أوكرانيا في انتظار.. العام 2020!
29 سبتمبر, 2014
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
محمد خروب / لا يُلام الرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكو على «أحلامه»، بصرف النظر عمّا هي أحلام غير قابلة للتحقق (أوهام يعني) أم ذات صلة ولو واهية، باحتمال التحقق وخاصة إذا كانت ذات طابع سياسي، يراهن على متغيرات يصعب التكهن بها على النحو الذي ظن هو وبعض مقربيه ومستشاريه انها ستُغضب سيد الكرملين القوي فلاديمير بوتين، بما هي خطوة تصعيدية تشكل الخطوة الاولى على طريق «الانضمام» الى حلف شمال الاطلسي من خلال تكليفه الحكومة بالتخلي «رسمياً» عن وضع عدم الانحياز (…) الذي تتخذه هذه الجمهورية السوفياتية السابقة.
بوروشينكو، الذي ما يزال يُعرف حتى داخل بلاده بـ»الملك الشوكولاته» بعد ان جمع ثروة هائلة من الإتّجار فيها، وضعته في نادي «مليونيرية» اوكرانيا، أعلن في زهو وثقة، بأن بلاده ستُقدم طلب العضوية الى الاتحاد الاوروبي في العام 2020، اي بعد ست سنوات تقريباً، لا يعلم أحد حتى بوروشينكو نفسه إذا كانت ستبقى اوكرانيا على حالها الراهنة جغرافيا وديموغرافيا في اهمال مقصود لرفض دعاة الكونفدرالية مبدأ «الوضع الخاص» الذي تبناه برلمان كييف بمبادرة من بوروشينكو نفسه يضمن حكماً ذاتياً موسعاً وانتخابات في كانون الاول القريب (دع عنك مستقبله السياسي نفسه) فضلاً عما يمكن للعلاقات المتوترة الان بين الاطلسي والاتحاد الاوروبي، ان تغدو عليه في السنوات الست المقبلات، دون إهمال امكانية انفصال منطقة دونباس كاملة (دونيتسك ولوغانسك) او دخول اوكرانيا في حرب أهلية مفتوحة، لا تقضي على اتفاق «مينسك» المتعثر والجدلي وغير المطبقة إلاّ بعض بنوده، وانما أيضا على أحلام دخول نادييّ بروكسل (الاتحاد الاوروبي والاطلسي) كون ميثاقي هذين الناديين تنصان على عدم قبول اي دولة في صراع داخلي او في صراع حدودي مع جيرانها، رغم ان ذلك كله يمكن تجاوزه «غربياً» ما دامت واشنطن هي صاحبة القرار في الاطلسي وذات نفوذ وتأثير كبيرين في الاتحاد الاوروبي، وخصوصاً ان «العدو» هنا هو الاتحاد الروسي، الذي لم تختلف المقاربات الامبريالية الغربية تجاهه، عن الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية.
قد يكون ملك الشوكولاته قد تأثر بالحكاية التراثية العربية وربما الفارسية او التركية، عن «الفلاح» الذي تقدم لخطبة ابنة الحاكم قابلاً «شرطه» الاساس وهو النجاح في تعليم حمار الحاكم (الذي تحبه ابنته) لغة البشر خلال ثلاث سنوات، وإلاّ سيكون مصيره الموت. فقبل الفلاح التحدي، فيما أحجم الاخرون عن ذلك وهو أولو بأس وثروة وجاه ومكانة، ولمّا سُئل عن الاسباب التي دفعته لقبول شرط تعجيزي كهذا.. أجاب في زهو (على طريقة بوروشينكو): في السنوات الثلاث الممنوحة اليّ من الحاكم, سأكون أمام واحد من ثلاثة احتمالات.. إما أن أموت أنا أو يموت الحاكم أو يموت الحمار..
وذهبت مثلاً أو حكاية قابلة للرواية والاستفادة من «عبرها» إن كان ثمة عبرة فيها, بقدر ما تعكس عقلية المغامرة وخواء المجتمعات والمراوغة التي عليها حكام ذلك الزمان (وغيره بالطبع)..
قد لا يكون بوروشينكو موجوداً في سدة السلطة, وقد يتحول الى احد اصدقاء روسيا (ليس سوريا بالطبع) وهو الذي كان أحد وزراء الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش الذي أطاحته مؤامرة غربية (اوروبية واميركية مُحكمة) لكنه انقلب عليه بعد أن رأى ان الامور (أو هكذا خُيّل اليه) سائرة لصالح معسكر الموالين لبروكسل وواشنطن, وهو ايضاً ما مكّنه من الفوز في انتخابات الرئاسة التي جاءت لغير صالح «محبوبة» الغرب ذات الضفائر الشقراء يوليا تيموشينكو، التي قيل أنها «فاسدة» وبخاصة ان بوروشينكو رضخ لشرط الغرب الامبريالي بالابقاء على عدو روسيا «الاول» في اوكرانيا، ارسيني ياتسينيوك، في منصبه كرئيس للوزراء, بعد أن صُعّد الى هذا الموقع الرفيع خلال المؤامرة على يانوكوفيتش, وهو الاشد صقورية من بوروشينكو, الذي قد يلجأ الى اسلوب الصفقات والحلول الوسط من خلال منطق تجاري أو نَفَسٍ سياسي قصير، انطلاقاً من قاعدة «تجارية» لا تستند الى ايديولوجية الكراهية القومية والسياسية, كما هي حال ياتسينيوك الذي يرفع عقيرته بالتحذير من غزو روسي لبلاده ورغبته موسكو في تفكيك اوكرانيا واستتباعها, بل ويدعو الغرب الى عدم رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا حتى لو نفّذت «كل» شروط الغرب.
لكن ثمة ما يمكن الانتباه اليه في هذا الشأن، وهي أن رئيساً لدولة مُنهكة ومنقسمة وممزقة، ويدور على اراضيها صراع محتدم بين الغرب وروسيا، والاحتمالات الماثلة لوصول التوتر المتصاعد الى نقطة اللاعودة والتقسيم الفعلي وربما الانزلاق الى حرب لا يمكن لاحد التكهن بكيف ومتى ستنتهي, إلا أن هؤلاء لا يتخّلون عن احلامهم (أو اوهامهم إن شئت) ويواصلون التمسّك بأهداب الأمل والتخطيط للمستقبل, فيما «عرب اليوم» لا يتوفرون على «ترف» كهذا, بل هم يعيشون «يومهم» دون التفكير بالغد تماماً، كما تقول صاحبة الاغنية المعروفة «حِبني اليوم وانساني بكرا».
اننا أمة نسّاءة ومنسية.. حقاً.