي دائماً من أهم الأشياء التي تميز مواقع الإعلام الاجتماعي عموماً وهي تجمع ذوي الاهتمامات المتشابهة بطريقة سهلة وأكثر فاعلية، فعلى سبيل المثال تجمع محبي التصوير، أو رأي سياسي معين.

4-    الترابط: معظم هذه المواقع تزدهر في ترابطها بأشياء أخرى، فيمكنك استخدام لينكات لمواقع ومصادر أخرى خارجية.

ووفقاً لهذا التعريف يتسم الإعلام الاجتماعي بقدرته على التواصل مع العديد من المستخدمين في آن واحد عن طريق تطبيقات المواقع الاجتماعية المتعددة والمتنوعة. فيقول الزبيدي قيس في صحيفة الإمارات اليوم: ” لقد شكلت ثورة “الملتيميديا” قطيعة مع كل مكان متداولاً ومألوفاً في الماضي، وبلغت أعلى درجة فأدت إلى فتح الحدود أمام الجمهور، والتدفق الحر للمعلومات، وكان نتيجتها الأهم ذلك التحول المذهل الذي حصل في اندماج التلفزيون والهاتف والكمبيوتر، عبر استخدام الأقمار الاصطناعية”(2).

ثانيا: دور وأهمية الإعلام الاجتماعي:

         ترتبط أهمية الإعلام الاجتماعي بقدرته على الوصول إلى أكبر عدد من الأفراد والتأثير فيهم من خلال بث رسائل معينة قادرة على إحداث تغيير على الصعيد الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي والثقافي، وخلق رأي عام حول القضايا والمشاكل المجتمعية، من هنا يأتي دور الإعلام الاجتماعي ويتجلى في طرح القضايا الاجتماعية المتعلقة بحياة الإنسان والتوعية بدور ومشاركة الأفراد في مختلف مجالات الحياة، وحمايتها، وبينها الاهتمام بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة والتي هي محور حديثنا في هذه الورقة.

بالطبع لقد أحدثت وسائل الإعلام الاجتماعية ثورة جذرية في حياة المعوقين عموماً، ومعوقي البصر خصوصاً، بحيث حررتهم من العديد من العراقيل وسمحت لهم باندماج أفضل، وهي أكثر بكثير من مجرد عائلة وأصدقاء للمعوقين، أو دردشة، بل هي مشاركة العالم ومحاولة لتعزيز حرية التعبير عن النفس وتشجيع المهمشين خاصة كي يعبروا عن أفكارهم وأن يستخدموا الإعلام كوسيلة وأداة لإيصال رسائلهم وآرائهم إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس، بالإضافة إلى زيادة معارفهم ومفاهيمهم، والاستفادة من التقنيات الجديدة والإبداعية التي تتضمن اختيارات واسعة وشاملة لكل ما يحتاجونه من معلومات، أو تواصل دون الاستعانة بأفراد معينين، أو متفرغين لمساعدتهم، وهذا يعني زيادة في استقلاليتهم دون حواجز الإعاقة والحركة والانتقال.

ثالثا: من هم الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان:

             وفقاً للمادة الثانية من القانون الرقم 220 الصادر في لبنان بتاريخ 29/5/2000، أطلقت تسمية “معوق” على كل شخص تدنّت أو انعدمت قدرته على ممارسة نشاط حياتي هام واحد أو أكثر، أو على تأمين مستلزمات حياته الشخصية بمفرده أو المشاركة في النشاطات الاجتماعية على قدم المساواة مع الآخرين، أو ضمان حياة شخصية أو اجتماعية طبيعية بحسب معايير مجتمعه السائدة، وذلك بسبب فقدان أو تقصير وظيفي، بدني أو حسي أو ذهني، كلي أو جزئي ، دائم أو مؤقت، ناتج عن اعتلال بالولادة أو مكتسب أو عن حالة مرضية دامت أكثر مما ينبغي لها طبياً أن تدوم.”*** وانطلاقاً من هذه التعريفات لا بد من طرح عدد من الاسئلة:

–          ما مدى استفادة الأشخاص ذوي الإعاقة من الإعلام الاجتماعي، في ظل فقدان أمنهم الاجتماعي والاقتصادي؟

–   هل يعوّض الإعلام الاجتماعي الحالة المعنوية للأشخاص ذوي الإعاقة في ظل غياب مؤسسات الدولة، وتخليها عن واجباتها لجهة تنفيذها للقوانين والتشريعات الدولية والمحلية، وتأمين أدنى حقوق الإنسان وصون كرامته في سكن لائق، وطبابة مقبولة، وتنقل مريح.

–         سلبيات الإعلام الاجتماعي (تجارب وآراء للبعض من ذوي الإعاقة)

–   ما دور الدولة ومؤسساتها لاستثمار وسائل الإعلام الاجتماعي في المجتمع، ودورها في خدمة قضايا الأشخاص من ذوي الإعاقة؟

للإجابة على السؤال الأول:

نعيش اليوم في خضم أزمات كبيرة ومتنوعة على الصعيد الإنساني، منها فقدان الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي في وطننا، بالإضافة إلى أزمات سياسية وثقافية وتربوية، وهي بالتأكيد مشاكل مستعصيّة تشمل كل أبناء الوطن، وفي مقدمتهم ذوي الإعاقة الذين تتضاعف مشاكلهم في ظل غياب التخطيط لمعالجة مشاكلهم من قبل المعنيين.

إن الوضع القائم، وعجز الدولة عن النهوض بمستوى معيشة مواطنيها، وعن تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان وذوي الإعاقة خاصة، يخلق لدينا يأساً من النهوض ومن التقدم ومن متابعة الحياة بشكل طبيعي، إذ أن أكثر الأشياء بديهية مفقودة، منها: حقوقية إنسانية، تربوية، إجتماعية، إعلامية، وجميعها تخلق عراقيل وحواجز لا يستطيع المعوق أن يجتازها بسهولة.

حقوق الأشخاص ذويّ الاعاقة في القانون رقم 220:

إن القانون الذي أقرته الدولة من أجل الأشخاص ذوي الإعاقة لم ينفّذ فعليّا ، لا بل أن الوزارة والمؤسسات المعنيّة بتنفيذه تنعي حالة المعوقين، فقد أظهرت دراسة أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانيّة وجود إجحاف يواجهه معظم المعوقين في لبنان في مجال التوظيف، حيث تبلغ نسبة العاطلين عن العمل 83% من مجمل هذه الفئة، ونسبة الذين يعيشون تحت عتبة الحرمان منهم 43،8%. الأمر الذي يبدو نافراً قياساً إلى إقرار لبنان قوانين واتفاقيات تحفظ حقوق هذه الفئة في العمل من دون أن تجد طريقها إلى التطبيق، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة الأشخاص المعوقين في لبنان تبلغ 10 % وفقاً لتقديرات المنظمات المدنيّة المعنيّة، وواحداً %بحسب الاحصاءات الوطنية، ويعود التفاوت بين النسبتين إلى عدم الاتفاق حول تعريف موحد للإعاقة.

الحقوق التربوية والتعليمية:

هناك عيوب كبيرة في مؤسسات الدولة التربوية، فالأماكن غير مجهّزة لحالات الإعاقة الجسديّة أو البصريّة وغيرها، ومن الأمثلة:

1- على ذوي الإعاقة الجسدية أن لا يلتحقوا بالمدارس أو الجامعات الرسمية، لأنها خالية من المصاعد.

2- على كفيف البصر أن يستعين دائماً بمن يفرغ له محاضراته ودروسه على شريط كاسيت كي يستمع إليها ويحفظها، لأن لا كتب ولا محاضرات مطبوعة “برايل”. بالإضافة إلى أن طالب الجامعة إذا ما أراد أن يمتحن بمواد دراسته عليه أن يصطحب أحداً يساعده ويقرأ له الاسئلة ويكتب له الإجابات على الورق، وهكذا باقي الإعاقات السمعية والعقلية وغيرها..

3- الدولة لا تعترف بالدراسة عن بعد، ولا تعادل الشهادات التي تمت عبر الانترنت في بلدان أخرى حتى لو كانت غير علمية، وفي جميع المراحل. (منذ سنتين فقط صدر قرار جديد عن الجامعة اللبنانية يفرض فيه حتى على طالب الدكتوراه عبر الانترنت أن يعادل شهادته في وزارة التربية، وإذا لم يكن الطالب قد سافر أثناء دراسته وأقام في البلد الذي درس فيه تلغى المعادلة، ولا تعترف له لجنه المعادلات في وزارة التربية بشهادته، حتى لو ناقش رسالته في لبنان وبإشراف لجنة من الاساتذة اللبنانيين، وبالتالي يحرم من التعليم في الجامعة اللبنانية، وفي كل ما يلحق بالدولة.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فهناك مشاكل كثيرة، لذا سأوجز قدر المستطاع:

تشير احصاءات وزارة الشؤون الإجتماعية الى وجود نسبة بطالة عالية جداً ، كما أنّ نسبة العاملين الموظفين من الأشخاص ذوي الإعاقة في وظائف منها حكومية ضيئلة جداً ، والأمر نفسه حتى في المؤسسات والجمعيات الخيرية، وذلك بسبب عدم تطبيق القانون والمادة المتعلقة بوجوب توظيف 3% من الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات العامة والخاصة، وإذا سلّمنا بأن أحدهم تمّ توظيفه، فان الراتب الشهريّ الذي يتقاضاه متواضع لا يكفيه حتى عتبة الأول والثاني من أول الشهر، إذ عليه تسديد كامل فواتيره، وظروف حياته المادية والعملية فرضت عليه الاقتراض من البنوك لأسباب كثيرة منها: شراء سيارة للوصول إلى وظيفته، وقروض أخرى للدراسة إن اضطر للدراسة في مدارس أو جامعات خاصة، ناهيك عن دفع إيجار السكن إذا كان المعوّق مستقلاً عن أسرته، والأكثر أسفاً وفقداً لأبسط أمور الحياة هو أن المعوّق عليه أن يدفع أكثر من نصف اجرة منزله فاتورة مولّد الكهرباء، نظراً للانقطاع المتواصل  للتيار الكهربائي في لبنان، ومن لا يستطيع دفع ثمن اشتراك مولّد الكهرباء عليه أن يدفن نفسه ليلة بعد ليلة في الظلام، فتقنين الكهرباء 12 ساعة من 24 في الأيام العادية، ويبقى المعوّق بهذه الحالة يعيش تحت رحمة كهرباء الدولة عند الخروج من منزله أو العودة إليه، علماً أن المولدات لا تشمل المصاعد الكهربائية.

أريد هنا أن أصف صورة أكثر الأشخاص من ذوي الإعاقة في لبنان وأنا منهم، المعوق يعيش وحيداً، كل ما ينجزه يكون بمجهوده الشخصي والفردي، ويستمر في العمل على الدوام لإزالة العراقيل التي توضع في طريقه أيضاً بمفرده، ولا يشعر بالأمان، ومشغول البال دائماً في كيفية تأمين طعامه وشرابه ودوائه، وكيفية تسديد الفواتير والضرائب. والمعوق يعيش المستقبل مرعوباً، فإذا كان في صغره وحيداً حتى لو احتضنته عائلته المتواضعة مادياً، وإذا ما كان قادراً على الإبداع فهو يعاني لأنه غير مطمئن وجميع الظروف غير مهيأة،  فالجمعيات التي تعنى بهذه الفئة كثيرة، ولكنها لا تقدم لهم إلا ما تقدمه الدولة من مساعدات مختصرة على هبات ومعدات طبية رخيصة الثمن  لهذه الجمعيات.

السؤال الثاني: في هذه الأجواء والواقع القاسي للأشخاص ذوي الإعاقة، ماذا يمكن أن يقدم الإعلام الاجتماعي، وما أهمية دوره؟

أكدت الكثير من الدراسات ومواثيق الشرف الإعلامية على ضرورة التزام وسائل الإعلام، بتقديم صورة صحيحة وإيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، ومسؤولية دمجهم في المجتمع، وعلى أن تكون أجهزة الإعلام بما لها من خبرات وإمكانيات أكثر التصاقاً بمشكلات المعوّقين. وللإعلام الاجتماعي اليوم إيجابيات كثيرة، ولوسائله أهمية كبيرة تخدم الأشخاص ذوي الإعاقة، وتشمل خدماتها كل فئات الإعاقة، اذ ان هناك علاقة تبادلية تفاعلية بين الإعلام الاجتماعي وأصحاب القضايا التي يحاول الإعلام معالجتها، فعلى سبيل المثال: هناك مواقع اجتماعية تتوجّه إلى المعوّق نفسه وتخاطبه وتفسح له المجال بالمشاركة وتفرد له مكاناً خاصاً تعبر فيه عن آرائه وتنشر له إبداعاته، أو تفرد له صفحة في مجلتها كما تفعل مجلة المنال، وكان لي شرف الكتابة على صفحاتها، وحصل هذا بعد إطلاعي على منتدى مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، ولفتني أحد الموضوعات فكتبت حوله ، وهكذا كان وما زال منذ أكثر من سنتين وما زلت أكتب في قصة تحت عنوان: ذكريات طفلة ذات إعاقة.

ويبقى التفاوت بارزاً بين بلد وآخر في صفات ودور الإعلام الاجتماعي، ولا سبيل للمقارنة مثلا بين ما شاهدته في دولة الإمارات العربية عامة- ومدينة الشارقة للخدمات الإنسانية خاصة، ودور الإعلام في لبنان، أو بين ما شاهدته على اليوتيوب في “ايرلندا” حيث يقوم معوّق حركياً بالعزف من خلال الاستشعارات البصرية، وهي تشمل الإعاقات الشديدة منها، حيث قامت إحدى المنظمات في دبلن واستخدمت تكنولوجيا جديدة لمساعدتهم على التحرّك والتواصل بشكل أكثر سهولة. هذه التكنولوجيا المستخدمة هي النظام البصري بالمستشعرات الضوئية ، تقنية بصرية تتحكم بجهاز الحاسوب، بدلاً من اللمس، وذلك عبر كاميرا تعكس الأشعة تحت الحمراء على العين تتيح معرفة اتجاه البصر(3).

في لبنان الصعوبات كثيرة جداً، ولا يمكن أن يتم التغيير بسهولة، وساحة الإعلام سياسية بامتياز، والإعلام الاجتماعي شبه مغيّب أو غائب، حاله في ذلك حال الدولة، وكأنهم ليسوا على علم ومعرفة بالحالات والاحتياجات والمشاكل التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في المجتمع، والأمر يتطلّب تحركا رسميا ومدنيا، والقيام بسلسلة حملات إعلامية ومجتمعية طويلة الأمد وعلى مراحل في سبيل التغيير الاجتماعي. إذا لا إعلام إجتماعي في لبنان ولا علاقة تبادلية على هذا الصعيد، بل كل ما هنالك ما يسمى بالتواصل الاجتماعي على صعيد الافراد، فإذا كان المعوق يملك امكانيات معقولة لشراء كمبيوتر والاشتراك في الانترنت فهو الذي ينفتح على الآخرين، بإرادته الذاتية، وبمجهوده الفردي من دون مساعدة الإعلام أو الدولة، وهكذا المدونات او المواقع الخاصة وهي قليلة جداً.

فالإعلام الإجتماعي إذن لا يعوض الأشخاص ذوي الإعاقة معنوياً ولا يساهم في حل مشاكلهم لأن الخطاب الإعلامي ما زال متأخراً وتقليدياً ومقتنعاً بأن التغطية الخبرية للأنشطة الاجتماعية التي ترعاها المؤسسات الحكومية والجمعيات كافية في أداء دوره، ولا يحاول هذا الإعلام أن يخلق ثقافة إعلامية جديدة وغير واثق بأن للإعلام وظائف عديدة وقادر على التغيير والنهوض إقتصادياً واجتماعياً، وأن يساهم في صناعة الإنسان ومساعدته على العيش بكرامة وحرية، بل تقوم بعض وسائل الإعلام ببرامج تلفزيونية تستضيف فيها أحد المعوقين في المناسبات وتفتح باب الاتصالات الهاتفية للجمهور لكي يقدموا المساعدات المادية لهذا المعوق، فيستعملونة كنموذج للشفقة والفقر والعوز.

السؤال الثالث: بعد كل الايجابيات التي تم ذكرها حول أهمية دور الإعلام الاجتماعي بكل وسائله، هل نرى سلبيات للإعلام الاجتماعي على ذوي الإعاقة؟

إن وسائل الإعلام بجميع وسائلها وأشكالها تلعب دوراً سلبياً خطيراً يجب التنبه إليه، وتلعب في الآن نفسه دوراً إيجابياً كبيراً، لا يمكن التنكر له، بمعنى أن هذه الوسائل سلاح ذو حدين، وتبرز بعض سلبيات هذا الإعلام كالآتي:

–         غياب الإعلام الاجتماعي عن ساحة الأشخاص ذوي الإعاقة، وعدم الاهتمام بقضاياهم.

–   إن الإعلام الاجتماعي بما فيه شبكات التواصل والمواقع، ما هي إلا فرع من فروع الإعلام ككل، وجميعها موجهة ومقسمة بحسب الطوائف والسياسية والأحزاب، أو شركات ودعاية و..الخ.

–   هناك ما يسمى بميثاق شرف في الصحافة والإعلام عامة، ولكن في الإعلام الالكتروني الباب مفتوح على مصراعيه، الجميع يستطيع أن ينشر أفكاره مهما كانت دون مراعاة لمواثيق الشرف، أو المهنة، ودون رقيب أو حسيب.

–   نسبة الأشخاص من ذوي الإعاقة الذين يستخدمون الانترنت قليلة جداً، وهناك عدد كبير منهم لا يستطيعون الاشتراك بالانترنت لأن لديهم أولويات أخرى، نظراً لضعف قدراتهم المادية، وقد قمت باستبيان بسيط واتصلت بمجموعة من أصدقائي لمعرفة عدد الذين يستفيدون من خدمات الإعلام الجديد وكانت النتيجة كالآتي:

أذكر مجموعة من الأصدقاء مكفوفي البصر مؤلفة من 10 فتيات أنهوا دراستهم الجامعية، اثنتان منهما فقط وظفتا،”دانة” أنهت دراستها في العلوم الاجتماعية، وبعد أن سعت لسنوات عدة وجدت وظيفة في إحدى المؤسسات، لكنها ليست أكثر من عاملة سنترال،  وبالطبع قدراتها تفوق هذا العمل وهي ناشطة على الكمبيوتر والانترنت، أما الثمانية الباقيات فهن قابعات في المنزل بلا عمل، وواحدة منهن تدعى “ليلى” كتبت سلسلة من كتب الأطفال، لكن النشر مكلف ولا يعود عليها بما يعينها على شظف الحياة، وبالطبع الثمانية الباقيات لا يستخدمون الكمبيوتر أصلا، وهناك الكثير أيضاً من الشباب مكفوفي البصر ممن حصلوا على أكثر من إجازة جامعية ولا يتّم توظيفهم إلا في السنترال، كما حصل مع الصديق فادي مقداد.

فادي معوق بصرياً، متأهل وله ولدان، حصل على إجازة في الاقتصاد، ويدرس اليوم علوم سياسية، يعمل في أحد النوادي في السنترال، ويقول: إمكانية أن أعمل بمكان آخر غير السنترال، أو أن أعمل باختصاصي يشبه المعجزة، وأنا أعوض بالدراسة، وأرغب بالكتابة لكي أكون راضياً. لفادي  مهارات عالية وكفاءة مميزة في التكنولوجيا والبرامج، يساعد أصدقاؤه في تشغيل البرامج الخاصة لمعوقي البصر، ويدربهم على استخدامها في حواسيبهم.

ويضيف فادي حول سلبيات هذا الإعلام فيقول: إن الإعلام الالكتروني كغيره فيه إيجابيات وسلبيات، ومن سلبياته بحسب رأيه: عدم الثقة بمصادر المعلومات والأخبار التي تنشرها أكثر المواقع الإعلامية، والكثير منها لا تسمح بالمشاركة أو التعليق على صفحتها، إذا كان رأي المشارك مخالفاً لسياسة الموقع. كما وأن هناك بعض المواقع تنقل أفكاراً مسيئة ويحركوا النعرات الطائفية والمذهبية، ويلاحظ هذا على مستوى بعض المواقع التابعة لفضائيات، فبعضها لها سطوة وجبروت على الجمهور، لأن لديهم القدرة والسلطة والمال، ليصنعوا بهذه الوسائل رأياً عاماً موجه، وهناك مواقع تبث شعارات خداعة، أو تنشر أفكار المنحرفين والمتطرفين، بعيداً عن الأخلاق والدين وكل ما له صلة بقضايا ذات أهمية ونافعة.

لقد اقتصرت في ذكر بعض أصدقائي من معوقي البصر في هذا المجال، نظراً لم تحمله التكنولوجيا من تطور على صعيد البرامج الخاصة بهم، كما وأن باقي الإعاقات الجسدية منها والسمعية ينطبق عليها تقريباً ما ينطبق على عامة الناس لناحية استعمال التكنولوجيا والاستفادة منها.

