%D9%85%D8%A7%D8%AC%D8%AF %D8%B9%D8%B2%D8%A7%D9%85 أوكرانيا

إنتخابات تركيا وتحولات الأمتار الأخيرة؟

ماجد عزام / يبدو سباق الانتخابات البرلمانية التركية المقررة في السابع من حزيران/يونيو القادم محتدماً ماجد عزام أوكرانياجداً، متقارباً  ومعبراً عن مفصليتها وأهميتها لحاضر ومستقبل البلد، غير أن اللافت تمثل بالتبدل أو التحول في استطلاعات الرأي وموازين القوى لدرجة ان احتمال فقدان حزب العدالة والتنمية  الحاكم للسلطة أو اضطراره لتشكيل حكومة ائتلافية بات مطروحاً وبشكل جدي بعدما هيمن على المشهد السياسي والحزبي لعشر سنوات  تقريباً.

تعبير الانتخابات الحاسمة لا يأتي من قبيل البلاغة أو في السياق التقليدي والإنشائي، وإنما لتداعياتها الجوهرية على النقطتين الأكثر الأهمية على جدول الأعمال الداخلي في السنوات الأخيرة، وهما عملية التسوية وحل القضية أو الأزمة الكردية، كما صياغة دستور جديد مدني وديموقراطي بدلاً من دستور العسكر المعمول به حالياً والذي تم تعديله أو بالأحرى ترقيعه لعدة مرات، كان آخرها في استفتاء عام في العام 2010.

حضور حزب العدالة والتنمية وزعيمه السابق الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان كان طاغياً في المشهد السياسي بأبعاده وتجلياته المختلفة، تحديداً في النقطتين السابقتين الذكر، فقط زعيم بحجم اردوغان كان قادر على وضع القضية الكردية بشكل جدي على سكة الحل في مواجهة حزبي المعارضة الرئيسية حزب الشعب وحزب الحركة القومية. فالأوّل كان جزء من آلة الاستبداد والظلم التي اضطهدت الأكراد كما فئات الشعب التركي المختلفة. أما الحزب الثاني فيرفض أصلاً الاعتراف بوجود المشكلة، ولا يرى الأكراد إلا بصفتهم جزء من الشعب التركي الموحد والمنسجم.

عملية التسوية التي وضعت في السياق السلمي ووصلت إلى أشواطها الأخيرة بفضل إصرار اردوغان ودعم فئات واسعة من الشعب للقضية التي لا يمكن لتركيا النهوض أو الذهاب إلى المستقبل بقوة وزخم، دون حلّها وهو ما فهمه أيضاً زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، الذي وجّه دعوة لحزبه لإلقاء السلاح مؤكداً على أن زمن الحلّ العسكري قد ولّى وأن الحلّ بل الحلول الآن هي سلمية سياسية  وديموقراطية.

بناء عليه، سيكون من الصعوبة بمكان تصور وصول العملية إلى خواتيمها السعيدة في حالة فقدان حزب العدالة للسلطة، علماً أنها باتت مرتبطة بشكل أو بآخر بشخصيتين بارزيتين وهما الرئيس رجب طيب اردوغان وزعيم حزب العمال عبد الله أوجلان وغياب أو ضعف تأثير أحدهما سيؤثر مباشرة عليها وبالاتجاه السلبي طبعاً.

النقطة الثانية تتعلق بصياغة دستور مدني ديموقراطي لتركيا بدلاً من الدستور المعمول به حالياً، والذي صاغه الانقلاب العسكري الأخير في العام 1980، وتم تعديله أو ترقيعه أكثر من مرّة لإدخال إصلاحات ديموقراطية جدية عليه دون أن تؤدي الغرض، وهنا أيضاً كان دور أو حضور حزب العدالة والتنمية طاغي في مواجهة خصومه إن كان عرّاب الاستبداد والانقلابات أي حزب الشعب أو الحزب اليميني الذي لا يعارض أي استبداد طالما جاء متساوقاً مع طروحاته الفكرية الضيقة والمنغلقة.

من هذه الزاوية يمكن النظر إلى حزب العدالة والتنمية بصفته أكثر الأحزاب التركية ديموقراطية وانفتاحاً وتعددية، وهو من صاغ التعديلات التي جعلت حلّ الأحزاب أقرب إلى المستحيل، كما كان صاحب اقاون  تقديم الدعم المالي الحكومي لأي حزب تتجاوز شعبيته 3 بالمائة، علماً أنه لم يكن من فرض نسبة الحسم العالية في الانتخابات والبالغة عشرة بالمائة.

وبالعودة إلى الانتخابات التي بدأت حملاتها مع استطلاعات أو تنبؤات بفوز صريح للحزب الحاكم، وهي الصورة التي تبدلت في الأسبوعين الأخيرين مع تراجع في قوة الحزب الانتخابية اما للاحلال والتجديد فى صفوفه والذى طال 88 من اصل  نائب 326 حسب االلائحة الداخلية للحزب والتى تمنع النواب  من التواجد لاكثر من ثلاث دورات انتخابية او لغياب مؤسسه وزعيمه اى الرئيس اردوغان عن المشهد الانتخابى بشكل مباشر او لنزوع احزاب المعارضة الى تقديم برامج اقتصادية اجتماعية بدلا من  الاكتفاء بمهاجمة الحزب الحاكم دون تجاهل نزوح شريحة معتبرة من الناخبين الى التغيير وربما  لارتباط  المشهد الانتخابي كله  وتوازن القوى فيه   بقدرة حزب الشعوب الديموقراطية الكردى  على تجاوز نسبة الحسم من عدمها.

حسب الاستطلاعات والتوقعات الانتخابية المختلفة، فإن حزب العدالة والتنمية  يراوح حول نسبة 43 بالمائة، بينما يتأرجح حزب الشعوب الديموقراطية الكردي حول نسبة الحسم أي  10 بالمائة ويحافظ  حزبا المعارضة الرئيسيان حزب الشعب اليساري والحركة القومية اليميني على قوتهما في انتخابات 2011، والتي تقارب 38 بالمائة منها 25 بالمائة للحزب الأول، و13 بالمائة للثانى، وطبعاً مع نسبة خطأ تقليدية في حدود 3 بالمائة.

الأرقام والنسب السابقة تعني أن حزب العدالة والتنمية لن يحصل على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة منفرداً وسيحصل على 260 مقعد تقريباً من أصل 550 وسيكون بحاجة بالتأكيد إلى ائتلاف مع حزب آخر قد يكون حزب الحركة القومية ما يراكم صعوبات أمام حل القضية الكردية أو حزب الشعوب الديموقراطية وهو الخيار الذي يبدو أكثر منطقية وواقعية رغم اللغة الانتخابية الحادة المتبادلة بينهما.

أما عدم حصول حزب الشعوب الديموقراطية على العشرة بالمائة اللازمة لدخول البرلمان، فسيعني حصول الحزب الحاكم على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة منفرداً، وربما حتى على 330 مقعد المطلوبة لطرح  التعديل الدستوري بما في ذلك طبعاً النظام الرئاسي على الاستفتاء الجماهيرى بعدما بات الحصول على  ثلثى المقاعد أي 367 مقعد لتعديل الدستور مباشرة في البرلمان أمراً أقرب إلى المستحيل بل هو مستحيل فعلاً.

غير أن هذا السيناريو قد يؤثر سلباً على  حل القضية الكردية في ظل تهديد حزب الشعوب بالعصيان المدني، وحتى تشكيل إدارة أو حكومة ذاتية للمناطق الكردية، وهو أيضاً احتمال بعيد ليس فقط لوجود نواب كرد كثيرين في صفوف الحزب الحاكم، وإنما لأن الحل الأساس يتم مع عبد الله أوجلان ولن تكون مشكلة في إيجاد وسطاء آخرين من قبله غير حزب الشعوب والأهم من ذلك أن حل المشكلة يقتضى بالضرورة تعديلات دستورية ديموقراطية تكفل المساواة لكافة فئات وشرائح الجتمع.

عموماً أي كان السيناريو أو المشهد الذي سينبثق عن الحدث الانتخابى الحاسم، فإن تركيا مقبلة على مرحلة جديدة في تاريخها، ليس فقط داخلياً، وإنما خارجياً أيضاً في ظل انخراط حزب العدالة والتنمية في المشاريع والتحالفات الهادفة إلى حلّ مشاكل وأزمات المنطقة بينما يميل  خصومه ومنافسوه إلى الانعزال والانكفاء عن تلك الأزمات وحتى عن المنطقة برمتها.

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …