تحري
تحري الهلال

الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا:الصوم يكون بمراقبة هلال رمضان

الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا:الصوم يكون بمراقبة هلال رمضان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ حَسُنَ اتِّبَاعُهُمْ وَكَمُلَ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَبَعْدُ

فَإِنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الشَّرْعِ بِنُصُوصٍ صَرِيحَةٍ وَقَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا لَا يَصِحُّ الِاجْتِهَادُ فِيهَا بِمَا يُخَالِفُهَا، لِذَا فَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ الْقُرْءَانُ وَحَدِيثُ الرَّسُولِ الثَّابِتِ وَالْإِجْمَاعُ كَيْفِيَّةَ مَعْرِفَةِ بِدَايَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ خِلَافَ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْإِجْمّاعِ إِلَّا الضَّلَال.

وَلْيُعْلَمْ أَنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ أُمِّيًّا، وَأَنَّ عِلْمَ تَسْيِيرِ النُّجُومِ وَالْقَمَرِ كَانَ مَعْرُوفًا حَتَّى قَبْلَ بِعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الرَسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ: “إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْحِسَابِ الفَلَكِيِّ فِي إِثْبَاتِ بِدَايَةَ الشَّهْرِ الْقَمَرِيِّ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ ، الآيَةُ فِيهَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ الْعَيْنِيَّةِ لِهِلَالِ رَمَضَانَ وَلَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ بِطُرُقٍ أُخْرَى كَالْحِسَابِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ  أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ: “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَاَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا” فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا رُؤْيَةُ الْهِلِالَ بِالْمُرَاقَبَةِ الْعَيْنِيَّةِ بِسَبَبِ غَيْمٍ أَوْ لِشَهَادَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي إِثْبَاتِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ بَلْ تَتِمَّ بِذَلِكَ اليَوْمِ عِدَّةُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ سَلَفِهِمْ وَخَلَفِهِمْ، وَهَذَا الْيّوْمُ يُسَمَّى يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: “مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَا أَبَا الْقَاسِمِ” وَدَلَّ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَرَّمَ صِيَامَ يَوْمَ الشَّكِّ.

وَقَدْ ذَكَرَعُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ عَدَمَ جَوَازِ الِاعْتِمَادِعَلَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ وَالْفَلَكِيِّينَ فِي إِثْبَاتِ الصَّوْمِ:

فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ زَكَرَيَّا الأَنْصَارِيِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ “أَسْنَى الْمَطَالِبِ” مَا نَصُّهُ: “وَلَا عِبْرَةَ بِالْمُنَجِّمِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَا يَجُوزُ، وَالْمُرَادُ بِآيَةِ ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ الِاهْتِدَاءِ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَفِي السَّفَرِ”.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ الْحَنَفِيُّ فِي كِتَابِ “رَدُّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ” مَا نَصُّهُ: “وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ أَيْ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِ بَلْ فِي الْمِعْرَاجِ لَا يُعْتَبَرْ قَوْلُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ”، ثُمَّ قَالَ: “وَوَجْهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَمِدِ الْحِسَابَ بَلْ أَلْغَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرَ هَكَذَا وَهَكَذَا”.

وَفِي كِتَابِ “الشَّرْحِ الْكَبِيرِ” لِلدَّرْدِيرِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مَا نَصُّهُ: “لَا يَثْبُتُ رَمَضَانَ بِمُنَجِّمٍ أَيْ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ”.

وَفِي كِتَابِ “كَشَّافِ الْقِنَاعِ عِنْ مَتْنِ الْإِقْنَاعِ” فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا نَصُّهُ: “وَإِنْ نَوَاهُ أَيْ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ مِنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إِكْمَالِ شَعْبَانَ أَوْ حَيْلُولَةِ غَيْمٍ أَوْ قَتْرٍ وَنَحْوِهِ كَأَنْ صَامَهُ لِحِسَابٍ وَنُجُومٍ وَلَوْ كَثُرَتْ إِصَابَتُهُمَا أَوْ مَعَ صَحْوٍ فَبَانَ مِنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ لِمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ شَرْعًا”

اعْلَمْ أَخِي الْمُسْلِمُ أَنَّ أَمْرَ الْعِبَادَةِ لَيْسَ بِالرَّأْيِ إِنَّمَا بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ فَلْيَحْرِصِ الْوَاحِدُ مِنَّا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ”.

8
8
9
 

شاهد أيضاً

جورجيا

من يؤثر على الديمقراطية في جورجيا ودول أخرى؟

أحمد عبد اللطيف / في السنوات الأخيرة، أصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة …