هادي جلو مرعي / ماذا يعني رفض الرئيس المالكي للدعوة الموجهة له من قبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان لحضور الإحتفال بذكرى تأسيس حزب الحرية والعدالة ؟
لم يعد بالإمكان تصور أن يحدث تغيير كبير في العلاقة بين الرئيسين اللذين إختطا طريقا للمواجهة لارجعة عنه في ظل تغيرات هائلة تشهدها المنطقة مع دخول أنقرة حالها كحال بقية العواصم المجاورة ومنها بغداد الى دائرة المحاور والتحالفات الخاصة التي تخضع لمعايير وإلتزامات غير مسبوقة تفرض العمل بأدق الحسابات التي لاتقبل الخطأ أو التهاون،وماجرى بين البلدين منذ عدة أشهر وخاصة بعد تفجر قضية الهاشمي المتهم في بغداد بقضايا إرهاب ورفض السلطات التركية وحكومة حزب الحرية والعدالة تسليمه الى العراق بعد صدور مذكرة قبض أعقبتها محاكمة ثم قرار بإعدامه وظهوره لمرات في العاصمة التركية مستهينا بالحكومة العراقية وبالقضاء وبحكم الإعدام وإعتباره لاغيا وباطلا وهو الأمر الذي مثل لحكومة المالكي نوعا من التحدي المشفوع بتحريض تركي مرتبط برغبات الحلف الخليجي العثماني.
المالكي الرجل العنيد مع خصومه المحليين والمعروف بقدرته على اللعب والمناورة مع الأطراف الإقليمية الحاضرة بقوة في المشهد العراقي ليس بمعرض تجاهل عناصر القوة التي يمتلكها والتي توفرت له بسبب الصراع الدولي في المنطقة والتزاحم الإقليمي وتشابك الملفات التي وفرت له فرصة المشاركة في حضور ما بعد إن إنقسمت المنطقة الى إتجاهين كان عليه أن يدخل في أحدهما وأن يتبنى موقفا مغايرا لموقف دول لم تعترف به صراحة وماتزال كالمملكة السعودية ودول في الخليج وبعض البلدان العربية التي عملت على تقويض التحول السياسي في العراق وبقوة مبالغ فيها إستنزفت الكثير من الجهد والمال وفوق ذلك وأهمه الدماء التي سالت ووجهت فيها الإتهامات لهذه الدول بإراقتها لحسابات سياسية.
تركيا الآن محاصرة بأخطاء ورعونة الإسلاميين المتحمسين للتغيير والثورة في ولايات سلطنتهم القديمة وإصرارهم على دعم حراك الشعوب العربية لغايات ومصالح توسعية في بلدان جائعة وتائهة ضيعها حكامها الأغبياء وهاهي تضيع بشكل أكثر مأساوية عن السابق ولايجد سياسيوها إلا أن يتخلوا عن أكاذيب إشتغلوا عليها لعقود عندما كانوا في المعارضة التي تحولت الى سلطة لايمكن التخلي عنها لمجرد مبادئ موهومة لاتشبع جوع سكان المقابر وملايين العاطلين عن العمل والشباب الطامحين في مستقبل أفضل ثم هم الآن يركضون جهة هذه العاصمة أو تلك ليستجدوا المساعدات والوعود التي يعودون الى عواصمهم ليجتروها عبر وسائل إعلام مرتبكة ولاتدري الوجهة التي يجب أن تكون عليها.
العراق لم يشهد ثورة كتلك التي شهدتها دول عربية إستغلتها تركيا لصالحها وكان نظامه أسقط بفعل خارجي بعد إنتفاضات موؤدة في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وهو وفق تلك الحسابات لايخضع لشروط التدخل التركي المباشر وهي الميزة التي توفرت لإيران نتيجة عوامل ثقافية وجغرافية وعقائدية ماأدى الى شعور بالإحباط بعد صعود المشروع القريب للرؤية الإيرانية وكان المالكي وحزبه جزء من مشروع مضاد للتوجه التركي السعودي القطري وصار الطموح كبيرا لوقفه وتحجيمه برغم الدعم السياسي والإقتصادي الذي يتلقاه من إيران الأمر الذي أدى الى صموده وتمتعه ببعض مزايا المواجهة مع تركيا وغيرها خاصة وإن الاخيرة يمكن أن تتلقى الضربات من طهران من خلال وقف تدفق التجارة التي تعتاش عليها تركيا مع آسيا الوسطى عبر الأراضي الإيرانية وإمكانية وقف تدفق الغاز الإيراني ثم طرد الشركات التركية من العراق وحرمان الآلاف من المواطنين الترك من فرص عمل مواتية في الساحة العراقية.
الدعوة التركية لاتعني رغبة في تحسين العلاقات لجهة الإعتراف بالحضور العراقي الطبيعي بل لإحساس بحجم الثمن الذي لاتحتاج أنقرة وليست مضطرة لدفعه في حين إن فرصا أكبر قد تتحقق من خلال تفاهمات لايمكن أن يعطلها حكم قضائي على مسؤول عراقي يمكن أن يمر به كل مسؤول حول العالم.
المقالات التي تنشر بالموقع تعبر عن رأي أصحابها