عبدالله أبوشرخ/ هذه المقالة هي مساهمة فكرية في تصحيح مفاهيم تم خلطها وتزويرها، ليس جهلاً بل متعمداً وعن سابق إصرار. فالقرآن الكريم خاطب المؤمنين (الذين آمنوا) كما خاطب المسلمين كما خاطب ” العالمين ” و ” الناس “، والملاحظ أن الأركان الخمسة التي قيل لنا أنها أركان للإسلام، إنما هي أركان فرضت على المؤمنين فقط وليس على جملة المسلمين!
فما هو الفرق بين الإيمان والإسلام ؟؟! وكيف يمكن تصحيح الأفهام بدلائل قرآنية مصحوبة بتحليل عقلي ومنطق سليم ؟!
أولاً: مفهوم الإسلام
الإسلام ليس هو رسالة النبي محمد – ص – وحده كما تقول الوهابية، ذلك أن الإسلام دين تراكمي شارك به جميع الأنبياء بدءاً من نوح وإبراهيم ومروراً بموسى وعيسى ثم محمد خاتم المرسلين .. يقول النبي محمد – ص – ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” أي أن الأخلاق موجودة من قبل ولكني بعثت لأتممها ! ثم الآية ( وما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً بل كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين – آل عمران ). أي أن الإسلام كان ديانة النبي إبراهيم أيضاً!
الدليل القرآني الأول والذي يقطع بأن مفهوم الإسلام يختلف عن مفهوم الإيمان هي الآية الكريمة ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنواولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم – الحجرات 14 ).
للإسلام كما أوضحنا مفهوم عام يشمل جميع الديانات التي سبقت الرسالة المحمدية، فاليهود مسلمون والمسيحيون مسلمون، وحتى الصابئة مسلمون، وشرط الإسلام هو ( الإيمان بالله واليوم الآخر ) ثم ( العمل الصالح ). ( من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً )، ونجد هذا في الآية ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 62 )، بمعنى أوضح، أن ( الذين آمنوا = أتباع محمد )، و ( الذين هادوا = اليهود ) و ( النصارى = المسيحيون ) بل وحتى ( الصابئين ) كلهم لهم ثوابهم وأجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم يوم الحساب.
المتنطعون الوهابيون ينهضون من نومهم قائلين بأن هذه الآية منسوخة بالآية ( إن الدين عند الله الإسلام )، وعلى العكس فهذه الآية تؤكد ما ذهبنا إليه، وهي أن الدين هو الإسلام بمعناه الشمولي العام الذي يضم جميع الديانات التي سبقت الرسالة المحمدية من زمن نوح وإبراهيم وانتهاءا بمحمد – ص !
والإسلام بمعنى قرآني آخر، هو كل عمل وسلوك منافي ومعاكس للإجرام ونقرأ هذا في قوله تعالى ( إن للمتقين عن ربهم جنات النعيم، أفنجعل المسلمين كالمجرمين، مالكم كيف تحكمون – القلم: 34، 35، 36 ). والتقوى أيها الأعزاء هي اعتقاد محله القلب والوجدان. القتل جريمة، والسرقة جريمة، والاغتصاب جريمة، والكذب جريمة، وكل هذه الأفعال منافية للإسلام. بهذا المعنى فإن المسلمين هم أهل الأرض عامة، أما المؤمنين فهم أتباع الرسالة المحمدية فقط.
والإسلام هو الفطرة الإنسانية التي تجعل الأطفال يجزعون من مشهد الدم عند ذبح الأرانب والحمام أمام أعينهم، وهذا هو الفهم المتكامل للإسلام بحسبانه ديانة أهل الأرض أجمعين !
ثانياً: الإيمان
الإيمان هو شيء يضاف للإسلام. وإذا كان الإسلام هو الفطرة، فإن الإيمان يأتي عكس الفطرة. هو تكاليف إضافية لمن أراد الاستزادة في مرضاة الله. فالفطرة أن يحب الإنسان النوم فجراً، لا أن يصحو ويتوضأ بالماء البارد شتاءا، ففي هذا مشقة لا يمكن التهوين منها. الصلاة من تكاليف الإيمان المحمدي وليست فريضة على كل أهل الأرض ” المسلمين “. كذلك من الفطرة أن الإنسان يحب التهام الطعام عند شعوره بالجوع ولهذا فإن فعل ( الأكل ) من الإسلام، أما الصيام ( الجوع والعطش ) فهو تكاليف تدفع ضد الفطرة، ولهذا فرض الله الصيام على ( الذين آمنوا )، أي على أتباع النبي محمد – ص !
بالطبع قد يخطر ببال أحدنا، أن كلمة المؤمنين قد تشمل مجموعة من أتباع كل ديانة وليس فقط الديانة المحمدية، ذلك أن الإيمان بأي فكرة حتى لو كانت عادية وغير مقدسة نسميه ” إيمان “، وهنا يجب وضع النقطة على الحرف، فالإيمان على إطلاقه لغةً يختلف عن الإيمان اصطلاحاً في قوله تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً )، والتي قصد بها الصلوات الخمس التي وردت في القرآن في أكثر من سياق مثل ( يا أيها الذين آمنوا حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) !
هل ترون أيها الأحبة كيف نطلت علينا حيلة تزوير مفهوم الإسلام لكي يعني أتباع محمد – ص – فقط مع تكفير باقي الديانات وباقي أهل الأرض ؟! هل ترون كيف انطلت علينا حيلة جعل أركان الإيمان أركاناً للإسلام بما يعارض وينافي الأفهام القرآنية ؟؟! ألا نخجل ونحن نرى الأجانب الذين نكفرهم، لا يكذبون، ومخلصون في أعمالهم ومواعيدهم ؟؟! ألم نشاهد هنا في غزة كيف قامت الدول التي نسميها ” كافرة ” بتمويل بناء جميع المدارس ( الحكومية والوكالة ) بل وجميع المستشفيات ؟؟؟ هل هؤلاء إلى النار بينما من يقتل الآمنين إلى الجنة ؟؟! هل مكتشف البنسلين ومخترع البنج إلى النار بينما الدواعش المجرمين إلى الجنة ؟؟! حقاً صدق الله العظيم في قوله ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين، مالكم كيف تحكمون ) ؟؟!