د.سفيان ابو زايدة / بعيدا عن التفاصيل التي يستتر خلفها الكثير من الشياطين ، لا اعتقد ان هناك وطني فلسطيني يمكن ان يعارض او يتحفظ على اتفاق مخيم الشاطئ كما اسماه اخي و صديقي الصحفي زكريا التلمس. هذا الاتفاق الجديد الذي يأمل كل انسان شريف ان يلقي بالانقسام خلف ظهورنا و ان لا يكون مصيره كمصير من سبقه من اتفاقات.
لا شك ان هناك الكثير من العوامل المحليه و الاقليمية التي تساعد في انجاح او تعطيل هذا الاتفاق. هذا الامر لا يتوقف فقط على النوايا الحسنه لدى كافة الاطراف و التي من المطلوب توفرها في كل الظروف و الاحوال. هناك ايضا مؤثرات ، خاصه اسرائيلية لن يروق لها هذا الاتفاق ، و لذلك لم يمكن مفاجأة ان تكون اول ردة فعل صادرة من جهة اسرائيلية و على لسان وزير خارجيتها المستوطن ليبرمان الذي هاجم الاتفاق ، و الاهم من ذلك و قبل ان ينهي الاستاذ اسماعيل هنية كلمته كانت الطائرات الحربية تقصف في شمال بيت لاهيا ، اي على بعد سبعة كيلو مترات فقط من مكان الاجتماع.
ربما سيكون الجزء الاسهل في تطبيق هذا الاتفاق هو تشكيل حكومة الوفاق الوطني خلال فترة الخمس اسابيع، وكذلك اصدار مرسوم بتحديد موعد الانتخابات الرئاسية و التشريعية و كذلك المجلس الوطني. هذا لا يعني بالضرورة ان الانقسام قد انتهى لان مشكلة الشعب الفلسطيني هي ليست السلطه و ليست الانتخابات حيث تسمع التهديدات ليل نهار بحلها او تفكيكها او اعادة مفاتيحها للاحتلال. على الرغم ان اتفاق الشاطئ سيضع حدا و لو بشكل مؤقت عن الحديث حول هذا الامر حيث لا يعقل توقيع الاتفاق اليوم على تشكيل حكومه و الذهاب الى انتخابات و في نفس الوقت نهدد الاسرائيليين بأننا سنعيد مفاتيح السلطة لهم على اعتبار ان الاحتلال هو صاحب السيادة الفعلية على الارض.
خلال الايام القليلة القادمة سيتضح اذا كان هذا الاتفاق الجديد هو بالفعل الاتفاق الاخير على طريق انهاء الانقسام ام سيلاقي نفس مصير من سبقة من اتفاقات في مكة و القاهرة و الدوحة. الامر يعتمد على العديد من التطورات التي قد تعكس نفسها و قد تؤثر على آليات ورتم تنفيذ هذا الاتفاق. من هذه القضايا على سبيل مثال:
اولا: تمديد المفاوضات من عدمها :
نهاية هذا الشهر هل سيكون هناك تمديد للمفاوضات و بالتالي ابقاء الوضع كما هو عليه في كل ما يتعلق بالعلاقة ما بين السلطة و اسرائيل. اذا تم تمديد المفاوضات دون اي التزامات اسرائيلية عملية لن يكون هناك موقف اسرائيلي سلبي حقيقي او عملي تجاه تشكيل حكومة الوفاق الوطني و كذلك اجراء الانتخابات في الضفة الغربية و الاصرار مع احتمال منع اجراء الانتخابات في القدس.
المنطق الاسرائيلي سيكون ضعيف في معارضة المصالحة الفلسطينية طالما هناك مفاوضات نحن كفلسطينيين قبل غيرنا نعتبرها عبثية.
اما اذا كان هناك موقف فلسطيني يترجم ما قررته اللجنة المركزية و اللجنة التنفيذية بعدم التجديد الا وفق شروط محددة اهمها الوقف الكامل للاستيطان فأن اسرائيل ستعتبر ان السبب في عدم التمديد ليس بلطجتها هي بل المتهم هم الفلسطينيين حيث اختارت السلطة المصالحة مع حماس بدل المصالحة مع اسرائيل كما قال نتنياهو واعضاء حكومته في اكثر من مناسبة.
ثانيا: اطلاق سراح المعتقلين و اعادة فتح المؤسسات و اطلاق سراح الحريات العامة:
لا يهم اسرائيل اذا كان هناك اطلاق سراح للمعتقلين في غزة و لكنه يهمها اذا كان هذا الاتفاق سيؤدي الى تغيير جذري في عمل الاجهزة الامنية في الضفة الغربية ، خاصة تجاه حماس. و على اعتبار ان اطلاق سراح المعتقلين ووقف الملاحقات و الاستدعاءات و اعادة فتح المؤسسات هو جزء اساسي من الاتفاق. يمكن للمرء ان يتخيل ردة الفعل الاسرائيلية اذا ما تم احداث تغيير في قواعد اللعبة الامنية. التذكير بهذا الامر هو فقط للتنبيه لمدى الصعوبات و العقبات التي قد تقف عائق امام تنفيذ الاتفاقات.
دون اطلاق سراح المعتقلين ووقف الاستدعاءات و الملاحقات و الاعتقالات و اطلاق سراح الحريات العامه لن يكون هناك مصالحه حقيقية و سيكون ما حدث من اتفاق مجرد تفكيك ازمات لقيادات و لتنظيمات اكثر منه انهاء للانقسام.
ثالثا: استيعاب موظفي حماس و دمج الوزارات:
الاتفاق سينهي حكومتي غزة و الضفة و تشكيل حكومة وفاق وطني، السؤال الذي لا مفر منه ، و على اعتبار ان اهم عمل تقوم به الحكومة هو توفير رواتب موظفيها، هل هناك ضمانات لتوفير رواتب الموظفين ؟ و بشكل اكثر تحديدا هل الحكومة القادمة ستوفر رواتب لكل الموظفين بما في ذلك موظفي حماس الذين يتجاوز عددهم الثلاثين الف موظف ام ان هناك تفاهمات جانبية و حلول خلاقة المواطن البسيط لا يعرفها؟
هل من الممكن ان يتم ذلك خلال الفترة الانتقالية؟ الايام و الاسابيع القادمة ستكشف للمواطن الفلسطيني ما اذا كانت هناك حلول خلاقة لحل هذة المشكلة و الاهم من ذلك سيراقب الجميع كيف ستكون آلية دمج الوزارات و الدوائر المختلفة.
رابعا: فك الحصار عن غزة:
ان اهم فائدة قد تعود على حماس بشكل خاص و المواطنين الفلسطينين في غزة هو ان يؤدي هذا الاتفاق على انهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، و اهم ركيزة من ركائز هذا الحصار هو معبر رفح. فتح المعبر بشكل دائم من خلال تولي حكومة الوفاق المسؤولية عليه مما سيريح الاخوة المصريين سيشكل رافعه مهمة على طريق تنفيذ هذا الاتفاق . سماح الاخوة المصريين للدكتور موسى ابو مرزوق بالدخول الى غزة و المساهمة في دفع عجلة الاتفاق هي رسالة مهمة تؤكد على الدعم المصري لهذا الجهد و هذا من المفترض ان ينعكس على مواقفهم تجاه اعادة فتح معبر رفح على اقل تقدير.
هذا فقط جزء من الاسئلة التي تحتاج الى اجابات توضيحية مع الاخذ بعين الاعتبار ان الاطراف التفاوضية قد تكون تطرقت الى هذة القضايا و قضايا اخرى و لكن فضلت ترحيلها الى مراحل متقدمة.
على اية حال ، وجع الشعب الفلسطيني في غزة و الضفة و الشتات ليس حكومة و انتخابات، في غزة انهكهم الحصار و الفقر و البطالة و مياة الشرب الملوثة، و في الضفة انهكهم الاستيطان و عربدة المستوطنين و استفزازاتهم ، هذا ما يبحث عنه الناس .