%D8%B4%D8%B1%D9%82 %D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7 أوكرانيا

أوكرانيا نحو التصعيد

هاني شادي / يشهد الوضع في أوكرانيا في الآونة الأخيرة مرحلة جديدة من التصعيد العسكري، انعكس شرق أوكرانيا أوكرانيابدوره حالة من التصعيد «الكلامي» بين روسيا والغرب. فبعد معارك مطار دونيتسك وانسحاب القوات الأوكرانية الحكومية منه، وبعد قصف مدينة ماريوبول الحيوية، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يجري هناك بــ «الحرب الأهلية». كما وصف الجيش الأوكراني بأنه «فيلق» لـ «حلف شمال الأطلسي» يعمل في إطار خطة محاصرة روسيا جيو ـــ سياسياً، متهماً كييف بعدم الرغبة في إيجاد حل سلمي للأزمة الأوكرانية. وعلى الفور، رد ينس شتولتنبرغ، الأمين العام لحلف «الناتو» واصفاً تصريحات الرئيس الروسي عن «فيلق الناتو الأوكراني» بـ «الهراء». وهذه ربما هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها مثل هذا الوصف في حق زعيم الكرملين. ولم يتوقف شتولتنبرغ عند هذا الحد، بل اعتبر أن «القوات الأجنبية الموجودة على الاراضي الأوكرانية هي روسية»، واتهم روسيا «بمواصلة تقديم الدعم والتدريب والمعدات والقوات للانفصاليين الموالين لها»، علماً أن الروس يقولون لمن يتهمهم بذلك، «قدموا أدلتكم وإثباتاتكم».

إن الغرب ومعه حكومة كييف يعتبران قصف ماريوبول بصواريخ «غراد» تحولاً له دلالات عسكرية استراتيجية، لأنه الأول من نوعه على هذا المرفأ الاستراتيجي، وعلى هذه المدينة التي تعد الأخيرة في شرق أوكرانيا تحت سيطرة الجيش الأوكراني. وتُعتبر ماريوبول مدينة صناعية يُقدر عدد سكانها بنحو نصف مليون نسمة وتقع على بحر ازوف، وفي حال سقوطها يمكن إقامة جسر بري بين روسيا وشبه جزيرة القرم ومدها بالمياه والكهرباء. والاستيلاء على ماريوبول من قبل أنصار روسيا يسمح لهم بالسيطرة على ميناء بحري ومجال جوي يجعل من «جمهورية دونيتسك الشعبية» قابلة للحياة أكثر. لقد حمّل سكرتير مجلس الأمن القومي الأوكراني، ألكسندر تورتشينوف، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا مسؤولية قصف ماريوبول، وما أسفر عنه من ضحايا. وينفي «الانفصاليون»، بحسب التصنيف الأوكراني ـــ الغربي، أو «رجال المقاومة الشعبية»، بحسب التصنيف الروسي، مسؤوليتهم عن القصف، بينما كان ألكسندر زخارتشنكو، رئيس «جمهورية دونيتسك الشعبية» قد تعهد بالسيطرة على سائر منطقة دونيتسك التي تتبع لها ماريوبول. وتتحدث كييف عن دخول وحدات عسكرية روسية إلى الأراضي الأوكرانية، وعن هجمات واسعة على مواقع الجيش الأوكراني، فيما الغرب يهدد بتشديد العقوبات على موسكو، والكرملين يعتبر مثل هذا التهديد ابتزازاً جديداً، وينفي نفياً قاطعاً تدخله في جنوب شرق أوكرانيا.
إن هذا التصعيد يضع الكثير من علامات الاستفهام على مستقبل التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية التي تتعثر يوما بعد يوم، برغم أن جميع الأطراف تبدو متمسكة بـ «تفاهمات مينسك» للحل. وفي هذا السياق، أرجئت قمة «رباعية نورماندي»، المكونة من روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا، في عاصمة كازاخستان أستانا، والتي كانت مقررة في الخامس عشر من كانون الثاني الجاري. ونتيجة للتصعيد العسكري والكلامي، حصلت بعض «السيناريوهات الروسية» تجاه أوكرانيا على زخم جديد. ففي الداخل الروسي، يدعو فريق إلى مواصلة وتعزيز الدعم الرسمي الروسي بالوسائل كافة لــ «جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك». وثمة فريق آخر يرى ضرورة اعتراف روسيا بهاتين الجمهوريتين، تمهيدا لضمهما إلى الاتحاد الروسي، ما دامت كييف لا تستجيب لطلب تشكيل «فيدرالية» على أراضيها وترفض منح الروس في أوكرانيا حقوقهم. وهناك فريق ثالث في روسيا يعتبر أوكرانيا «كيانا مصطنعا» يتعين إعادته إلى الأحضان الروسية. بالطبع، هذا السيناريو الذي يطرحه الفريق الثالث غير واقعي في الظروف الحالية، خصوصاً أن سكان غرب أوكرانيا، وهم نصف السكان تقريبا، في حالة «عداء» تاريخي مع روسيا. وفي ظل هذه الأجواء، كان يفغيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي الأسبق قد طرح مؤخرا سيناريو لحل المعضلة الأوكرانية يتلخص في احتفاظ روسيا بالقرم مع تعهدها بعدم التدخل في جنوب شرق أوكرانيا، تمهيدا لتحسين العلاقات مع الغرب وكييف. بيد أن بعض القوى السياسية في روسيا اعتبرت طرح بريماكوف غير مقبول، واتهمته بالعمل لحساب الغرب.
في الوقت ذاته، يعلو داخل أوكرانيا صوت «حزب الحرب» الذي يرى أنه قادر على حل الأزمة بالطرق العسكرية فقط. ويمثل هذا الحزب رئيس الوزراء، أرسيني ياتسينيوك، وسكرتير مجلس الأمن القومي، ألكسندر تورتشينوف، بينما يناور الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، بين الأطراف كافة. وقبل أيام قليلة، أقر البرلمان الأوكراني وثيقة ناشد فيها المجتمع الدولي اعتبار روسيا «دولة معتدية»، وطالب بتشديد العقوبات عليها واعتبار «جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين» منظمتين إرهابيتين. وتوجه هذا البرلمان بالمناشدة إلى البرلمان الأوروبي والجمعية البرلمانية لحلف «الناتو» و «منظمة الأمن والتعاون» في أوروبا ومنظمة «غوام» للتطوير الديموقراطي والاقتصادي التي تضم جورجيا وأوكرانيا وأرمينيا ومولدوفا، بالإضافة إلى البرلمانات الوطنية للدول. ونصت هذه الوثيقة على أن كييف تعتبر روسيا «دولة معتدية» ودولة «تدعم الإرهاب على المستوى الدولي»، مطالبة بتزويد أوكرانيا بمساعدات عسكرية لتعزيز قدراتها.
إن الوضع في أوكرانيا بات أكثر تعقيدا، وربما تنتهي الأزمة بتقسيمها إلى شطرين بعد فترة طويلة من المواجهات العسكرية. ولا يخفى أن المواجهة في أوكرانيا وعليها بين الغرب وروسيا باتت تغذي بوضوح نشاط القوميين الراديكاليين في كل من موسكو وكييف. وبرغم هذا التعقيد الشديد، تظل الآمال معقودة على إيجاد حل سياسي للأزمة. ونعتقد أن جعل أوكرانيا دولة «محايدة» فعليا بين روسيا والغرب قد يكون الطريق المناسب لوقف التدهور بين المتصارعين. بيد أن البرلمان الأوكراني ألغى قبل شهور عدة صفة «الحياد» عن أوكرانيا. لذلك، فقد يكون البديل أسوأ بكثير، ويدفع روسيا والغرب إلى مواجهة طويلة الأمد.

شاهد أيضاً

جورجيا

من يؤثر على الديمقراطية في جورجيا ودول أخرى؟

أحمد عبد اللطيف / في السنوات الأخيرة، أصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة …