حازم عياد/ في مبارة لكرة القدم بين احد الاندية من وسط ايران وآخر من مقاطعة اذربيجان الايرانية قبل عام تقريبا، هتفت الجماهير الاذرية للثورة السورية مستفزة ضيفها في المقاطعة ومتحدية سلطة الدولة الايرانية، حادثة لم تأخذ بعين الحسبان ولم يلتفت لها الكثيرون ممن ينظرون للصراع مع ايران على انه صراع طائفي، فأذربيجان واقليمها الخاضع للسيطرة الايرانية شيعي امامي جعفري.
القضية السورية اذا لا تتعلق بالبعد الطائفي، فالطائفية هي واحد من امضى واقوى الادوات في السياسة الخارجية الايرانية، التي تمت تقويتها والعناية بها طوال الثلاثين عاما الماضية لتنضج الان وتصبح اكثر الادوات فاعلية لمواجهة الربيع العربي والدول العربية ومد النفوذ، لكنها ليست المحدد الحقيقي والوحيد لسياستها الخارجية بل هي اداة وليس محددا حقيقيا، فالصراع على النفوذ، ايران تدير صراعها في الاقليم بادوات طائفية خصوصا بعد الربيع العربي مستفيدة من الفضاء الطائفي الذي نشطت فيه طول العقود الثلاث الماضية.
نشطت ايران في الفضاء الطائفي الاقليمي منذ انطلاقة الثورة الاسلامية بقيادة الخميني، وكانت البداية الفعلية في لبنان بتأسيس حزب الله الذي انشق عن حركة امل بقيادة نبيه بري، كما ان الحرب العراقية الايرانية التي دامت ثمان سنوات فجرت طاقة كبيرة لدى القيادة الايرانية التي تمكنت من استثمار المعارضة العراقية واسهمت بشكل مباشر في بنائها، فعلى انقاض حزب الدعوة تأسس المجلس الاعلى للثورة بذراعه العسكري قوات بدر.
امتد النشاط الايراني الى الساحة الخليجية في ذات الفضاء في البحرين والكويت والسعودية، لم يتوقف المد الايراني عن هذه الحدود بل اتجه صوب افغانستان في حربها مع السوفيت فدعمت قبائل الهزارة ممثلة بحزب الوحدة والذي كان له دور في الصراع مع حركة طالبان فيما بعد.
ما ينطبق على الشق الاسيوي والذي امتد الى الهند والباكستان ينطبق على افريقيا، فالنشاط الايراني المدعوم ماليا وسياسيا ضرب في عمق القارة الافريقية وعمل حثيثا على اختراق التيارات الصوفية هناك، التطور اللافت في النشاط الايران والحراك في الفضاء الطائفي انه امتد في العشرية الاولى من الالفية الثالثة الى اليمن من خلال حركة الحوثيين، كما تمكنت في عهد الاسد الابن من تقوية نفوذها في لبنان وسورية بشكل لافت ومثير للاهتمام بل الاعجاب.
وفر الفضاء الطائفي الذي نشطت فيه ايران طوال الثلاثين عاما الماضية اداة قوية من ادوات السياسة الخارجية استثمرتها الى اقصى حد في تنشيط الحدود لمد نفوذها بل انتاج الازمات الاقليمية وفرض المزيد من الضغوط على الدول التي بلغ فيها حد الابتزاز السياسي.
حسمت ايران بعد الثورة هويتها الطائفية بعد الثورة الاسلامية بالمذهب الجعفري الاثنى عشري وصاغت النظام السياسي على هذه الاسس، فإيران تاريخيا ومنذ قيام الدولة الصفوية استعانت بقوة بالمذهب الجعفري لتعطي نفسها هوية متميزه عن هوية الامبراطوريتين القويتين حينها المغولية التي اسسها “تيمور لنك” والتركية العثمانية بقيادة “بايزيد” وكلاهما تحملان هوية سنية وعرقية مهيمنة، التركية والمغولية في اواسط اسيا واسيا الصغرى يقابلها العرب في المشرق العربي، الذي عاش ضعفا وفراغا لا يقل خطورة عما نراه الان في القرن الواحد والعشرين.
نقطة التحول في التاريخ الايراني كانت بظهور طموحات اسماعيل الصفوي الذي اعطى ايران هويتها الجديدة وكانت معركة “جالد ايران عام 1514” بقيادة السلطان العثماني سليم الاول واسماعيل الاول الصفوي من المعارك المهمة التي شكلت تاريخ المنطقة بلوالجغرافيا السياسية للمنطقة.
اهم الادوات التي استعملها اسماعيل الصفوي وهو من اصول عربية وليست فارسية كانت توظيف العرق الفارسي وما يمكن تسميته الايدلوجيا والغطاء العقدي الامامي لبناء دولته وتشكيل هويتها وحدودها وتحديد واحدة من اهم ادوات الصراع السياسي التي خاض من خلالها معاركه في اسيا الصغرى والمشرق العربي ووسط اسيا لتعزيز طموحاته الامبراطورية مع العلم ان اسماعيل كان سنيا الا ان طموحاته السياسية كانت من القوة بحيث جعلته باني ايران التي نعرفها جغرافيا وتاريخيا الان.
بغياب اسماعيل الصفوي اصبحت الهوية الشيعية الامامية والقومية الفارسية هي احد اهم محددات السياسة الخارجية الايرانية في تعاطيها مع دول الاقليم والقوى الاسلامية الموجودة في المشرق، بلغ حد التحالف مع البرتغاليين والفرنسيين والانجليز في الخليج العربي في مواجهة القوى العربية الصاعدة والامبراطورية العثمانية.
قلب ايران فارسي، الا ان الطائفة هي احد اهم ادوات الصراع التي استخدمت في خوض صراعها في المنطقة وتبرير مواقفها المتناقضة من القوى الاسلامية والاستعمارية المتصارعة.
كان لا بد من العودة الى التاريخ لنجد بعض التفسيرات للسلوك الايراني، الصراع مع ايران صراع على النفوذ صراع الفرس التاريخي لاثبات الوجود وليس صراعا طائفيا بحقيقته، فالطائفية ما هي اداة من ادوات الصراع، فالقومية الفارسية تعد 35 مليونا في حين ان الترك والمغول والعرب يمتد وجودهم الى اواسط اسيا، واستعانة اسماعيل الاول بالفرس والمذهب الشيعي مهد الطريق لايران التي نعرفها.
حقائق تثبتها الوقائع التاريخية، فاذربيجان دولة ذات اغلبية شيعية الا انها خاضت صراعات مريرة مع الدولة الفارسية انتهت بخسارتها جزءا مهما من اراضيها كما ان الاذر وغيره من شعوب اسيا الوسطى ينحدرون من اصول مغولية او تركية في الاغلب الاعم، ما ينطبق على الاذربيجانين ينطبق على الشيعة العرب والكرد.
اتقنت ايران استعمال الاداة الطائفية كما اتقنت الاستثمار في الصراع العربي الصهيوني، الى درجة انها باتت تطرح نفسها كراعية للاقليات والاكثر تفهما لاحتياجاتهم ولدرجة دفعت الرئيس بوتين الى امتداح التسامح الايراني الشيعي بحسب تعبيره، الاداة الطائفية الان هي الاداة الغالبة في ادراتها لصراع النفوذ الذي تخوضه في الاقليم العربي خصوصا بعد الربيع العربي، فأزمتها الناجمة عن الربيع العربي وعدم قدرتها القبول بصعود قوى عربية اكثر استقلالية وديمقراطية تدفعها بقوة الى اللجوء الى هذا الخيار خصوصا مع تراجع دورها المتوقع في الصراع العربي الصهيوني نتيجة بروز القوة التركية والمصرية، يفسر التاريخ كما تفسر الشواهد الحالية جزءا من السلوك الايراني واهم اداة في ادراتها للصراع على النفوذ في المنطقة وهي اداة فاعلة اعاقت تطور الربيع العربي وحدت من قدرات العرب على ملء الفراغ المتوقع من التراجع الامريكي في المنطقة.
نحتاج الى فهم اعمق لايران لنضعف واحدة من اهم الادوات التي تملكها كما نحتاج الى خطاب سياسي اكثر ادراكا لخطورة هذ الاداة التي لم نتقن تاريخيا التعامل معها بنفس الكفاءة التي تعامل فيها اسماعيل الصفوي ومن ورثه، فمحاربة ايران بنفس ادواتها ليست سمة الحكماء او الساسة، ايران ستبقى جارة ولكن نحتاج الى ادراك اعمق لسبل التعامل معها، فالصراع مع ايران ليس بالضرورة حتمية تاريخية فما انتجه التاريخ وصاغه اسماعيل الصفي قابل لاعادة الكتابه والصياغة بلغة جديدة فخارطة المنطقة وتاريخها لا زال مفتوحا على كل الاحتمالات، بالتأكيد لا تكفي مقالة واحدة لتحليل السياسة الخارجية الايرانية ومع طهران الا انها نقطة بداية تؤسس لمزيد من المحاولات للفهم الذي يأخذ بعين الاعتبار اهتمامات العرب الاستراتيجية مستقبلا.
المقالات التي تنشر تعكس أراء اصحابها