أوكرانيا.. وهاجس التحول إلى دولة فاشلة!
13 نوفمبر, 2015
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
ليونيد برشيدسكي / ربما كان أهم ما فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، يتطابق مع ما كان الغرب يطالبه به: فلقد استجاب لطلب الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا بوقف إطلاق النار. ومع هذا التطور، عادت النخب السياسية الأوكرانية القديمة إلى الظهور على المسرح. وخلافاً للآمال التي كانت معقودة على التحول الديمقراطي بعد «ثورة الكرامة» التي اندلعت العام الماضي، أصبحت أوكرانيا الآن تبدو وكأنها تمثل أحد الأنظمة المنفصلة عن الاتحاد السوفييتي السابق وهي تكابد تحديات الفساد وسوء الإدارة. وبسبب هذه التطورات، لم يعد من المستغرب أن تبرز بعض مظاهر التصدع في العلاقة الإستراتيجية لكييف مع الغرب.
وتعيش الحكومة الأوكرانية الآن حالة من الفوضى، ويتعرض رئيس الوزراء أرسيني ياتسينيوك إلى خطر الاضطرار للانسحاب من الائتلاف الهشّ الذي يحكم أوكرانيا، حيث يمثل حزب ياتسينيوك ثاني أكبر قوة فيه. وإذا ما انفرط عقد هذا الائتلاف، وهو تطور محتمل لو تعرض ياتسينيوك إلى ضغوط لإجباره على الاستقالة، فستكون هناك انتخابات برلمانية مبكرة. ومن المتوقع أن تضع نتائج هذه الانتخابات مزيداً من العراقيل أمام الأجندات الإصلاحية المعقولة لتعويم الاقتصاد المتهالك.
وعلى رغم محاولات الجيل الجديد من البيروقراطيين لإحداث تغيير حاسم في السياسة العامة، إلا أن الاقتصاد الأوكراني لم يحظَ بأي مبادرات إصلاحية. وقد أصبحت الضرائب المفروضة على السكان ذات طابع انتقامي إلا أن التهرّب منها شائع جداً، واقتصاد الظل آخذ في النمو والتضخم، ولم يشهد المناخ العام للعمل والإنتاج أي تحسن.
وعلى رغم كل هذه الظواهر السلبية، أعرب صندوق النقد الدولي الذي يعد المصدر الأهم للعملات الصعبة بالنسبة لأوكرانيا بعد انهيار صادراتها، عن تفاؤله بتحقيق معدل نمو اقتصادي عن العام المقبل يقدّر بنحو 2 في المئة، إلا أنه عمد الشهر الماضي إلى مراجعة هذا التوقع معرباً عن اعتقاده بأن الاقتصاد الأوكراني سيواجه انكماشاً بمعدل 11 في المئة. وقد اقترح السياسي الأكثر شعبية في أوكرانيا، وهو ليس أوكرانياً بل هو ميخائيل ساكاشفيلي الرئيس السابق لجمهورية جورجيا الذي عيّنه الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو لإدارة إقليم «أوديسا»، حزمة إصلاحية لتحرير الاقتصاد الأوكراني، إلا أن الرئيس بوروشينكو تباطأ كثيراً في منحه الموافقة الرسمية لتنفيذ الخطة، كما أن من غير المرجح أن يوافق عليها البرلمان الأوكراني أيضاً.
وقد يتفوق النظام القضائي الأوكراني في فساده وافتقاده لإصلاح بنيته الأساسية على الاقتصاد ذاته. ففي شهر سبتمبر الماضي، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمتابعة ظاهرة الأحكام القضائية الجائرة «كريستوف هاينز» في تقرير بعث به إلى المنظمة الدولية إن أوكرانيا تعيش حالة من «انعدام المحاسبة على الخروقات القانونية».
وأشار «هاينز» إلى فشل السلطات الأمنية في التحقيق في أسباب موت أكثر من 100 مواطن في شوارع كييف خلال الأيام الأخيرة للانتفاضة الأوكرانية بالإضافة إلى 48 متظاهراً من المؤيدين لروسيا في حادث احتراق مبنى بمدينة «أوديسا» في شهر مايو 2014. وتوقفت التحقيقات في هذه القضايا بقرار من السلطة السياسية بعد أن باءت محاولات المحامين عن الضحايا بالفشل في متابعتها لأن بعض كبار المتهمين في هذه الجرائم ما زالوا على رأس عملهم في وزارة الداخلية، بحسب تلك المزاعم.
وقال «هاينز» أيضاً في تقريره إن الجهاز الأمني الأوكراني «يمارس أعماله وكأنه فوق سلطة القانون». وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، اعتقل رجال الأمن «جينادي كوربان»، وهو أحد كبار مؤيدي الناشط السياسي «إيجور كولو مويسكي» الذي كرس نضاله ضد انفراد «بوروشينكو» بالسلطة. وأدت عملية الاعتقال هذه إلى انطلاق حملة في الصحافة الأوكرانية الحرة ضد هذا السلوك الانتقائي في تطبيق العدالة. ولم تتم ملاحقة مخالفين آخرين للقوانين من مسؤولين سياسيين لأنهم أعربوا عن تأييدهم لتفرّد بوروشينكو بالسلطة.
وتبدو قوة تأثير الأميركيين واضحة المعالم في صلب العملية السياسية الأوكرانية، وقد أصبحت السفارة الأميركية في كييف تمثل مركز قوة. وبدأ بعض السياسيين الأوكرانيين يتحدثون علناً أنهم حصلوا على تفويض من السفير الأميركي «جيوفري بيات» أو حتى من «جو بايدن» نائب الرئيس أوباما لتعزيز مواقفهم السياسية. وقد عبر عن هذا النفوذ الأميركي المتنامي أحد الصحفيين في إحدى افتتاحياته: «لقد أصبحت الإدارة الأميركية تملك نفوذاً في أوكرانيا يفوق ما كانت تمتلكه في أي وقت آخر منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي السابق».
محلل سياسي روسي مقيم في برلين