محمد خالد الأزعر/ عند تدشين عملية التسوية السلمية العربية الإسرائيلية، قيل إن هذه العملية ستقلع وفقاً لمبدأ «الأرض مقابل السلام». كان المقصود بذلك هو استرداد العرب لأراضيهم المحتلة منذ عام 1967، لقاء الاعتراف بإسرائيل وإبرام الصلح معها.
الاعتقاد الشائع أن مبدأ الأرض مقابل السلام يراعي حقوق كل من العرب واسرائيل على حد سواء، بالتوازي والتوازن والقسطاس المستقيم. غير أننا ننحاز الى جانب المشككين في صحة هذا التكييف؛ القائلين إن هذا المبدأ كان في جوهره ومازال يعمل أكثر لصالح الجانب الإسرائيلي.
فالأصل أن القوانين الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، توجب على اسرائيل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وذلك بغض النظر عن أية قضايا أو توابع سياسية أو دبلوماسية أو اقتصادية أو ثقافية أخرى، تتعلق بإقامة العلاقات أو مظاهر التطبيع متعدد العناوين مع العرب.
فإن قيل ان قرار مجلس الأمن رقم 242 ينص على الحدود الآمنة والمعترف بها بين الفرقاء، قلنا بأن الاعتراف بهذه الحدود شيء والاعتراف بإسرائيل المقرون جبراً بالصلح واقامة العلاقات والتطبيع معها شيء آخر.
ما نجادل به هنا أن القبول العربي، والفلسطيني من باب أولى، بمبدأ الأرض مقابل السلام، ينطوي في حد ذاته على تنازلات كبيرة من جانبهم، كونه يتضمن اجبارهم على الاعتراف بإسرائيل أولاً، ثم يحملهم تالياً على الذهاب الى ما هو أبعد من الاعتراف البارد بهذه الدولة.
مقابل تخليها عن أراض لهم، احتلتها بالقوة العارية على نحو خارق للقوانين والأعراف المنظمة للعلاقات بين الدول والأمم المتحضرة.
وعلى الرغم من هذه المكاسب المجانية، فإن اسرائيل لم تقتنع بهذا المبدأ ولا أخذته عملياً على محمل الجد. يدل على ذلك بلا حصر، مداومتها على قضم أرض الفلسطينيين بالاستيطان الزاحف. من سلوكها الفعلي ثبت أن اسرائيل تريد الأرض والسلام معا.
الأنكى من هذا هو التعليلات التي تطلقها بعض القوى الإسرائيلية لتفسير هذا السلوك، وموجزها أن «دولتهم تواجه ضغوطا كي تتنازل عن مناطق حيوية لأمنها، بذريعة تحقيق السلام. ولكن بلا ضمانات لإعادة هذه المناطق اليها اذا غاب السلام..».
المعنى الكامن في تضاعيف هذا المنطق، هو ان اسرائيل بانسحابها من الأراضي العربية انما تقتطع من لحمها الحي كتنازل منها لأجل اقرار السلام. عوار هذا المنطق وسفالته يتجليان في أنه لا يقر فقط بالفكرة المغلوطة من الأساس وهي ان الأراضي المحتلة متنازع عليها، وانما ينطلق أيضاً من فكرة أكثر تدليساً هي ان هذه الأراضي تقع ضمن ممتلكات اسرائيل.
بكلام لآخر، يرى أصحاب هذا المنطق أن اسرائيل هي التي «تضحي» بأراضٍ تخصها في سبيل ابرام السلام مع العرب والفلسطينيين. وبناء على حسابات لوجستية عسكرية وأمنية بحتة، كصعوبة الدفاع عن قلب اسرائيل في حال المضي في هذه التضحية، يرفض هؤلاء تماماً مبدأ الأرض مقابل السلام، ولا يطرحون شعاراً بديلاً منه لعملية التسوية.
تحظى هذه المقاربة المعطوبة بتأييد قطاعات مرموقة في الفضاء الايديولوجي والسياسي الإسرائيلي. وطالما استمر تعلق هذا الفضاء بها، فسوف يظل الحديث عن التسوية والحلول الوسط وتطبيق القوانين والقرارات الدولية، وصولا الى السلام الشامل بين العرب واسرائيل، ضرباً من الخيال.
لا تسمح هذه المقاربة لأحد بالتساؤل عن الكيفية التي يمكن بها وضع حد لسياسة التوسع الإسرائيلي الاستيطاني في الضفة والجولان اذ كيف يلام المستوطنون على مثل هذه السياسة، طالما أنهم يمارسونها في أراضٍ يعتبرونها ملكاً خالصاً لدولتهم؟!.
قد يتعين على العرب مساءلة إسرائيل الرسمية مجدداً عن مفهومها للأرض مقابل السلام، وتفسيرها النهائي لهذا المفهوم.