كفاح محمود كريم / بعيدا عن مضار الملح وخاصيته السلبية للمصابين بارتفاع ضغط الدم، فهو عنصر التوازن والمذاق في الطبيعة حيث لا تخلو منه مكوناتها إجمالا، وفي هذا المكان استخدم للتوصيف بمفهومه الايجابي، كما كان يقول أهلنا فيما مضى من الدهور بان الحكومة ملح الأرض وان الملك أو إي مسؤول كبير هو ملح التوازن ومثال الحكمة وبدونه لا يكون للحياة مذاق أو طعم!؟
ولطالما كان العقلاء يقولونها أي إذا فسد الملح خربت لديار، حينما يمتد سرطان الفساد والانحراف عن الطريق القويم من علية القوم والصالحين من الناس وخاصة من يتولون أمر الأهالي في كل مفاصل المسؤولية العامة، فهو مثل يضرب على من ينحرف شخصا كان أم مجموعة إذا ما غادرت في سلوكها وتصرفاتها ارض الصلاح والنقاء إلى ارض البور والفساد فيقال حينها إذا فسد الملح خربت الدنيا أو الديار؟
ولعله من نافلة القول إن كثير ممن تنطبق عليهم هذه الكلمات أولئك الذين توكل إليهم مسؤولية عامة وتكون بين أيديهم أرزاق الناس ومصالحها وأمنها وعدلها، فيتلاعبون بها أو يخونون الأمانة فيفسدون الملح الذي يعرف عنه عدم الفساد، فهو أكثر معادن الطبيعة مقاومة في البقاء على وضعه رغم تغير الظروف، إلا انه في حالتنا هذه أي بتشبيهه ببني البشر القابلين للفساد والإفساد وخاصة حينما تقع بين أيديهم مفاتيح المال والسلطة، فتضعهم على المحك وتُظهر معادنهم وكمية الملح فيها؟
وقد أكدت السنوات الأخيرة من تاريخ بلادنا وبقية البلدان في الشرق الأوسط التي تستخدم صناديق الاقتراع لإيصال مرشحي شيوخ العشائر والمذاهب ورجال الدين إلى سدة الحكم التشريعي والتنفيذي في دولة لم تعرف عبر تاريخها الذي يقترب من المائة عام مفهوما للمواطنة يجمع انتماءات الكل في وطن مفترض وشعب موحد، حتى إن ملك العراق الأول الذي فرض على كيان لم يؤخذ رأي سكانه حين تأسيسه، احتار وعجز عن إيجاد توصيف للحال الذي هو فيه فلم ير كما قال شعبا موحدا بل رأى أقواما وقبائل متباعدة متنافسة متخالفة، رغم انه أراد أن يكون ملح الأرض والحكم طيلة ما يقرب من أربعين عاما للتوازن بين تلك المكونات، إلا انه ذهب وأفراد أسرته صغارا وكبارا على مذبح تلك الخلافات؟
ولكي لا نوغل في أعماق التاريخ المؤلم حقا، فان ما يحدث اليوم يؤكد إن الملح قد فسد تماما ليس في الأرض بل فوق الأرض وفوق الكراسي التي حولت البلاد خلال ثمان سنوات منذ 2005م إلى واحدة من افشل دول العالم وأكثرها فسادا وطائفية ودكتاتورية مشرعنة بحكم صناديق العشائر والمذاهب ورجال الفتاوى، إلى الدرجة التي يخرج فيها نوابا ووزراء ورجال حكم ينادون بطائفية وشوفينية مقيتة لا تقل إيغالا في العنصرية مما كانت عليه الأمور في جنوب إفريقيا قبل منديلا، فمن شعارات طرد الأكراد من بغداد إلى قتل عدد من السنة كلما قتل عدد من الشيعة*، إلى قانون الغاب الذي أعاده رئيس الوزراء في تمثيلية حضوره إلى حادثة مقتل الصحفي محمد بديوي ورفعه لشعار ( الدم بالدم وانأ ولي الدم *)!؟
فأي ملح بقى في أرضنا وأي مستقبل ينتظر بلادنا بهكذا ثقافة وأفكار وسلوك؟