%D9%86%D9%88%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86 أوكرانيا

أوكرانيا والأيادى السوداء

د .نورهان الشيخ/ إن المتتبع لتطورات الأزمة الأوكرانية يجد تشابهاً مذهلاً بين ما حدث ويحدث فى نورهان أوكرانياأوكرانيا وما مرت به مصر خلال العامين الماضيين.

 ففى نهاية عام 2004 ومع إعلان نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الأوكرانية بدأت ما يسمى االثورة البرتقالية عندما أُعلن عن فوز رئيس الوزراء آنذاك والرئيس الحالى فيكتور يانوكوفيتش، ورفض منافسه زعيم المعارضة فيكتور يوشينكو، صاحب التوجه الغربى والمدعوم من الولايات المتحدة، النتيجة وتمسك بفوزه فى الانتخابات. واندفع عشرات الآلاف من الأوكرانيين حاملين الاعلام البرتقالية إلى ميدان الاستقلال فى العاصمة كييف لتأييد يوشينكو، فى مشهد يقترب كثيراً مما فعله الإخوان عقب الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية 2012 وإعلانهم فوز محمد مرسى قبل الإعلان الرسمى للنتيجة، فى محاولة لفرض فوزه كأمر واقع. وكأن مهندس الخطتين فى مصر وأوكرانيا والعقل المدبر لهما واحد، وهو بالطبع يقبع فى واشنطن. 

وكما نكص مرسى والإخوان وعودهم، ولم يحصد الشعب المصرى بعد عام من حكمهم سوى المهانة والفقر والجوع والديكتاتورية فى أبشع صورها، إلى جانب محاولتهم تقويض مؤسسات الدولة المصرية العريقة، والتفريط فى تراب مصر الذى ضحى من أجله ملايين المصريين. لم يستطع يوشينكو أيضاً الوفاء بوعوده وتحويل أوكرانيا إلى واحة من الديمقراطية والرخاء الاقتصادى، وعلى مدى السنوات الخمس التى أعقبت الثورة البرتقالية كانت أوكرانيا رهينة لمواجهات سياسية مستمرة، وانخفض إجمالى الناتج القومى المحلى بنسبة 15%، وارتفع مستوى البطالة إلى أكثر من 20% من السكان، وتضاعف عدد الأوكرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وازداد التضخم وتضاعفت أسعار المواد الغذائية عدة مرات، وتفشى الفساد وطال مسئولين كبارا وأصبحت أوكرانيا فى مقدمة دول العالم فساداً بعد الصومال، لتتحول الثورة البرتقالية من حلم إلى كابوس. وقد كان ذلك وراء الهزيمة الساحقة التى تلقاها يوشينكوفى الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2010 حيث حصل على أقل من 5% من الأصوات فى سابقة هى الأولى من نوعها، فقد انعدمت شعبيته تقريباً بعد خمس سنوات فى الرئاسة، فى حين فاز يانوكوفيتش بأعلى الأصوات فى الجولتين الأولى والثانية ليصبح رئيساً لأوكرانيا. إلا أن وصول يانوكوفيتش إلى السلطة لم يعنى نهاية االمشروع البرتقالى الأمريكى فى أوكرانيا،

حيث عادت واشنطن لتؤجج الصراع فى أوكرانيا من أجل استكمال خطتها الرامية إلى ضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلنطى ومد بنية الحلف العسكرية حتى حدود روسيا. الأمر الذى يتطلب الاطاحة بيانوكوفيتش الذى يؤمن بعضوية العلاقة مع روسيا وأن التوازن فى علاقات أوكرانيا الخارجية والتعاون مع روسيا، والاتحاد الأوروبى باعتبارهما جوارا مباشرا ومهما لأوكرانيا هو الخيار الأمثل الذى يحقق المصلحة الوطنية.

وجاءت الفرصة لواشنطن مع قرار كييف تجميد المفاوضات بشأن اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الاوروبى لأسباب اقتصادية بحتة، كما أكدت الحكومة، لتبدأ احتجاجات البرتقاليين فى ليل الحادى والعشرين من نوفمبر الماضى. وفى غضون أيام اتسعت المظاهرات لتشمل طلاب بعض الجامعات الأوكرانية وفئات أخرى، فى حين خرج الآلاف من المنتمين لحزب الأقاليم لتأييد الرئيس الأوكرانى ليزداد المشهد السياسى حدة واستقطابا. كما اتسع النطاق الجغرافى للاحتجاجات، واقترنت بأعمال عنف وشغب تضمنت استخدام الأسلحة النارية والاعتداء على رجال الشرطة، والاستيلاء على مؤسسات الدولة والمبانى الحكومية، فى صورة تقترب كثيراً من جرائم الإخوان فى مصر. وفى مشهد آخر يذكرنا بالموقف المخذى لواشنطن من ثورة 30 يونيو ودعمها للإخوان ضد إرادة الشعب المصرى وطموح المصريين للتحرر من القبضة الفاشية الإخوانية، كان الدعم الأمريكى وراء اتساع نطاق الاحتجاجات وخروجها عن نطاق السلمية فى أوكرانيا. فدعم واشنطن للمعارضة والمحتجين الأوكرانيين واضح جلى. وفى الوقت الذى انهالت فيه انتقادات واشنطن على الرئيس والحكومة الأوكرانية وهددت جين بساكي، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الامريكية، بإمكانية قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على أوكرانيا إثر استخدام القوة ضد المتظاهرين. قام مسئولون أمريكيون بارزون بزيارات متكررة لميدان الاستقلال والتقوا مع قادة المعارضة، ومنهم فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، التى قامت مع السفير الامريكى بتوزيع الخبز على المتظاهرين فى ميدان الاستقلال. والآن تقف أوكرانيا على مشارف حرب أهلية، وتقسيم لأراضيها فى صورة فيدرالية مزعومة تطالب بها المعارضة، لتضع واشنطن بصمتها المدمرة المعتادة وتقول «كنت هنا» وأنجزت مشروعى وقسمت دولة مستقلة مستقرة ذات سيادة. أتمنى أن يستطيع الشعب الأوكرانى كسر دائرة النار الأمريكية التى تحيط به وتهدد مصيره ومستقبله، وأن يستعيد وعيه ويرسم مستقبلا آمنا للآجيال الحالية والقادمة فى أوكرانيا، كما فعل الشعب المصرى الذى أنقذ مصر بوعيه وإرادته الحديدية وتصديه لمؤمرات واشنطن وعبيدها فى الداخل. 

 

 

شاهد أيضاً

جورجيا

من يؤثر على الديمقراطية في جورجيا ودول أخرى؟

أحمد عبد اللطيف / في السنوات الأخيرة، أصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة …