%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9 أوكرانيا

الإخوان المسلمون يَرِثون الجاليات العربية في أوروبا

سلامة عطا الله / لم يكن لصراعات العرب أن تستمر دون أن تزيد من منسوب الكراهية الجمعية والجماعية والفردية، والمعطيات تفيد بأن صيغة الكراهية لم تعد كما كانت في السابق، حينما كان الشعب الواحد يختزن ويمارس كراهية سلامةضد “خارجي” حقيقي او مفتعل، او ضد مكون داخلي منبوذ ومحاصر. الكراهية باتت ثقافة وتفاعلا فرديا، بعد أن تفوق الفرد بكراهيته على ما كان يورثه عن مجتمعه من كراهية.. فأضاف وضاعف، والى جانب توافقه مع مجتمعه في صنوف كراهية ضد آخرين، فهو يكره مجتمعه الكاره لكل شيء.

يتجلى ما سبق من خلال استطلاع حياة العرب في المهجر، فلم يعد غريبا، ان يبتعد لفرد عن ابناء جاليته حتى الانفصام أو الانفصال، بل ويفضل أن يعمل ويتعامل مع مكونات أخرى، تضمن له حساسية أقل، وربما مشاكل أقل، وأحيانا وفي اوقات مقتطعة، يقترب من بعض ابناء جاليته، لأنه يشترك معهم في الحاجة للكلام عن مفاعيل كراهية، – وحدهم من يفهمها ويقدرها ويعطيها حقها في الحديث والنقاش-.

إذاً لم تعد الجاليات بجاليات، وزالت وذابت علّة وجود اي تجمع عربي في الغربة على أساس العرق او القومية او البلد، ولم يكن الاندماج مع المجتمع الجديد بديلا ولا بأي شكل من الاشكال، إلا مع بعض الاستثناءات التي لا ترقى الى مستوى الربع.

ولأن التجمع حاجة وضرورة وسِمة فطرية وقدرية، فقد نشأت مجموعات تجمعها اهتمامات او مزاجات او هوايات، أكانت ثقافية أو فنية أو متعوية أو دينية، ومع الزمن تتقلب التشكيلات وتتبدل، وأحيانا تمنعها الامكانات والقدرات عن التواصل.

وفي حراك تشتت العرب في الغربة لأسباب متعددة، لم يثبت لفترة طويلة سوى مكون واحد، يتجسد بالإخوان المسلمين.. لعدة اسباب:

– الاخوان يتحكمون ومنذ زمن بالوعظ والارشاد الديني والفتوى والخطابة في المساجد، والتي تزداد كما يزداد روادها.

–  هم من تحصنوا والتزموا خطابا علنيا، يؤهلهم للدفاع عن أنفسهم، واقناع غيرهم بأنهم ليسوا دعاة تطرف وعنف، حتى وان كان خطابهم الداخلي على النقيض من ذلك.

 –  حصرا من يمتلكون تشكيلا وهيكلية تنظيمية ووسيلة عمل، تستطيع الصمود في وجه اي استهداف، فمن خلال المحاضن التربوية، او ما يعرف ب ” الأسر”، يواصلون تجمعهم وتغذيتهم الداخلية، فالأسرة تتكون من بضعة اشخاص، يتبادلون الزيارات، وفي كل مرة، يواظبون على قراءة المناهج المعروفة للإخوان، ولا يمكن لجهة او قانون ان يمنعهم من ذلك، سيما مع احتفاظهم بسريتهم وكتمانهم، من باب ” تعاونوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان”.

 –  الاخوان لا يزالون يتصدرون التفاعل مع القضايا التي تخاطب الاحاسيس الجمعية العربية، ومنها فلسطين ، سيما وأن الاحتلال غالبا ما يستهدف غزة الخاضعة لسيطرة حركة حماس كأحد فروع الاخوان، وراية أحد أهم مشاريع الجماعة في المنطقة، إذ لم يكن خافيا الحضور اللافت للإخوان في اغلب التظاهرات والتفاعلات الجماهيرية حول العالم، تضامنا مع غزة وعنوانها حماس.

–  الجماعة تمسك بعصب الجمعيات الخيرية، الى جانب بعض المدارس الخاصة، والمؤسسات ذات الانشطة الاجتماعية، وعدد من وسائل الاعلام، بالإضافة الى انشطة دورية كالمخيمات الصيفية والمهرجانات والملتقيات والمحاضرات، وحركة النشر والتوزيع للكتب والمناهج والافكار الخادمة لرؤية الجماعة، والامثلة على ذلك كثيرة، بل وتزداد في الجامعات داخل اوروبا، حيث تستدعى بعض الشخصيات لإلقاء محاضرات غير منهجية، بتنظيم من شباب الجماعة المتسترين تحت عناوين تجمعات طلابية.

 –  وكما هو معهود عن المبادرات والانشطة الشبابية، فغالبا ما تتسم بأنها نتاج مجموعات لا افراد، وبالتالي فإن الحرص البيني والذي يميز شباب الجماعة فيما بينهم، يجعلهم اكثر قدرة على الانجاز وإحداث أثر، مع حضور لافت لمن يسمين “بالأخوات” ، خصوصا داخل الجامعات وفي الأحياء ذات الاغلبية العربية، فهؤلاء وقبل ان يتخرجوا من الجامعة، ينقلون تجاربهم وخبراتهم ومهامهم الى الاجيال اللاحقة، مع استفادة كبيرة من خارج البيئة الجامعية، وما يقدمه “المشايخ” من توجيه وإعداد.

– التراكمية في العمل المجتمعي والوعظيّ العام، ميزت جماعة الاخوان عن غيرها من المسارات الاخرى داخل الحضور العربي في المهجر، ومن السهل ملاحظة التغيرات والتكتيكات الناتجة عن الخبرة في العمل العام، حيث لم يعد الاهتمام حصرا  بالحشد والتنظيم وصولا لما يسمى “بالمبايعة للجماعة”، بل صار المنهج يعتمد على إحداث اكبر قدر من التأثير على الحضور العربي والاسلامي بما يخدم اجندة وافكار وعقيدة الجماعة، حتى وان لم تحظ الاخيرة بكثير من الانصار الاقحاح، فالمظاهر “الاسلاموية” في الاوساط العربية، يقف خلفَ كثيرٍ منها، مجهودٌ اخواني، يمتد بين العائلات والاحياء والمساجد والمدارس والجامعات والمكتبات وفي وسائل التواصل الاجتماعي.

لم يتعمق الكثير في دراسة وشرح احساس يعتمل اغلب المسلمين في الغرب، فقد يكون الشخص في بلاده بعيدا وربما كارها للطقوس الدينية، اما خلال وجوده داخل دولة غير مسلمة او “كافرة”، فيجد نفسه مدفوعا نحو التدين، او على الاقل، يتضاعف احترامه وتقديسه للدين ومظاهره.. صحيحٌ أنّ البعضَ يُرجع ذلك، الى ما يسمى بملأ فراغ الهوية.. فالمغترب ليس  بقادر على ان يصبح اوروبيا كاملا مثلا، ولا هو بكامل الانتماء والانصهار بوطنه في نظر ابناء شعبه هناك،  فيستعيض عن ذلك بالدين..  هذا التفسير يبقى ناقصا، ويستدعي مزيدا من التعمق، ولكن وكي لا نبتعد عن الموضوع، فإن هذا التحول الفردي، يصب في صالح الجماعة.

 سواء أكان التحول الفجائي صوب التدين فرديا او جماعيا، فأكثر المنابع غزارة لري العطش للدين (الإسلام)،  واكثرها عصرية، هو ما يجري في مجرى الاخوان المسلمين، فالأمة الاسلامية لم تجدد منذ حقب بعيدة في ادبيات دينها، وآخر وأكثر من كتب عن الدين بلغة عصرية مفهومة وقريبة للواقع، هم منظّروا وكتاب الاخوان.

 –  مهما غلبت القوانين وسيطرت الانظمة في الدول الاوروبية، تبقى الاحوال الشخصية والمشاكل العائلية والفردية للمسلمين بحاجة لميكانيزماتها ومعالجاتها الخاصة، من الزواج الى الطلاق الى التربية وصولا لنوعية الطعام، وبالتالي فان الملجأ غالبا ما يكون لمشايخ الجماعة، او نحو الاستئناس بأفكار وفتاوى الجماعة، فالعناوين الاسلامية الاخرى، إما أنها لا تتمتع بثقة ومصداقية نتيجة لسلوكيات قد يرفضها المزاج الاسلامي، او أنها صارخة في تطرفها، وهذا يدعو الاخرين للحذر والحرص خوفا من الملاحقة الأمنية.

– الجماعة ذكية في استثمار ما يسمى “بالمسافة الذكية”، ففي محاضراتها وملتقياتها، تأتي بمشايخ ومفكرين من خارج البلد المستضيف للنشاط، ويقتصر دور اعضاء الجماعة في البلد المضيف، على التحضير اللوجستي والتحشيد، فالأسماء اللامعة والبعيدة عن العيون يوميا، يكون لها اثرها وتأثيرها، فلا تسمع الناس سوى الكلام المنظوم والمنسق، دون ان ترى السلوكيات والعيوب، ولذا فان مجموعة من الاسماء الكبيرة، متخصصة في التنقل بين المدن الاوروبية، ترافقها دعاية تلميعية، ولا يراها الناس سوى على المنابر والمنصات.

–  نظرة على المحاضرات تفيد بكثافة العنصر النسوي، ولهذا دلالات كثيرة، فالفتيات والنساء المحجبات، قد وضعن انفسهن في معزل نسبي عن المجتمع، او على الاقل ميزن انفسهن بمظهر معين، وحتى وان اندمج بعضهن في المجتمع الاوروبي العام، الا ان الحجاب له انعكساته النفسية والمعيشية، فالمحجبة تميل للمحجبة أملا في شعور  وسلوك مشترك مع قرينتها، وربما فرصة للنميمة على آخرين لا يلتزمون بهذا الزيّ، او للشكوى والتفريغ جراء ما يعانين بسبب نظرات او ربما مضايقات، كما أن الفتاة وكي تعمل او تتزوج، فقطعا ستندفع نحو محيط اسلامي يقدر ويثمن حجابها،  والانخراط في انشطة دينية، يساعد على ذلك، ويزيد من فرص الالتقاء بزوج محتمل، يبحث عن محجبة، كما ان الجماعة معروفة باهتمامها في تزويج الشباب، وبعض مشايخها الميدانيين، ينفقون جهدا جادا في التقريب والتزويج، وكأنهم ” خطّابه”، فضلا عن حاجة المحجبة لخطاب يجدد فيها الثقة، ويؤكد لها دوما بأنها الأفضل والاكثر محافظة …الخ.

– الحرب الاوروبية الداخلية على الارهاب، يرافقها تفاعل مجتمعي كبير مع كثير من الغضب والسخط الشعبي بالإضافة لتغطيات ومفردات اعلامية، تجنح للتعميم أحيانا، وهذا ما تستثمره للجماعة، لحشد المسلمين الممتعضين من ذلك، وتستفيد من ردود فعل بعض المسلمين، كي تستقطبهم الى مجموعات يشعرون من خلالها، بانهم في مجتمع خاص، لا ينتقص من قيمتهم، بل ويبث فيهم الاستاذية والرفعة والتميز، على اعتبار انهم الافضل، حسب المقاييس ” الشرعية”.

–  ما من رابط جمع بين مكونات من الحضور العربي والتركي في اوروبا كما الاخوان المسلمين، فالجماعة استفادت من علاقتها الطيبة والعضوية مع النظام التركي الحاكم، وانصاره في الجاليات التركية داخل اوروبا وامكاناتهم المادية وأعدادهم، فاستطاعت الجماعة ان تعظم من حضورها، وتضاعف امكاناتها، وتوسع خياراتها، فالأنشطة الاخوانية غالبا ما تجمع عربا واتراكا وأفارقه، وهذا نادرا ما يحدث، عدا عن المساجد، والتي لا يعتبر فيها التجمع تنظيما، يمكن ان يُنتج مخرجات عملية جمعية.

 –  الفاعلون في الجماعة تربطهم علاقات جيدة مع احزاب سياسية اوروبية، ومنهم من لا يرى حرجا في مشاركة احزاب يسارية بعض الانشطة، فهذه الاحزاب تريد صوتا عربيا، ونشطاء الاخوان هم الاكثر وضوحا وتأثيرا، وفي المقابل، تسعى الجماعة للمشاركة السياسية عبر بعض اعضائها ومن خلال احزاب قائمة، فهي لا تستطيع تشكيل حزب، او الاعلان الصريح عن برنامج انتخابي، او التصريح بالانتماءات الحقيقية لأفرادها، ولعل ما يضحك احيانا، ان يُنظم حزب  يساري اوروبي مهرجانا للتضامن مع فلسطين، ويشارك نشطاء الاخوان ببعض الاناشيد الاخوانية، وكأنها اغاني وطنية فلسطينية، مع حضور واضح لأعضاء الجماعة بين الحضور الاوروبي، كما ان انتماء اعضاء من الاخوان في احزاب اوروبية، سهل عليهم التواصل مع المستويات السياسية، ومخاطبة مؤسسات.

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …