إلى مصر الغالية وغزة الحزينة في ذكرى العبور !
6 أكتوبر, 2016
مقالات, ملفات خاصة
عبد الله أبوشرخ / أنا من مواليد العام 1963، وهي فترة انفتاح قطاع غزة على مصر أيام الإدارة المصرية للقطاع. أذكر مشاهد حية من حرب 1967, لكني منذ دخلت المدرسة في العام 1969 كانت مناهج غزة كلها مصرية، أي أن عقولنا قد تكونت وتشكلت وفق مخطط المنهاج المصري، وقد تخرجت من الثانوية العامة في 1981 عندما كانت مصر تضع أسئلة الامتحانات حيث يتم تصحيح الأوراق في القاهرة.ما زال عالقاً في ذاكرتي درس في كتاب القراءة بعنوان ” رحلة إلى القناطر الخيرية ” وما زال هرم خوفو الأكبر يمثل عراقة الحضارة التي علمت الدنيا مفهوم حياة ما بعد الموت !
أيام الإدارة المصرية للقطاع، قام الرئيس جمال عبد لناصر بمشروع تشجير أراضي غزة بالحمضيات، وقد سمي المشروع في وقته باسم المشير عامر. الأمر حدث بما يشبه المعجزة. قامت الإدارة المصرية بتقسيم الأراضي الحكومية إلى قسائم كل منها عشرة دونمات، ومنحتها للقادرين بقروض ميسرة على أقساط، وحتى الكثير من تلك الأراضي ما زالت مديونة لحكومة مصر بأموال حتى يومنا هذا، وطبعا تقوم حكومة حماس بجباية ما يمكنها من تلك الأموال وكأنها صاحبة فضل في تلك المشاريع ! المهم، في غضون أشهر قليلة كانت معظم مساحات غزة خضراء يانعة، تم إصلاح الأراضي وحفر الآبار والتشتيل بأنواع الحمضيات الفاخرة، وفي غضون ثلاث سنوات كانت غزة تصدر أجود أنواع البرتقال إلى دول أوروبا. هذه المشاريع أدت إلى نمو اقتصاد وطني فلسطيني مستقل وقوي، فكان العمال يعملون في مواسم الحراثة والري ورش المبيدات وتسميد الأرض وقطف المحصول. أعطوني أي دولة عربية أخرى قدمت لغزة والشعب الفلسطيني مثلما قدمت مصر ؟؟؟ مصر دخلت غزة ولم يكن بها سوى ثلاث مدارس ثانوية، فقام الرئيس جمال ببناء عشرات المدارس وتم رفدها بمعلمين مصريين موهوبين ومؤهلين بصورة لائقة. مصر قامت ببناء أكبر مستشفى حكومي في قطاع غزة وهو مستشفى دار الشفاء الذي ما زال إلى يومنا هذا أكبر مشافي القطاع !
في الخمسينات قدم إلى غزة ضابط مخابرات مصري اسمه مصطفى حافظ، كان يشرف بنفسه على تدريب الفدائيين من أجل الإغارة على المستوطنات داخل فلسطين المحتلة .. وقد سجلت مجموعات الشهيد مصطفى حافظ كل آيات العزة والفخار في عمليات بطولية جعلت من رئيس وزراء إسرائيل بن غوريون يستنجد بالولايات المتحدة للضغط على عبد الناصر لوقف هجوم الفدائيين إلى أن تمكن الموساد من اغتيال مصطفى حافظ سنة 1955 بطرد ملغوم في عملية استخباراتية معقدة !
كان المتميزون من طلاب الثانوية العامة يحصلون على منحة دراسية كاملة في الجامعات المصرية حتى امتلأت غزة بالخبراء والمهندسين والأطباء والمعلمين والمحامين والمحاسبين وكل ما يلزم من أجل الرقي والتحضر وصناعة مستقبل فلسطيني زاهر. هؤلاء الذين تعلموا بمنحة الرئيس جمال عبد الناصر توجهوا بالآلاف إلى دول الخليج من أجل تعميرها وبنائها حيث أصبحت العمالة الفلسطينية في الخليج والكويت خاصة، مصدرا من مصادر تمويل صمود أبناء غزة في وجه سياسات الاحتلال !
مصر طوال تاريخها كانت من صناع الخضرة والنضرة والحضارة، ولولا مصر لما تقدم المجتمع الفلسطيني في غزة الذي سجل أعلى معدلات التعليم وأقل معدلات الأمية في عهد الإدارة المصرية. كان هذا جزء مما قدمته مصر وشعبها الأصيل لغزة عبر التاريخ، لكن بالمقابل ماذا قدم الإخوان المسلمون وحركة حماس للقطاع ؟؟! وقد رأينا كيف تصرفت مصر بالأراضي الحكومية التي تحولت إلى مئات البيارات المنتجة للذهب الأصفر، لكي نتساءل، كيف تصرفت حماس بالأراضي الحكومية وما تبقى منها ؟؟! حماس قامت ببناء منتجعات سياحية خاصة لجباية أموال طلاب المدارس وخصصت جزء كبير منها لموظفيها وزبائنها. حماس قدمت لغزة الجامعة الإسلامية التي تنهب ملايين الدولارات كرسوم خرافية لكي تعلم الناس فقه ابن حنبل وابن تيمية وتحرم الفنون حتى ضجت المدارس بخريجين جهلة يسربون ثقافة الموت والكراهية بدل ثقافة الحياة والحب !
الفرق بين إدارة مصر الوطنية الخلاقة لقطاع غزة وإدارة الإخوان المسلمين هو فارق وعي وأخلاق وشعور بالمسؤولية !
كل التحية والتقدير والعرفان لمصر العظيمة وشعبها العريق المعطاء، ومن ناحية شهادتي للأجيال الحالية الصاعدة في مصر نفسها وفي غزة على حد سواء، أدعو بشدة صناع المناهج العربية إلى ضرورة الفصل بين ما هو ديني وما هو أخلاقي، وكذلك الفصل بين ما هو علمي وعقلاني وما هو أسطوري خرافي، وعلى ضرورة احترام التربية الوجدانية للأطفال من خلال تعليم الفنون الجميلة من رسم وموسيقى وتمثيل ونحت ورقص فلكلوري، لدرجة أنني أتمنى فناناً تشكيلياً أو عازفاً لكي يصبح وزيرا للتربية والتعليم. يجب إجراء تغيير ثوري في المناهج وكفانا تخلفاً وهمجية وانحطاطاً، فالتربية بلا فنون لا تخرج إلا وحوشاً وهمج وليس بشرا صناعٌ للحياة قادرين على منافسة الأمم الأخرى في مجالات الثقافة والفنون والعلوم والآداب وغزو الفضاء !
المصدر: الحوار المتمدن