السؤال الثالث: فإذا كانت وسائل الإعلام لا تستثمر وسائلها إجتماعياً، ماذا عن استثمار الدولة لوسائلها ووزاراتها في توظيف الاعلام الاجتماعي في المجتمع، وكيف تتعامل مع ميثاق الامم المتحدة وحقوق الإنسان المعوق، وعن الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؟

إن ظهور التشريعات والقوانين الدولية والإقليمية والمحلية والتي أكدت على أهمية النظر إلي الإنسان المعوق ضمن معيار الإنسان العادي من حيث الحقوق والواجبات، ومن حيث ضرورة إتاحة كافة الفرص له للاستفادة من البرامج والخدمات التربوية والتعليمية شأنه شأن أي إنسان عادي. وكانت بداية القوانين الدولية مع ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان المعوق في العام 1945، وما زالت القوانين والتشريعات تتوالى منذ ذاك الحين، وكلها من التوعية وتحويل النظرة إلى الإنسان المعوق من منظار القدرة وعدم النظر إليه من منظار العجز، واكتشاف قدراته الخاصة وإظهارها واتاحة الفرصة لهم في المجتمع وتطوير وتثبيت هذه القدرات.

وفي العام 2007 وافقت الأمم المتحدة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ووقعت على الإتفاقية 13 دولة عربية، والغرض منها هو تعزيز وحماية وكفالة تتمتع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعاً كاملاً على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان. ولكن لبنان لم ينضم حتى الآن إلى هذه الاتفاقية، وبالتالي لم يلتزم بنودها وموادها التي تميزت (من المادة 5-31) محاور الاتفاقية، نذكر منها ما يخص قطاع تكنولوجيات الاتصالات والمعلومات منها:

–      لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من العيش في استقلالية، والمشاركة بشكل كامل في جميع جوانب الحياة، تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة التي تكفل إمكانية وصول المعوقين، على قدم المساواة مع غيرهم، إلى البيئة المادية المحيطة ووسائل النقل والمعلومات والاتصالات، بما في ذلك تكنولوجيات ونظم المعلومات والاتصال.

–      تشجيع إمكانية وصول المعوقين إلى تكنولوجيات ونظم المعلومات والاتصال الجديدة، بما فيها شبكة الإنترنت.

–      تشجيع تصميم وتطوير وإنتاج وتوزيع تكنولوجيات ونظم معلومات واتصالات يمكن للمعوقين الوصول إليها، في مرحلة مبكرة، كي تكون هذه التكنولوجيات والنظم في المتناول بأقل تكلفة.

الاستفادة من المحتوى كما وردت في الاتفاقية

يمكن الاستفادة واستخدام وسائل النشر الالكتروني التفاعلي، وإتاحة المعلومات العلمية والثقافية وصنوف المعلومات الأخرى عبر شبكات مراكز الأرشفة والمتاحف والمكتبات الرقمية والنصية.

كما يمكن استثمار طاقات الأشخاص ذوي الإعاقة بتشغيلهم في صناعة المحتوى التي لا تتطلب مجهودا عضلي تقريبا. وذلك من خلال التحرك في إطار إستراتيجية واضحة وواقعية للاستفادة من التفوق المعلوماتي لدى معظم الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن أهم المقومات اللازمة لوضع هذه الإستراتيجية هو الرصد العميق والمستمر لقدراتهم وتأهيلهم، أو إعادة تأهيلهم  بما يتناسب مع صناعة المحتوى .

مما يسمح بالتعامل مع المعلومات كل حسب حاجته، ويسمح مجتمع المعلومات باندماج الفئات الاجتماعية المهمشة فيه، وعلى نحو خاص الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ سيمكنهم من العمل والتواصل والتعليم بسهولة ويسر.

–       ان صناعة المحتوى وصناعة التطبيقات عنصران هامان في الدخل القومي، ويجب مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في تلك الصناعة.

–       ضرورة توفير حاسوب لكل معاق يتم تطويره مرة كل خمس سنوات على الأقل.

–       يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة (خاصة الحركية والسمعية والبصرية) ان يكون لهم دورا كبيرا في تطوير تلك الصناعة لما لديهم من ذكاء فطري ومقدرة على التحدي، والتعلم إذا ما توفرت لهم البيئة التي تمكنهم من ذلك

–       أن قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة قضايا متعددة الإبعاد،  لابد من مراعاتها واستثمار الإمكانيات التي تتيحها تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات عند دراسة قضاياهم، (الصحة، والتعليم، الإعلام، السياحة، والرياضة…..الخ).

–       العمل على تخفيض كلفة اقتناء منتجات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، سواء على كافة الأجهزة او التطبيقات او غيرها. ذلك بكافة طرق التخفيض مثل الإعفاءات الجمركية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل، أو تقديم الدعم لتخفيض السعر.

–       ضرورة وضع خطة عمل طويلة الأجل للنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة تأخذ بعين الاعتبار الإبعاد السابقة وما جاء في الاتفاقيات والاستراتيجيات الدولية المختلفة ذات العلاقة بتلك الإبعاد (البعد الصحي والاجتماعي والثقافي والتأهيلي ….الح).

ومما سبق يمكن القول أن تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ستلعب دورا كبيرا في عملية دمج الأشخاص ذوي الإعاقة، إذا ما أحسن استخدامها واستثمارها أفضل استثمار ممكن في هذا المجال، حيث أنها تخلق مجتمعا بلا إعاقات وبلا تمييز وبلا حدود، مجتمع متكافئ الفرص بين أفراده. فالجميع لديه الفرصة لرسم السياسات وإبداء الرأي والتعلم والتأهيل، والعمل والاعتماد على النفس. 

وأخيراً لا يمكنني إلا أن أتبنى التوصيات المذكوره أعلاه والبنود التي وردت في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة لجهة الإعلام الاجتماعي والتواصل والتكنولوجيا، وأدعو دولتي الكريمة بأن تلتحق بباقي الدول وتوقع على هذه الاتفاقية وتعمل على تنفيذ بنودها، وقبلاً أن تعمل على تنفيذ القرار رقم 220 الذي صدر عنها.

وأضيف توصية واحدة الا وهي، أن يخصص في الاعلام عامة ما يسمى بالإعلام الخاص الذي يعني بالأشخاص ذوي الإعاقة، ويرصد مشاكلهم ويحللها وينشرها ضمن تقارير أسبوعية على الأقل،  تماماً كما نشاهد ما يخصص في الاعلام الاقتصادي.

كما ويؤسفني القول هنا وفي هذا الملتقى بأن واقع الأشخاص ذوي الإعاقة  في لبنان مأساوياً من عدة جهات، لأن الدولة والمؤسسات والإعلام بجميع وسائله غير معنيين ولا مهتمين بكل هذه الهموم والمشاكل التي يعاني منها المعوق، وجميع المواقع الحكومية المعنية بالتخطيط والرعاية والاهتمام ضعيفة جداً في المضمون والإعلام والتكنولوجيا، فهم لا يشعرون بحجم المآساة ولا يرونها. فكيف بالنظر إلى المواثيق الدولية والعالمية التي تقدمت وتطورت بأشواط كبيرة، وكأننا هنا في لبنان نعيش في كوكب آخر ليس على هذه الكرة الأرضية.

مصادر ومراجع:
1- Antony Mayfield, What is Social Media? an e-book from ICrossing, 2008, p:5, available on: http:/ www.icrossing.co.uk/fieldadmin/uploads/eBoiks.
2- الزبيدي، قيس، صحيفة الإمارات اليوم، دور وسائل الاتصال، آذار 2011.
http://www.emaratalyoum.com
*** قانون 220 يتعلق بحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان، مرسوم رقم 1834 تاريخ كانون الأول 1999، والذي صدق عليه بتاريخ 29 أيار 2000
http://socialaffairs.gov.lb
http://www.ministryinfo.gov.lb
Http://www.arabic.euronews.com
تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة- معهد البحث الايرلندي smartlab:
http://arabic.euronews.com
مواثيق الامم المتحدة في العام 1945- والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة(2007)
مركز دراسات وأبحاث ورعاية المعوقين:
http://www.caihand.org

 ملاحظة : ورقة عمل مقدمة إلى قسم الإعلام في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية رئيسة تحرير المنال بعنوان: “الإعلام الاجتماعي وذوي الإعاقة  بين الحقوق والواقع”(لبنان نموذجاً) إعداد د. سنا الحاج بيروت – لبنان آذار

2012

 

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …